لماذا فشل البرلمان التونسي في تعيين رئيس لهيئة الانتخابات؟

03 اغسطس 2018
بدأ البرلمان التونسي عطلة رسمية (فرانس برس)
+ الخط -
شرع البرلمان التونسي في عطلته البرلمانية، بشكل رسمي، دون الحسم في انتخاب رئيس الهيئة العليا للانتخابات، بالرغم من بقاء مرشح وحيد، وسط الصراع الخفي بين الكتل النيابية لوضع اليد عليها، الأمر الذي يهدّد مصير التحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية العام المقبل.

ويبدو للوهلة الأولى أن لا خلاف حول رئاسة هيئة الانتخابات، بعد سحب نبيل عزيزي ترشحه، وبقاء المرشح نبيل بفون وحده، لا يفصله عن دفة الرئاسة سوى نيل ثقة الأغلبية المطلقة من النواب في البرلمان (109 أصوات)، غير أنّ ثلاثة أسباب تقف أمام نجاح هذا الاحتمال، وقد تزيد في المقابل، من تعقيد العملية الانتخابية، وتعطل كامل مسار انتقال السلطة من الرئيس المستقيل التليلي المنصري إلى خلفه المرتقب.

وتعتبر هيئة الانتخابات في تونس، الهيئة الدستورية الوحيدة القائمة منذ المصادقة على الدستور في 2014، وهي بدورها تتقاذفها رياح التجاذبات السياسية والصراعات الداخلية.

واتهم غازي الشواشي أمين عام حزب "التيار الديمقراطي"، والنائب عن الكتلة الديمقراطية، السلطة بأنّها "غير مبالية بوضع الهيئات الدستورية، بل تبحث عن حلها ليعود تنظيم الانتخابات تحت إشراف وزارة الداخلية، ليضمن الحاكمون الآن دوام الحكم ونتائج انتخابات لصالحهم، بعد أن أيقنوا أنّ الشعب ملّ وعودهم الزائفة".

ورأى الشواشي، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، أنّ "هناك تعطيلاً مقصوداً لانتخاب المحكمة الدستورية، ولانتخاب هيئة الانتخابات، وافتعالاً لمشاكل بهدف ضرب المسار الديمقراطي"، مؤكداً أنّ "الكتلة الديمقراطية متمسكة بترسيخ وتثبيت المؤسسات الدستورية لحماية النظام الجمهوري الديمقراطي".

ويهدد تأجيل الحسم في قضية رئاسة هيئة الانتخابات، الانتخابات التشريعية والرئاسية المرتقبة في خريف 2019.

وتبحث غالبية الأحزاب عن ولاء هيئة الانتخابات، وتسعى لتضع يدها عليها أو أن يكون لها موطئ قدم داخلها، لتضمن تمرير مضامينها أو غض الطرف عن الانتهاكات والمخالفات الانتخابية.

وإن كان تصويت البرلمان لانتخاب أعضاء الهيئة ورئيسها، ضمانة أمام عدم العودة إلى مربع التعيينات وتنظيم وزارة الداخلية للانتخابات، تبدو الهيئة منخرطة بدورها في التجاذبات السياسية والحسابات الحزبية والشخصية، وتظهر رهينة للأغلبية التي منحتها الثقة، إذ انعكست هذه التجاذبات في الصراعات داخل الهيئة نفسها، وسط التداخل بين الأمور السياسية والدستورية والانتخابية.


وأما السبب الثاني وراء تأجيل حسم انتخاب رئيس هيئة الانتخابات، فيتمثل في تمسّك مجموعة برلمانية من كتل مختلفة، بفتح ملف الفساد داخل الهيئة، والتحقيق في الأخطاء التي دفعت مجلس هيئة الانتخابات إلى طلب إعفاء الرئيس المستقيل التليلي المنصري الذي قام بدوره بمراسلة البرلمان لكشف تجاوزات أعضاء الهيئة، قبل أن يقدّم استقالته، في محاولة للحفاظ على عضويته وإرضاء بقية الأطراف التي غضت الطرف عن الانتهاكات، في سبيل ترشيح رئيس جديد.

وتمسّكت كل من كتلة "الحرة"، و"مشروع تونس"، وكتلة "الاتحاد الوطني الحر"، وكتلة "الولاء للوطن"، وعدد من المستقلين (يبلغ عددهم 60 نائباً) بمقاطعة الجلسة الانتخابية، مطالبين بالاستماع إلى الرئيس المستقيل، أو عقد جلسة لإعفائه.

وجعل السببان السابقان قيادة البرلمان، تفكّر ملياً قبل المجازفة بالمرور مباشرة إلى جلسة انتخابية لرئيس الهيئة، قد لا يحصل فيها المرشح الوحيد على الأغلبية المطلوبة، ما يضطر البرلمان بالتالي إلى إعادة فتح باب الترشيحات من جديد.

وجاء التأجيل أيضاً، وسط الخلاف القائم بين كتلتي الأغلبية، "نداء تونس"، و"حركة النهضة"، على انتخاب رئيس الهيئة، الذي يصعب تحقيقه دون توافق بينهما، في ظل معارضة بقية الكتل.

ويعتبر المقرر العام للدستور، النائب الحبيب خضر، مساعد رئيس البرلمان المكلف بالهيئات الدستورية، أنّ رئيس البرلمان محمد الناصر لا يبالي بهيئة الانتخابات، في وقت يصر جميع الأعضاء على ضرورة الإسراع بانتخاب رئيسها وأعضائها.

وقال خضر، في تدوينة على صفحته في "فايسبوك"، إنّه أعد خطة لتجديد ثلث تركيبة الهيئة، وعرض البرنامج على المكتب، وكان من المفترض أنّ يتم الانتخاب، يوم الجمعة الماضي، "ولكن لم يتوفر النصاب، وكان من الممكن التدارك يوم السبت، إلا أنّ رئيس البرلمان فوّت الفرصة دون مبالاة"، بحسب وصفه.


وفي حال عدم تقديم عريضة لعقد دورة استثنائية لانتخاب رئيس هيئة الانتخابات، خلال العطلة الممتدة على شهرين، بداية من أغسطس/آب الحالي، فإنّ الانتخابات تبدو مؤجلة لا محالة إلى شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، موعد بدء الدورة الخامسة والأخيرة من ولاية البرلمان.