وفي هذا الشأن، يقول المحامي المقدسي، معين عودة، المتخصص في قضايا حقوق الإنسان والقانون الدولي، لـ"العربي الجديد"، إنه "من ناحية قانونية أعطت إسرائيل الحق للفلسطينيين في القدس الشرقية بالمشاركة في الانتخابات البلدية، لكنها منعتهم من المشاركة في الانتخابات التشريعية". ويضيف "أيضاً بإمكان سكان القدس الشرقية من حملة الهوية المقدسية الترشح للمجلس البلدي، لكن ليس بإمكانهم الترشح لمنصب رئيس البلدية إلا في حال حصولهم على الجنسية الإسرائيلية". ويرى عودة أنه من ناحية القدرة على التأثير في نتائج الانتخابات، أو تغيير الواقع القائم الآن، فإنه وعلى الرغم من أن الفلسطينيين يشكلون نحو 37 في المائة، إلا أن معظم السياسات المتعلقة بمدينة القدس تقررها الحكومة المركزية، وبالتالي فإن دخول فلسطيني أو أكثر إلى المجلس البلدي لن يكون ذا تأثير حقيقي على السياسات العامة ذات الأهمية، (خصوصاً موضوع التخطيط والبناء والبنى التحتية). وأشار إلى أنه حتى لو نجح فلسطيني بالدخول إلى البلدية، فإن عليه أن يكون على الأقل نائب الرئيس، حتى يسمع صوته ولو قليلاً، وهو أمر صعب أيضاً.
وفي هذا التبرير، يقول عودة: "لا داعي أن تكون على معرفة بالقوانين الإسرائيلية، أو تكون مطلعاً على ميزانيات بلدية القدس الإسرائيلية للأحياء المقدسية الفلسطينية، حتى تفهم وترى حجم الإهمال للأحياء الفلسطينية في المدينة. فجولة بسيطة في أحيائها تظهر للزائر قبل المقيم حجم الإهمال في تقديم الخدمات البلدية للفلسطينيين هناك، فأكوام النفايات منتشرة، والبنى التحتية مهترئة، ومخططات البناء لتلك الأحياء قليلة جداً، ورخص البناء الممنوحة للفلسطينيين محدودة جداً". ويلفت عودة إلى الإجماع الوطني في مدينة القدس، منذ احتلال المدينة العام 1967 وحل مجلس أمانة القدس المنتخب إبان العهد الأردني وإبعاد أمين المدينة روحي الخطيب إلى الضفة لمعارضته ضم المدينة لإسرائيل، وهو رفض المشاركة في الانتخابات البلدية الإسرائيلية، لأن الوجود الإسرائيلي في المدينة هو احتلال عسكري والمشاركة في الانتخابات هي شرعنة للاحتلال وقبول بالضم. ويضيف عودة "ترى الأغلبية من الفلسطينيين في القدس نفسها جزءاً لا يتجزأ من الشعب والهوية الفلسطينية، وأن المشاركة في الانتخابات هي جزء من الاحتواء الإسرائيلي للمقدسيين وقبولهم لتطبيق القانون الإسرائيلي عليها". ويوضح "حتى لو نجح فرد فلسطيني مقدسي بالدخول إلى المجلس البلدي، فإن إمكانية التأثير، حتى في القرارات الصادرة عن المجلس البلدي، ستكون شبه معدومة. إن إمكانية التأثير تكون عندما يكون عضو البلدية جزءاً من الائتلاف البلدي وكونه نائب رئيس البلدية، وهو لن يكون وارداً في الحالة الفلسطينية المقدسية. وبناء على هذا، فإن الدخول إلى المجلس البلدي، إن حدث، لن يكون ذا ثقل بالمرة".
وكان للموقف الفلسطيني الوطني الرافض لهذه المشاركة دور حاسم في اتخاذ أي قرار بهذا الخصوص، حتى من قبل شخصيات فلسطينية عامة كانت طرحت في السابق إمكانية المشاركة في هذه الانتخابات بأجندة فلسطينية، مثل المحرر المسؤول لصحيفة "الفجر" المقدسية، حنا سنيورة، الذي طرح مثل هذه المشاركة، ودعمه فيها عضو البلدية السابق موشيه عميراف، قبل أن يعلن الفلسطينيون رفضهم الحازم لأي مشاركة. ويرى الكاتب والمحلل السياسي المقدسي، راسم عبيدات، أن "الاحتلال لن يسمح لأي مرشح مقدسي، إن فاز في الانتخابات، أن يغيّر من قوانين الاحتلال ومخططاته، إلا منحه صلاحية جمع القمامة من الأحياء الغارقة في أكوام النفايات، أو تعبيد شوارع مدمرة". ويحذر عبيدات، في حديثه لـ"العربي الجديد"، من "أي محاولة مغلوطة وخاطئة، يخلط أصحابها بين الحقوق السياسية والقانونية للشعب الفلسطيني وما يطلقون عليه الخدمات البلدية"، مؤكداً ثبات الموقف الرسمي والوطني الداعي إلى "المقاطعة ورفض المشاركة" في انتخابات لن تغير من واقع المقدسيين شيئاً.
ويتفق موقف عبيدات مع ما يؤكده، القيادي في حركة "فتح" ووزير القدس السابق، حاتم عبد القادر، لـ"العربي الجديد"، من أن أي محاولة لإشراك المقدسيين في هذه الانتخابات، سواء من بعض المرشحين أو من يؤيدون كسر الإجماع الوطني الفلسطيني بخصوصها، ستبوء بالفشل، والمقدسيون قادرون على إحباطها من خلال مقاطعتها وعدم المشاركة فيها، وهو ما أثبتته تجارب الانتخابات في السنوات السابقة، وأكدته معركة الصمود المقدسي في باب الأسباط قبل نحو عام. ويضيف "الأشخاص الذين يبررون مشاركتهم فيها إنما يخدمون الاحتلال ولا يخدمون المواطن المقدسي، الذي يعاني من وطأة ممارسات البلدية ومن هيمنة الأحزاب اليمينية العنصرية المتطرفة على إدارة البلدية وتصدّرها المواجهة اليومية مع المقدسيين".
وليس بعيداً عن مواقف القوى الوطنية وآراء الكتّاب والمحللين السياسيين المقدسيين، فإن المرجعيات الدينية المقدسية، وعلى رأسها الهيئة الإسلامية العليا ومجلس الإفتاء الأعلى، كان لها الموقف الداعم والمساند للموقف الوطني برفض المشاركة في هذه الانتخابات، التي اعتبرها رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى، الشيخ عكرمة صبري، خروجاً عن كل القيم. ويقول صبري، لـ"العربي الجديد"، "لن نعطي الاحتلال شرعية من خلال هذه المشاركة التي سيستغلها في الظهور بمظهر الديمقراطي، وهو الذي يمارس كل سياسات التطهير والاقتلاع بحق المقدسيين مستهدفاً وجودهم وحضورهم المادي والمعنوي". وفي السياق ذاته، أصدر مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين، قبل أيام، فتوى تحرّم المشاركة، ترشحاً أو انتخاباً، في انتخابات بلدية الاحتلال في القدس المحتلة المقررة في الثلاثين من أكتوبر/تشرين الأول المقبل. واعتبر المجلس أن سلطات الاحتلال، ومنذ احتلال القدس في العام 1967، لم توقف مساعيها لإخضاع أهل المدينة، ودفعهم إلى الركون إليها، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على كافة أرجاء المدينة، من خلال سبل وطرق مختلفة، منها إغرائهم بالمشاركة في انتخابات بلدية المدينة تارة، وابتزازهم بتقليص خدمات البلدية وسياسة الهدم، وعدم منح تراخيص البناء، وفرض الضرائب الباهظة على أهلها تارةً أخرى، وكل ذلك لتحقيق حلم الاحتلال بترسيخ السيادة الإسرائيلية عليها. ورأى مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين أن المشاركة في انتخابات البلدية محرمة شرعاً، إذ إن هذه المسألة تخضع لقواعد المصالح والمفاسد، والمرجع في تقديرها العلماء الراسخون العارفون بمآلات الأمور ونتائجها، ولا شك أن المفاسد المترتبة على المشاركة كبيرة وعظيمة، إذا ما قورنت بالمصالح المستجلبة، ومنها "الركون إلى الظالمين، ومساعدة الاحتلال في ترسيخ سياساته ومخططاته المتعلقة ببسط نفوذه على المدينة، والقبول به، حتى يصبح أمراً واقعاً، والمساعدة في تهويد المدينة، وتغيير معالمها التاريخية والدينية، من خلال الإجراءات التي تقوم بها البلدية، وهذا يساهم في تزوير الحقائق".
وشدد المجلس، في فتواه، على عدم الالتفات لمن يبرر المشاركة بذريعة الدفاع عن المصالح، وتحقيقها قدر المستطاع. وقال إن "التجارب مع الاحتلال أثبتت عكس ذلك، كما أن المسائل الاستراتيجية المتعلقة بالمدينة، كالمخططات الهيكلية والبناء والاستيطان، يتم تشريعها عن طريق ما يسمى بحكومة الاحتلال المركزية، وليست من صلاحيات المجلس البلدي المنتخب، فضلاً عن عدم قدرته على تغييرها. يضاف إلى ذلك ما أكدت عليه القوانين الدولية بأن مدينة القدس محتلة، وأنها عربية إسلامية، ما يساعد، حال المشاركة في انتخابات بلديتها، في شرعنة الاحتلال. وقد جاء في القرار 465 الصادر عن مجلس الأمن على سبيل المثال، إن جميع التدابير التي اتخذتها إسرائيل لتغيير المعالم المادية والتركيبة السكانية، والهيكل المؤسسي للأراضي الفلسطينية وغيرها من الأراضي المحتلة لعام 1967، بما فيها القدس أو جزء منها، ليس لها أي مستند قانوني".