وكان "المجلس الانتقالي"، وعقب أشهر من التهدئة مع الحكومة الشرعية، قد أصدر يوم الأحد الماضي، بياناً ندد فيه بأنشطة وزير الدولة لشؤون مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل ياسر الرعيني، التي تضمنت رؤية بتقسيم الدولة اليمنية إلى ستة أقاليم فيدرالية تنتظم في إطار دولة اتحادية. وقال المجلس إن "الترويج لتلك المخرجات ممارسات مستفزة"، باعتبارها تنال من المشروع الذي يتبنّاه الانفصاليون المدعومون إماراتياً، بإعادة تقسيم اليمن إلى دولتين، بناءً على ما كان سائداً قبل إعادة توحيد البلاد في عام 1990.
ووصف المتحدث باسم "الانتقالي"، سالم ثابت العولقي، في بيان ترويج الحكومة لـ"مخرجات الحوار"، أنه "أمر غير صائب وغير حكيم ومثير للفتنة". وقال إنها "إجراءات لا تخدم التهدئة التي رعاها التحالف العربي في الفترة الماضية، وانعكست إيجاباً على المدينة، باستقرار أمني ملحوظ"، في إشارة إلى التهدئة التي رعتها السعودية والإمارات العام الماضي. وأرسل المتحدث رسالة إلى الشرعية، مفادها أن "عدن عاصمة للجنوب". وقال إنه "في وسع هذا الوزير عندما تعود حكومته إلى صنعاء أن يروّج لمشروعه".
وبعودة تصريحات "الانتقالي" ضد الحكومة إلى واجهة الإعلام، كسر الصمت الذي ساد لأشهر، تحديداً في ما يتعلق بالتصعيد ضد "الشرعية"، واقتصرت أنشطته على فعاليات واجتماعات تنظيمية لا ترقى إلى مواقف، وعلى نحوٍ جعله يبدو بنظر البعض، كما لو أنه بات "ورقة محروقة"، استخدمتها الإمارات كوسيلة للتصعيد والضغط على الحكومة الشرعية. وحين بلغت أزمة الشرعية ـ أبوظبي أوجها في منتصف العام الماضي، ووصلت إلى حدّ رفع شكاوى يمنية في مجلس الأمن الدولي ضد الإمارات، اضطرت الأخيرة إلى التقليل من استخدام ورقة الانفصاليين في سبيل التهدئة مع الشرعية.
وأفادت مصادر محلية في عدن لـ"العربي الجديد" بأن "التهدئة التي سادت منذ أشهر على صعيد أزمة المجلس الانتقالي مع الشرعية، أبقت على عوامل التوتر قائمة في مدينة عدن، إذ لا يزال الانفصاليون والموالون للإمارات يحتفظون بالقوات الموالية لهم، بما فيها تشكيلات (الحزام الأمني) والوحدات التابعة لمدير أمن عدن اللواء شلال علي شائع، الذي يمثل ذراع الانتقالي في منصب رسمي بسلطة المدينة. كذلك نظّم المجلس عرضاً عسكرياً على الأقل في الأشهر الأخيرة، للتأكيد على أنه يحتفظ بقوات أو مليشيات خارجة عن سيطرة الدولة ومؤسساتها الرسمية.
ودخلت العلاقة بين "الانتقالي" و"الشرعية" مرحلة جديدة، منذ إطاحة رئيس الحكومة اليمنية السابق أحمد عبيد بن دغر، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد أن تصدر الأزمة مع الإماراتيين ورفع "الانتقالي" مطالب بإسقاطه لشهور طويلة. وجاء البديل، رئيس الوزراء الحالي، معين عبدالملك، بسياسة واضحة المعالم، مدعومة على ما يبدو من السعودية، وتتمثل في التركيز على الملفات الاقتصادية والخدمية والابتعاد عن الملفات السيادية التي تثير الخلافات، بما فيها الملف الأمني. وهذه السياسية مكنته من البقاء في عدن من دون ضجيج أغلب الفترة الماضية منذ تعيينه، لكنه بنظر بعض المنتقدين على رأس "حكومة بلا سيادة". وفي البيان الأخير الصادر عن "الانتقالي"، دعا فيه "إلى التركيز على الخدمات وتحسين أوضاع المواطنين والابتعاد عن المكايدات السياسية والحفاظ على التهدئة فذلك أجدى وأنفع".
وبعد مرور عام على أحداث عدن في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، التي سعى خلالها الانفصاليون إلى إكمال السيطرة على عدن وطرد الحكومة الشرعية، لا يبدو ملف الترويج لـ"مخرجات الحوار"، من قبل الحكومة، السبب الوحيد للتحذير الذي أرسله حلفاء الإمارات، بقدر ما أنه رسالة يحاول من خلالها المجلس تسجيل حضوره والتأكيد على أنه ما يزال قادراً على صدارة التصعيد مجدداً. وعلى الرغم من خفوت حضوره في الأشهر الماضية، إلا أن "الانتقالي" كرّر الدعوات إلى إشراكه في الحوار السياسي، من دون أن يجد تجاوباً، سواء من جانب الشرعية، التي تعتبره تمرداً، أو من قبل المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث وفريقه، الذي يعتبر أنه من الصعوبة إدخال الانفصاليين طرفاً ثالثاً بين الحكومة وجماعة أنصار الله (الحوثيين).
في المقابل، لا يبدو وضع الشرعية أفضل حالاً كنتيجة للتهدئة المفروضة مع الانفصاليين، بل على العكس من ذلك، ما يزال أغلب مسؤوليها، بما فيهم الرئيس عبدربه منصور هادي، خارج البلاد، ولا يجدون فرصة لموطئ قدم آمن في المدينة التي يصفونها بـ"العاصمة المؤقتة". الأمر الذي ينعكس بصورة سلبية على أداء الشرعية أمام الداخل اليمني، وفي طاولة المفاوضات مع الحوثيين، الذين يفاوضون من موقع قوة، بحكم السيطرة على العاصمة صنعاء.