النظام يسابق التفاهم التركي - الروسي بالتهيئة لمحرقة في إدلب

16 اغسطس 2018
"هيئة تحرير الشام" تستعدّ لمعركة إدلب(عمر حاج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -
بات شمال غربي سورية على مفترق طرق وعرة، مع بدء قرع طبول الحرب في كل اتجاه، وهو ما دفع للترقب الحذر للموقف، خصوصاً في محافظة إدلب التي باتت معقل المعارضة السورية المسلحة الأبرز، كما أنها معقل لـ"هيئة تحرير الشام" (التي تُشكّل جبهة النصرة عمودها الفقري)، التي أغلقت الأبواب أمام حلول ربما تجنب المنطقة حرباً يوحي النظام بأنها ستكون بمثابة محرقة. وبات من المرجح توصل الأتراك والروس إلى تفاهمات تحدد مصير شمال غربي سورية. وأفادت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، بأن "عملية عسكرية مشتركة، لم تتحدد كل تفاصيلها بعد، ستجرى بعد القمة الرباعية التي تجمع قادة تركيا وروسيا وألمانيا وفرنسا الشهر المقبل في إسطنبول، وتشمل عمليات عسكرية تركية ضد جبهة النصرة بمساعدة المعارضة المصنفة بأنها معتدلة، في مقابل استهداف جوي من قبل روسيا، وربما النظام". وجاءت تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، يوم الثلاثاء الماضي، في مؤتمره الصحافي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، في أنقرة، لتدعم معلومات الحملة المشتركة ضد "النصرة"، إذ قال جاووش أوغلو إنه "يجب حل الأزمة المتعلقة بإرهابيي جبهة النصرة والمجموعات الإرهابية التي جاءت من حلب والغوطة الشرقية وحمص"، وأنهم سيجدون حلاً لها مع الجانب الروسي والحلفاء "باستهداف الإرهابيين فقط من دون المدنيين".

ولفتت المصادر التركية الخاصة إلى أن "هذه العملية لن تكون شاملة ولن تستهدف المدنيين ولن يكون هناك اجتياح، مع احتمال كبير لانتشار الشرطة الروسية والتركية مستقبلاً، وتكون في النهاية اليد العليا لتركيا في إدلب مع ضمانها للفصائل المعتدلة، في حين تسعى روسيا إلى حصر المسار الميداني في سورية بقتال داعش والنصرة، قبيل البدء بالعملية السياسية في مسار منفصل". في المقابل، يتم تأمين الضمان الروسي لاستمرار حماية المدنيين وبقاء الوضع كما هو في إدلب، والتركيز على استهداف النصرة. كما أن هناك حديثاً على الطاولة بطلب روسي يشمل منح النظام ممراً جنوب غربي محافظة إدلب، يربط محافظة اللاذقية بريف حمص الشمالي، من أجل الموافقة على عدم اجتياح إدلب. ولكن المعارضة السورية المسلحة تؤكد أنه لا معطيات لديها حول عملية عسكرية ضد "هيئة تحرير الشام"، التي يضغط المجتمع الدولي باتجاه سحقها قبل الشروع في عملية تفاوضية تضع البلاد على سكة حل سياسي دائم. وأكد المتحدث الرسمي باسم الجبهة الوطنية للتحرير، وهي تكتل رأى النور حديثاً ويضم فصائل معارضة بارزة، النقيب ناجي أبو حذيفة، أن "لا معلومات لديه حول العملية العسكرية المفترضة".

من جانبه، أكد قائد العمليات في "جيش العزة"، أبرز فصائل المعارضة المسلحة في ريف حماة الشمالي، العقيد الطيار مصطفى البكور، أنه "لا يوجد لدينا تأكيد حول أي اتفاق تركي روسي على عملية عسكرية ضد الهيئة، ولا توجد لدي أي معلومات حول هذا الموضوع"، مؤكداً رفض "جيش العزة المشاركة في أي اقتتال داخلي قد يؤدي إلى إضعاف الثورة". وأضاف أن "الروس مصرّون على القضاء على الثورة، وهم يتبعون سياسة الاستفراد بكل فصيل، وأعتقد بأنه بعد القضاء على الهيئة سيتم التوجه لقتال الفصائل الأخرى أيضاً للقضاء عليها". وأعرب البكور عن اعتقاده بأن "القضاء على هيئة تحرير الشام في شمال غربي سورية، لا يعني نهاية المخطط الروسي لإعادة السيطرة على كامل سورية"، ولكنه اعتبر أن "ما يتحكم بمصير الشمال السوري هو الاتفاقات التركية الروسية".



وبات من الواضح أن أنقرة لم تستطع إقناع "هيئة تحرير الشام" بالمساعدة في تفتيت عوامل الأزمة، من خلال حل نفسها وتوزيع عناصرها على فصائل المعارضة السورية. وهو ما وضع الأتراك وجهاً لوجه أمام حل الصدام العسكري المباشر مع الهيئة من خلال الفصائل التابعة للمعارضة السورية. وأغلقت الهيئة كل الأبواب أمام حلول طُرحت لتفادي مواجهة معها، حين قال القيادي في "هيئة تحرير الشام" مظهر الويس، منذ أيام، إن "سلاح الهيئة خط أحمر"، مهدداً "بقطع اليد التي ستمتد لسلاحها".

وأضاف القيادي في تدوينات على تطبيق "تلغرام"، أن "من يتحدث عن حل الهيئة، فعليه أن يحل الأوهام والوساوس في عقله المريض، وقرار الهيئة بيد أبنائها الصادقين"، مشيراً إلى أن "هيئة تحرير الشام هي رأس الحربة في الساحة، وهي مع الصادقين من المجاهدين شوكة أهل السنة، لذلك لا يتوقف المغرضون عن الإشاعات التي تأتي في إطار الحرب النفسية، والغاية نزع إرادة القتال من المجاهدين وإضعاف معنوياتهم". ولكن الويس ترك الباب مفتوحاً لـ"أي تعاون أو تنسيق، بل حتى اندماج يحافظ على ثوابت الساحة ويكون فيه قرار المجاهدين مستقلاً وليس إملاءات من هنا وهناك".

من جانبه، زاد النظام من وتيرة الحرب النفسية والإعلامية التي يشنها على فصائل المعارضة في شمال غربي سورية، حين تحدثت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، أمس الأربعاء، عن أن "قوات النظام استقدمت الحشود الأضخم بتاريخ الحرب السورية" لاستعادة إدلب، لافتة إلى أنه "تم توزيع هذه الحشود على محاور التماس بريف اللاذقية الشمالي، وفي سهل الغاب، شمال غربي مدينة حماة". ونقلت "الوطن" عن "مصادر متابعة" ادّعائها بأن "فائض النار الذي ستستخدمه قوات النظام في المعركة سيشكّل صدمة قوية، وسيؤدي إلى استسلام الكثير من المجموعات قبل البدء بتحريك القوات الاقتحامية"، مشيرة إلى أن "إدلب ستكون محرقة بكل معنى الكلمة لآلاف الإرهابيين". وأكدت أنه "ستفتح جميع الجبهات ضدهم من حلب إلى حماة وصولاً إلى اللاذقية".


ولكن الوقائع العسكرية والمعطيات الميدانية تؤكد أن معركة إدلب (في حال حدوثها) لن تكون كسابقاتها، فقوات النظام تواجه أكثر من 100 ألف مقاتل تابع للمعارضة السورية تمرسوا في القتال طيلة سنوات، لا خيار أمامهم إلا المواجهة العسكرية. وعلاوة على ذلك، لا يملك النظام مقومات فتح عدة جبهات في وقت واحد، إذ تعاني قواته من نقص عددي لن يستطيع عناصر "المصالحات" الذين ضمهم إلى هذه القوات سده. كما أن شمال غربي سورية يضم العديد من التنظيمات المتطرفة التي تخوض معركتها الأخيرة، من أبرزها "هيئة تحرير الشام"، التي تضم آلاف المقاتلين، إضافة إلى تنظيم "حراس الدين" الذي يضمّ مسلحين متهمين بتطرف يفوق تطرف عناصر "هيئة تحرير الشام"، كما يقف مسلحو الحزب التركستاني في المواجهة المنتظرة التي ستغير الكثير من معادلات الصراع في حال عدم إيجاد سبل تحول دون وقوعها.

ومن المتوقع أن يدفع أكثر من 3 ملايين مدني ضريبة الدم الأكبر في هذه المواجهة، ومن المرجح لجوء الطيران الروسي ومقاتلات النظام إلى ارتكاب مجازر كبرى للضغط على المعارضة السورية التي باتت اليوم في موقف حرج للغاية، فاشتراكها في أي عملية عسكرية ضد "هيئة تحرير الشام" تحت غطاء جوي روسي، يعني ارتهانها بالكامل للإرادة الإقليمية، وقبولها بالحلول الروسية للصراع، وهو ما يفقدها ثقة الشارع المعارض وتأييده. كما أن عناد "الهيئة" وتصلّب موقفها يدفع المعارضة إلى مواجهة معها ربما تجنب شمال غربي سورية مصيراً مأساوياً يخطط له النظام الذي يتصرف وفق سياسة "المنتصر المتوحش" الباحث عن سحق كامل للثورة وحاضنها الاجتماعي.


المساهمون