جهود إسرائيلية لتفكيك الاتحاد الأوروبي مع ورثة حلف وارسو

09 يوليو 2018
أوربان ونتنياهو في قمة "فيشغراد"، يوليو 2017(بيتر كوهالمي/فرانس برس)
+ الخط -
يتواصل في إسرائيل الجدل بين رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، وبين خصومه السياسيين، بمن فيهم زعيم حزب البيت اليهودي، نفتالي بينيت، ومركز تخليد ضحايا النازية، المعروف باسم "ياد فاشيم"، والذي تعتبر زيارته جزءاً من البروتوكول الرسمي لكل زيارة يقوم بها مسؤول أجنبي إلى دولة الاحتلال، على أثر البيان المشترك الذي كانت توصلت إليه حكومة نتنياهو مع الحكومة البولندية بشأن دور بولندا في "الهولوكوست"، والذي قامت الحكومة البولندية بنشره في الصحف الإسرائيلية، الجمعة الماضي، وأثار غضباً ضد نتنياهو باعتباره وافق، مقابل مصالح سياسية ضيقة، على منح عفو عن دور بولندا في الفظائع النازية ضد اليهود في أوروبا.

وفتح البيان الذي عارضته مؤسسة "ياد فاشيم"، والتي اتهمت نتنياهو بتزوير التاريخ لنزعات ومصالح سياسية ضيقة، الباب من جديد حول التحالف السياسي الذي يعمل عليه نتنياهو منذ سنوات مع أحزاب وحكومات اليمين المتطرف في دول انضمت للاتحاد الأوروبي، وكانت سابقاً ضمن حلف وارسو، خصوصاً رومانيا والمجر وبولندا وتشيكيا، بحيث تلتقي حكومة نتنياهو مع هذه الدول في التحريض ضد الإسلام وضد موجات الهجرة، مقابل تسهيل وفتح الطريق أمام هذه الدول إلى واشنطن. وبين هذا وذاك استغلال أصوات هذه الدول في الاتحاد الأوروبي لإفشال وإحباط كل قرار إدانة أوروبي ضد إسرائيل وممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا سيما في مجال الاستيطان.

ونشرت الصحف الإسرائيلية مقالات انتقدت سياسة نتنياهو هذه. وخصصت "هآرتس" تقريراً خاصاً للعلاقات بين حكومة نتنياهو وبين حكومات هذه الدول، تحت عنوان "تفكيك الاتحاد الأوروبي، الحلف الإسرائيلي مع دول وسط أوروبا". ووفقاً لتقرير "هآرتس"، فإن أمر إطلاق عملية تفكيك الاتحاد الأوروبي قد صدر العام الماضي، عندما فضح "مايكروفون مفتوح" أمام نتنياهو حقيقة الجهد الإسرائيلي في هذا السياق في يوليو/تموز من العام الماضي، حين سُمع نتنياهو، سواء كان إبقاء "المايكروفون" مفتوحاً مقصوداً أم عن طريق الخطأ، وهو يهاجم الاتحاد الأوروبي بشدة، خلال لقاء مغلق في بودابست مع رؤساء حكومات المجر وتشيكيا وبولندا وسلوفاكيا، وهي الدول المعروفة باسم دول "فيشغراد" التي كانت سابقاً ضمن حلف وارسو خلال الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق وبين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في القرن الماضي.
ووفقاً للصحيفة فقد قال نتنياهو، في اللقاء، إن "الاتحاد الأوروبي هو المنظمة الدولية الوحيدة التي تشترط إقامة علاقات مع إسرائيل باعتبارات سياسية". ومع أن كلام نتنياهو كان موجهاً للوهلة الأولى إلى رؤساء حكومات الدول المذكورة، إلا أنه وصل أيضاً إلى مسامع الصحافيين الذين كانوا استلموا أيضاً سماعات للترجمة، ولم يغلق "المايكروفون" إلا بعد هذه التصريحات وما تبعها من تباهي نتنياهو بالعلاقات المتطورة مع الصين التي لا تعبأ بالقضايا السياسية. وأضاف نتنياهو أيضاً أن رئيس حكومة الهند، ناريندرا مودي، أبلغه أن ما يهمه هو خدمة مصالح الهند. كما أن روسيا لا تضع شروطاً سياسية وكذلك الحال مع الدول الأفريقية، خالصاً إلى القول إن "الشروط الأوروبية تعمل ضد المصالح الأوروبية".


وبحسب الصحيفة، فإن زيارة نتنياهو إلى المجر العام المقبل، مؤشر إلى القادم في العلاقات بين إسرائيل وهذه الدول، نحو تطوير العلاقات مع هذه الدول التي تعتبر حكوماتها الأكثر تطرفاً وقومية في دول الاتحاد الأوروبي، ونحو بناء علاقات متطورة بشكل منهجي للتعاون أيضاً على الصعيد الدولي وليس فقط في العلاقات الثنائية بين إسرائيل وكل دولة من هذه الدول. وقد برز في هذا السياق امتناع نتنياهو عن انتقاد تحريض رئيس الحكومة المجرية، فيكتور أوربان، ضد رجل الأعمال اليهودي المجري الأصل، والأميركي الجنسية، جورج سوروس، أحد ممولي جمعيات اليسار في إسرائيل، بعد أن نشرت صحف مجرية رسومات كاريكاتورية تبين سوروس بمتآمر يمسك بخيوط المؤامرة ضد المجر، وهو كاريكاتير أعاد نجل نتنياهو، يئير، نشره على صفحته على "فيسبوك".

واعتبر تقرير "هآرتس" أن سياسة نتنياهو وتحركاته في هذا المضمار، بما في ذلك غض الطرف عن مظاهر العداء للسامية في تلك الدول، والتي تثير مخاوف في صفوف الجاليات اليهودية نفسها في هذه الدول، لا سيما في المجر، كانت بهدف تجنيد دعم رؤساء هذه الحكومات سياسياً في مواجهة سياسة الاتحاد الأوروبي وضرب الإجماع السائد في الاتحاد الأوروبي ضد إسرائيل في قضايا الصراع مع الفلسطينيين عموماً، وفي مقترحات قرارات مختلفة ضد الاستيطان خصوصاً. وطالب نتنياهو رؤساء الحكومات في ذلك الاجتماع أن "ينقلوا رسالة لزملائكم في أوروبا، لا تتآمروا على مصالح الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تهتم بالمصالح الأوروبية، وتوقفوا عن مهاجمة إسرائيل، فأوروبا تهدد أمن إسرائيل من خلال محاولتها فرض شروط سياسية". وعندما رد عليه أوربان، بأن الاتحاد يفرض شروطاً أيضاً على دول من داخل الاتحاد الأوروبي وليس فقط من خارجه، رد عليه نتنياهو بالقول "إذاً على أوروبا أن تقرر هل تريد العيش والازدهار أم الاختفاء؟".

وتشير الصحيفة، في تقريرها، إلى أنه من المقرر أن يقوم رئيس حكومة المجر بزيارة إسرائيل، الأسبوع المقبل، حيث ينتظر أن يزور بطبيعة الحال مؤسسة "ياد فاشيم"، وأن يزور باحة حائط البراق. وأوكلت مهمة ترتيب تفاصيل الزيارة إلى مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شبات، حيث كان نسق تفاصيل الزيارة خلال مشاركته أخيراً في مؤتمر لنظرائه من دول محور "فيشغراد" التي تدرس تنظيم المؤتمر المقبل لمستشاري الأمن القومي فيها في إسرائيل، بالرغم من أن إسرائيل ليست عضواً في دول "فيشغراد". وإذ تلفت الصحيفة إلى تعاظم الاحتكاك بين حكومة الاحتلال مع دول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً أخيراً بعد الانتقادات التي وجهتها دول من الاتحاد الأوروبي، بينها فرنسا، لمحاولات إسرائيل اقتلاع قرية عرب الجهالين شرق القدس المحتلة، لمصلحة مستوطنة كفار أدوميم، فإنها تشير إلى تعاظم التعاون الإسرائيلي مع دول "فيشغراد"، خصوصاً التوافق بين دولة الاحتلال وبين هذه الدول في قضايا مواجهة الهجرة إلى أوروبا والحرب والتحريض ضد الإسلام ومساعي المجر وبولندا لإغلاق الحدود الأوروبية في وجه موجات اللاجئين. وفي ظل التوتر الداخلي بين دول الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة وقضايا داخلية أخرى، تستغل إسرائيل هذه التوترات لتعزيز علاقاتها مع دول "فيشغراد"، لمصلحة كسر ومنع قرار موحد في الاتحاد الأوروبي ضد إسرائيل وإحباط محاولات وزراء خارجية الدول الـ28 المكونة للاتحاد الأوروبي إصدار بيانات متفق عليها ضد إسرائيل، وسعي دول "فيشغراد" إلى تخفيف حدة هذه البيانات بالركون إلى دستور الاتحاد الأوروبي الداخلي الذي يلزم بأن تكون القرارات بالإجماع. وتقدم الصحيفة مثلاً على ذلك، هو نجاح هذه الدول بمنع بيان رسمي، في مايو/أيار الماضي، يدين باسم الاتحاد الأوروبي ككل قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، ومشاركة ممثلين عن هذه الدول، ومعهم ممثل عن النمسا ورومانيا، في حفل الاستقبال الذي نظمته حكومة الاحتلال عشية نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة في مايو. كما أن إسرائيل تستغل مخاوف دول مركزية، لا سيما فرنسا وألمانيا، من احتمالات انسحاب دول من الاتحاد الأوروبي، على غرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

المساهمون