عملية "طوق الحمادة" جنوب طرابلس: هل بدأ الفصل الأخير من معارك حفتر؟

30 يناير 2019
لم يحوّل حفتر عينه عن طرابلس (Getty)
+ الخط -
يبدو أن عين اللواء المتقاعد خليفة حفتر لم تتحول عن طرابلس؛ فبعد أيام من إعلانه عن إطلاق عملية عسكرية باتجاه الجنوب منتصف الشهر الجاري، أعلن، الأحد الماضي، بشكل مفاجئ، عن عملية عسكرية جديدة تحت اسم "طوق الحمادة"، تستهدف السيطرة على مناطق الحزام الجنوبي للعاصمة طرابلس، تقودها هذه المرة قوات موالية لحفتر من مدينة الزنتان الجبلية.

وبالتوازي، أكدت مصادر عسكرية أن اللواء أسامة الجويلي، آمر المنطقة العسكرية الغربية، المكلف من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، كوّن، برفقة مليشيات طرابلس، قوة جديدة تعرف باسم "قوة حماية ترهونة" استعدادًا لاقتحام ترهونة (93 كلم جنوب غربي طرابلس)، والسيطرة على مواقع اللواء السابع بها، تحت ذريعة إبعاد خطره نهائيًا عن العاصمة، بعد أن هاجمها مرتين؛ الأولى في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والثانية خلال الشهر الجاري. لكن تلك المصادر تؤكد أيضًا أن الهدف الحالي للقوة الجديدة كسر الحصار، الذي يسعى حفتر لضربه على العاصمة تمهيدًا لاقتحامها.

من جانب آخر، لا يزال الغموض يخيم على مواقف مليشيات طرابلس، فبينما تشير أخبار كثيرة إلى اتصالات تجريها الإمارات بقائد لواء ثوار طرابلس، هيثم التاجوري، وميول قوة الردع الخاصة السلفية في طرابلس لحفتر، إلا أن مواقف قوى عسكرية أخرى لا تزال رافضة لحفتر، ومن ورائها قادةُ طرابلس السياسيون، ما يزيد من كثافة الغيوم الملبدة التي تحيط بحقيقة الأوضاع في العاصمة.

وفي مدينة الزاوية، التي لا يفصلها سوى 30 كلم غربًا عن العاصمة، أعلنت قبيلة أولاد صقر، وهي من أقوى القبائل المسلحة بالمدينة، مساء أمس الثلاثاء، عن دعمها عملية حفتر في الجنوب.

ويبدو أن خطط حفتر الحالية تهدف إلى الاستفادة من الخلافات بين المناطق والانشقاقات في صفوف مقاتليها؛ فبالإضافة إلى الجنوب المنقسم حيال تقدم حفتر بين رافض ومؤيد، بدا الخلاف واضحًا في الزنتان، أكبر مدن الجبل الغربي تسليحًا؛ فهناك قوة من المدينة يقودها اللواء أسامة الجويلي، كقائد للمنطقة العسكرية الغربية التابعة لحكومة الوفاق، تستعد لشن حرب على ترهونة للتشويش على خطط حفتر، وهناك أيضًا قوة يقودها اللواء إدريس مادي كقائد لعملية "طوق الحمادة" التي تستهدف السيطرة على مناطق الحزام الجنوبي للعاصمة.

وفي الزاوية، التي تعتبر من أبرز المناطق المعارضة لحفتر، والتي ينتمي لها رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، يشير بيان قبيلة أولاد صقر المؤيد لعملية حفتر في الجنوب إلى إعلان القبيلة الضمني ولاءها لحفتر.

كما أن مسمى العملية الجديدة "طوق الحمادة" يحمل دلالات كبيرة على أهداف عسكرية، فبحسب إعلان قيادة قوات حفتر؛ فإنها تهدف إلى السيطرة على الشريط الواصل من القريات، وسط الجنوب، والتي تمثل نافذة طرابلس الرئيسية للجنوب، مرورًا بعشرات القرى، وصولًا إلى غدامس الحدودية مع الجزائر. ويؤكد توزيع هذه المناطق طبوغرافيًا أنها تشكل طوقًا على العاصمة من جهة الجنوب.


لكن المشترك في حراك حفتر الجديد مع ما سبقه؛ هو الغموض الذي يسود كل تحركاته، والأطراف التي يمكن أن يعتمد عليها؛ فبالإضافة إلى عدم وضوح نتائج معركته في الجنوب حتى الآن، والتي يبدو أنها لم تتجاوز سبها، لم يعلن عن نتائج عملية "طوق الحمادة" إلى اللحظة، رغم مرور ثلاثة أيام على تأكيد قيادة حفتر خروج اللواء مادي على رأس قوة لبدء العملية، كما أن قوى مسلحة بالعاصمة وعلى أطرافها، لا يزال موقفها الرمادي يشكل مصدر خوف بالنسبة إلى خصوم حفتر؛ فحتى الآن لم يعرف من هو اللواء السابع ومن قادته ومن يقدم له الدعم العسكري، كما أن هيثم التاجوري، قائد لواء ثوار طرابلس لم يخرج لنفي علاقته بدولة الإمارات التي طالما تحدثت عنها وسائل الإعلام، وهو حال قائد قوة الردع الخاصة السلفية.
وعلى صعيد قادة طرابلس السياسيين؛ فبخلاف إعلان رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، معارضته لتحركات حفتر العسكرية الجديدة، لم يصدر عن المجلس الرئاسي ووزراء حكومته أي بيان، لكن مراقبين يرون أن سلوك وزير الداخلية بالحكومة، فتحي باشاغا، أخيرًا، يؤكد وجود تفاوض واتصالات بمدينة مصراته، التي يتحدر منها الوزير، مع حفتر؛ فبالإضاقة إلى علاقة بدت واضحة بينه وبين مليشيات اللواء السابع، التي يُشتبه بعلاقتها بحفتر، والتي حاول تمكينها من مواقع حيوية بطرابلس في الآونة الأخيرة، أعلن جهارًا عن تواصل مع أجهزة أمن حفتر ضمن خطة توحيد الجهاز الأمني في البلاد، ومباركته علنًا زيارة مدير مديرية أمن طرابلس لبنغازي لعقد لقاء علني مع مدير مديرية بنغازي مطلع الشهر الجاري.


كل هذه التحركات لا يمكن فصلها عن أطراف إقليمية ودولية داعمة لحفتر أو معارضة له، كان رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، خلال مؤتمر صحافي في تشاتام هاوس بلندن، مساء أمس الثلاثاء، قد أشار إلى شيء منها، عندما علل أسباب استمرار قفل حقل الشرار في الجنوب الليبي بالقول: "تعقد الموقف أكثر بإطلاق مهمة دولية لمكافحة الإرهاب، توسعت لتصبح محاولة للسيطرة على منطقة قد تحوي بنية تحتية وطنية للنفط"، وهو بكل تأكيد يشير إلى قوى دولية تقف وراء عملية حفتر في الجنوب.

وكانت مصادر عسكرية من الجنوب الليبي قد أكدت في مناسبات سابقة وجود دعم فرنسي لتحرك حفتر باتجاه الجنوب بتنسيق مع تشاد، كما تحدثت تقارير إعلامية عن سعي فرنسي إماراتي لدعم وجود حفتر في الغرب الليبي قريبًا من طرابلس، وسط معارضة مصرية وجزائرية، وترى تلك التقارير أن لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، أخيرًا، لإنهاء خلافه مع الإمارات بشأن توجه حفتر لطرابلس، بينما جاءت زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، للجزائر، الأسبوع الماضي، لتليين موقفها الرافض اقتراب حفتر من حدودها الشرقية.

لكن، ماذا بشأن رافضي حفتر، من الكتل المسلحة في غرب البلاد، وقادة الأطياف السياسية المحلية، ومواقف الدول المعارضة لحفتر، كإيطاليا المنافس الأبرز لفرنسا؟ وكيف تفهم تصريحات اللواء عبد الرزاق الناظوري، رئيس الأركان المكلف من مجلس النواب والموالي لحفتر، قبل أسبوعين، بأن "الجيش (قوات حفتر) لن يدخل طرابلس مقاتلًا"، وتأكيدات المتحدث باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، أن حفتر لا يملك قوات في طرابلس وأنه سيتعامل مع طرابلس "بأسلوب حرفي"؟ وتصريحات حفتر نفسه برغبته في الوجود في طرابلس، وآخرها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بقوله: "تحركنا باتجاه طرابلس سيتم في الوقت المناسب وبالشكل الصحيح؟".