"نيويورك تايمز" تكشف أسرار الانقلاب على مرسي وتواطؤ أوباما مع السعودية والإمارات

27 يوليو 2018
تواطؤ إقليمي أدى لحدوث الانقلاب (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -
عادت صحيفة "نيويورك تايمز" لتسليط الضوء على الانقلاب العسكري الذي جرى بمصر وانتهى بعزل أول رئيس منتخب ديمقراطياً، محمد مرسي، من منصبه، كاشفة عن تواطؤ ضمني جرى بين الإدارة الأميركية في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، وأنظمة عربية تعتبر "الإسلام السياسي" خطراً يهدّد استمرارها.

وفي مقالها التحليلي الذي يحمل عنوان "البيت الأبيض والرجل القوي"، نقلت الصحيفة تفاصيل جديدة عن وقوف إدارة أوباما مكتوفة الأيدي أمام تهاوي الديمقراطية الوليدة بمصر، وتعبيدها الطريق أمام إدارة الرئيس دونالد ترامب لاحتضان الطغاة، في إشارة إلى الرئيس المصري الحالي، عبد الفتاح السيسي، وتبعات ذلك على المنطقة ككل.

واعتبر المقال، الذي أعدّه مدير مكتب الصحيفة السابق بالقاهرة، ديفيد كيركباتريك، أن عقيدة ترامب المتمثلة في الإيمان بأن القوة الغاشمة هي الردّ الوحيد على التطرف، وتبنيه مواقف "صقور المنطقة"، بإسرائيل وبعض دول الخليج، بدأت تتشكّل معالمها خلال فترة حكم أوباما، حينما دعم حلفاء ترامب الإقليميون الانقلاب العسكري في 2013 على مرسي والإخوان المسلمين.

وفي المحصلة، أوضح كيركباتريك أن الانقلاب مثّل تحولاً لافتاً في المنطقة، بعدما قضى على آمال وأحلام تحقق الانتقال الديمقراطي وعزّز في المقابل سطوة الدكتاتورية والتطرّف. وأضاف أن ذلك تزامن مع تحول في سياسة الإدارة الأميركية أدى إلى تقوية موقف من كانوا داخل البيت الأبيض: "يقولون إنه يتعيّن سحق هؤلاء الأشخاص (الإخوان المسلمين)"، وفق تعبير أندروا ميلر، الذي كان مسؤولاً عن متابعة الملف المصري داخل مجلس الأمن القومي الأميركي خلال فترة أوباما.

كذلك لفت مدير مكتب "نيويورك تايمز" السابق إلى أن أشدّ المناصرين العلنيين في واشنطن للانقلاب العسكري تقلّدوا مناصب عليا داخل إدارة ترامب، ومنهم وزير الدفاع، جايمس ماتيس، ومايكل فلين، الذي شغل منصب أول مستشار في الأمن القومي لدى ترامب.

وحكى كيركباتريك أنه كان مدير مكتب الصحيفة خلال فترة الانقلاب، ومن خلال عودته للأحداث سنوات بعد ذلك بدأ يستوعب أكثر دور واشنطن، وكيف أن دعم إدارة أوباما لانتفاضات الربيع العربي تعرض لمقتل منذ البداية، بسبب الخلافات حول الملفات نفسها التي تشكّل الآن سياسة ترامب الخارجية، أي طبيعة التهديد الذي يشكّله الإسلام السياسي، ومدى الولاء للحلفاء الثيوقراطيين، كالإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ومدى صعوبة تحقيق الانتقال الديمقراطي بمصر والمنطقة.

وأوضح أن أوباما وأقرب مستشاريه كانوا في الغالب على طرفي أحد هذه النقاشات، وبأنهم كانوا يأملون في تغيير السياسة الأميركية القائمة منذ سنوات، وبناء علاقات جديدة مع العالم العربي. وأضاف كيركباتريك أنه حتى خلال الأيام القليلة التي سبقت الانقلاب، كان أوباما يلحّ على ضرورة احترام الانتخابات الحرة بمصر، كاشفاً أنه دعا في اتصال هاتفي مرسي إلى القيام "بخطوات جريئة" لضمان بقائه في منصبه.


وعن دور دول الجوار في الانقلاب، عاد كيركباتريك ليكشف أن السعودية والإمارات، اللتين يخشى حكامهما الانتخابات، ويمقتونها أكثر إن انتهت بفوز الإسلاميين، قادوا حملة ضغط شديدة لإقناع واشنطن أن مرسي والإخوان المسلمين يشكلون خطراً على المصالح الأميركية. وكشف أيضًا أن المسؤولين الأميركيين خلصوا في وقت لاحق إلى أن الإمارات كانت تقدم دعماً مالياً سرّياً للمتظاهرين ضدّ مرسي.

كذلك نقل المراسل السابق أنه في بدايات عام 2013، تحولت المحادثات بين ضباط الجيش المصري ونظرائهم الأميركيين إلى "حصص للتذمر" المتبادل حول مرسي، وفق شهادات أميركيين كانوا على علم بما يجري.

"مثل آخرين في البنتاغون، كان ماتيس، الذي شغل آنذاك منصب جنرال بالبحرية مكلف بالقيادة المركزية، يجادل بكون الإخوان المسلمين مجرد تمظهر آخر لتنظيم القاعدة، رغم أن جماعة الإخوان أكدت لعقود رفضها العنف وتفضيلها الانتخابات، بينما كانت القاعدة في المقابل ترى أن الإخوان مجرد كباش فداء سذج بالنسبة للغرب"، كما ورد في المقال. "إنهم يسبحون جميعًا في البحر نفسه"، ينقل المقال من خطاب للجنرال ماتيس أدلى به في فترة لاحقة للانقلاب. كذلك لام مرسي على "قيادته المتعجرفة"، وتسببها في سقوطه.

الموقف نفسه تبناه الجنرال فلين، الذي اعترف بالكذب على المحققين الفيدراليين بموجب اتفاق مع المدعي الخاص، وكان في فترة الانقلاب يرأس وكالة الاستخبارات للدفاع. وأوضح كيركباتريك أن فلين زار القاهرة خلال الأشهر التي سبقت الانقلاب، للحديث مع الجنرالات بشأن مرسي. سواء كان جماعة الإخوان المسلمين أو القاعدة، "فهي الأيديولوجيا نفسها"، كما ينقل كيركباتريك عن فلين خلال حديث خاص دار بينهما في 2016.

"أغبى مغفل"

في المقابل، نقل مقال "نيويورك تايمز" أن المدنيين أيضاً كانوا لا ينظرون بعين الرضى إلى ما يجري داخل مصر. وأوضح في هذا الصدد أن وزير الخارجية الأسبق، جون كيري، كانت تجمعه علاقات وثيقة مع جل الحكام الخليجيين المعادين للإسلاميين خلال السنوات التي قضاها في رحاب مجلس الشيوخ. ونقل عنه كيركباتريك قوله بعد سنوات إنه كان دائماً لا يثق أبداً بالإخوان. "وحين زار القاهرة لأول مرة كوزير للخارجية في مارس/ آذار 2013، لم يرق له على الفور السيد مرسي"، ينقل المقال.

"إنه أغبى مغفل التقيته في حياتي"، كما أسر كيري لكبير موظفيه بينما كانا يغادران القصر الرئاسي. "هذا الأمر لن ينجح. هؤلاء الأشخاص مجرد مجانين".

في المقابل، ينقل كيركباتريك أن كيري راق له أكثر اجتماعه وجهاً لوجه مع الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي كان حينها يشغل منصب وزير الدفاع.

"لن أدع أبداً بلادي تغرق مع التيار"، كما قال السيسي لكيري، حسب ما كشفه الأخير لكيركباتريك. "كان يعلم حينها أن مرسي انتهت قصته"، حسب كيركباتريك، الذي أشار إلى أن السيسي كان مستعداً للتدخل، وبأن كيري شعر جزئياً بالثقل يزول عن كاهله، وفق شهادته الخاصة.

"إنه أمر يبعث على الاطمئنان، بما أن مصر لن تدخل في حرب أهلية أو يحدث بها مجزرة شاملة للشارع، أو أن تتهاوى كلياً"، كما جاء على لسان كيري، الذي أضاف "لم أعدل مكان جلوسي ولم أشرع في التفكير. عظيم، كل مشاكلنا ستجد طريقها نحو الحل".

كذلك كشف كيركباتريك أن المسؤولين الدبلوماسيين الأميركيين بالقاهرة قالوا في مارس/ آذار 2013 إن تدخلاً عسكرياً "أمر مستبعد جداً"، ليضيف أنه بعد مرور شهر فقط، كانت السفيرة آن باترسون تلتقط إشارات أخرى من كبار الجنرالات. وأضاف أنها في بريد إلكتروني مشفر، حذرت البعض على الأقل داخل البيت الأبيض من أنه "إن لم يكن وشيكاً فإنه من الوارد جداً أن يحدث انقلاب بالأشهر القليلة المقبلة"، وفق ما كشف مسؤول لكيركباتريك. وتابع بأن السفيرة توقعت أن يكون أي تدخل عسكري دموياً.

من جانب آخر، أوضح المقال أن البيت الأبيض أرسل وزير الدفاع آنذاك، تشاك هاغل، ومعه توجيهات مكتوبة لتحذير الجنرال السيسي من أن أي انقلاب ستعاقبه عليه واشنطن. لكن الرسالة التي سلمها هاغل "كانت مختلفة كلياً"، ينقل كيركباتريك عن مسؤول كبير داخل مجلس الأمن القومي اطلع على اللقاء. هذا الأخير قال: "البيت الأبيض أراد أن تكون الرسالة كالآتي: الديمقراطية مهمة، وهاغل أرادها أن تكون: نريد علاقات ثنائية جيدة".

وفي سياق شهادته عما جرى بمصر، قال كيركباتريك إن هاغل أكد له في مقابلة أجراها معه في بداية 2016 الشكاوى والتذمر بخصوص مرسي من قبل إسرائيل، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة. وأضاف أن هاغل قال إن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان، الحاكم الفعلي للإمارات، كان قد وصف الإخوان المسلمين "بالعنصر الأشد خطورة القائم بالشرق الأوسط اليوم".

كذلك نقل المقال أن قادة الاحتلال الإسرائيلي قالوا إنهم يعولون على الجنرال السيسي، بما أنهم كانوا قلقين، بسبب تعهدات مرسي المتكررة، بأن جماعة الإخوان المسلمين ستشكل تهديداً للكيان الصهيوني أو أنها قد تقدم المساعدة لحركة حماس. وأضاف أن الجنرال السيسي بنفسه كان قد قال لهاغل: "هناك بعض القوى الشريرة جداً والمضرة جداً. لا تستطيع أن تستوعب الأمر كما نستوعبه هنا".

إزاء ذلك، ينقل المقال أن هاغل اتفق مع الجميع وسعى إلى طمأنة الإماراتيين بشأن خطورة الإخوان المسلمين وإدراك الولايات المتحدة لذلك. أما السيسي فقال أمامه: "أنا لا أقطن بالقاهرة، أنت تفعل"، قبل أن يضيف "يتعين عليك الدفاع عن أمنك، الدفاع عن بلدك".

ما بعد الانقلاب
من جانب آخر نقل المقال بعض التبريرات التي قدمها المسؤولون الأميركيون بعد الانقلاب الدموي الذي نفذه السيسي. وفي هذا الإطار نقل كيركباتريك عن كيري قوله إنه خاض نقاشات داخل البيت الأبيض جادل خلالها بكون عزل مرسي لم يكن انقلاباً بالفعل، زاعماً أن الجنرال السيسي لم يقم سوى بالاستجابة لرغبة الشارع من أجل إنقاذ مصر. كذلك ينقل المقال أن كيري أوضح أن الجنرال السيسي أعلن عن نيته إجراء انتخابات جديدة، ليتم انتخابه رئيساً في العام الموالي ومرة أخرى في 2018، ويحصل في كل مرة على أكثر من 95 في المائة من الأصوات، وفق المقال.

كما قال كيري إن الولايات المتحدة في حاجة إلى السعودية والإمارات وإسرائيل لفائدة أولويات أخرى، وبأنه لم يكن يريد "أن يدخل في صراع معها بشأن شيء شديد الوضوح تاريخياً مثل الكيفية التي تجري بها الأمور بمصر"، يورد المقال التحليلي.

من جهته، اختار أوباما، ينقل المقال، ألا يتخذ أي قرار بشأن عزل مرسي، سواء لجهة كون ما جرى انقلاباً أم لا، لينتهي فعلياً بقبول ما جرى.

وأورد المقال أن الجيش المصري قام بعد الانقلاب بسحق معارضيه، من خلال عمليات قتل جماعية، بلغت ذروتها يوم 14 أغسطس/ آب 2013، بعد تصفية نحو ألف شخص. وأضاف أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" خلصت إلى أن ما جرى ذلك اليوم يعد أكبر مجزرة يشهدها التاريخ المعاصر. كما لفت إلى أن السلطات الأمنية المصرية وسعت نطاق القمع لإخراس صوت الليبراليين المستقلين، واليساريين، والحقوقيين النسويين، والأقباط.

وبحسب مقال كيركباتريك فإن الرئيس ترامب ومستشاريه هللوا للسيسي بصفته نموذجاً للقائد العربي. "إنه شخص رائع تولّى قيادة مصر، واستطاع فعلياً تولي قيادتها"، كما جاء على لسان ترامب في أول لقاء جمعه بالسيسي.

أما ماتيس، ينقل المقال، فلم يعد يعتبر "القيادة المتسلطة" مشكلاً في مصر. وفي خطاب أدلى به قبل أن يصبح وزيراً للدفاع، أشاد بالسيسي لمحاولته "تقليص الأشياء السلبية حول المنطقة الإسلامية"، ليخلص وفق ما يورد المقال" إلى أن "الوقت حان بالنسبة لنا (الأميركيين) لدعمه والوقوف في صفه".