إدلب: مصير "النصرة" مفتاح الحل أو المعركة

26 يوليو 2018
استقبلت إدلب العدد الأكبر من المهجرين (عامر الحموري/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو المشهد في محافظة إدلب شمال سورية شديد التعقيد لناحية ما سيؤول إليه وضع المحافظة في ظل وجود عدد من العوامل التي تجعل التكهن بمصيرها أمراً في غاية الصعوبة، خصوصاً أنه مرتبط فقط بالتفاهمات الدولية، من دون أن يكون للسوريين من معارضة ونظام أي دور في تحديد ما ستؤول إليه الأوضاع هناك. على الرغم من ذلك يوجد مجموعة من الثوابت والتطورات يمكن البناء عليها نوعاً ما في استقراء ما سيؤول إليه وضع المحافظة، والذي يتراوح بين ملاقاة مصير مشابه لمصير باقي مناطق خفض التصعيد وتمكين روسيا للنظام من السيطرة عليها، وبين التوصل لتفاهم روسي تركي يجنب المحافظة عمل عسكري روسي.

ونظراً لوضع محافظة إدلب المختلف عن بقية المناطق التي تمت السيطرة عليها من قبل روسيا والنظام، كونها آخر المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وبالتالي لم يعد هناك من مناطق يمكن أن تستوعب نازحين، فضلاً عن كونها أكثر المناطق التي استقبلت مهجرين، ونظراً للتأثير المباشر لأي عملية محتملة في إدلب من قبل الروس على الوضع في تركيا، التي تربطها مع موسكو تفاهمات وعلاقات ومصالح تصل لحد المصالح الاستراتيجية، فإن الطرفين التركي والروسي يميلان للتوصل إلى تفاهم لحل قضية إدلب سلمياً، مع استعجال روسي لهذا الحل قبل انعقاد مؤتمر سوتشي مطلع الشهر المقبل.
على الرغم من ذلك يوجد ضغوط يمارسها كل طرف على الطرف الآخر من أجل تحسين شروط التفاهم. فرغم نشر تركيا لنحو 12 نقطة مراقبة في أرجاء محافظة إدلب ضمن اتفاقيات خفض التصعيد، إلا أن روسيا بدأت تلوح بعدم استبعاد الحل العسكري. ودفع هذا الأمر بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتأكيد لنظيره الروسي فلاديمير بوتين أن "تقدم قوات النظام نحو محافظة إدلب بطريقة مماثلة لما جرى في درعا يعني تدمير جوهر اتفاق أستانة".
في المقابل بدأت روسيا والنظام أخيراً بالترويج لاستهداف كل من مواقع النظام في الساحل، وقاعدة حميميم الروسية من خلال الدرون (طائرات مسيرة لا سلكياً)، متهمة فصائل متشددة في جسر الشغور بأنها مصدر هذا الاستهداف. وفسّر مراقبون ما يجري على أنه حجة تسوقها روسيا من أجل تبرير عملية عسكرية على منطقة جسر الشغور.




ويبدو الثابت الأهم في مسألة تحديد مصير إدلب، هو وجود تنظيم هيئة تحرير الشام الذي تشكل جبهة النصرة سابقاً عموده الفقري إلى جانب بعض التنظيمات المتشددة الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة. ولا يمكن التوصل إلى حل سلمي يجنب المحافظة تدخلاً روسياً، بدون حل مشكلة هذه التنظيمات، سواء من خلال إقناعها بحلّ نفسها بعد تسليم سلاحها لتركيا، أو بالقيام بعمل عسكري للقضاء عليها من قبل فصائل الجيش الحر مدعوماً من تركيا. وتبدو مهمة تركيا، الضامن لمحافظة إدلب ضمن اتفاقات أستانة، شاقة لناحية معالجة وضع تلك التنظيمات، إلا أن الوقائع على الأرض تشي بأن تركيا منفتحة على كل الخيارات الممكنة لحل عقدة وجود النصرة ومثيلاتها في إدلب. من ناحية هي تعمل على إقناع تنظيم هيئة تحرير الشام بحل نفسه وتسليم سلاحه ومن ثم الانصهار ضمن تشكيل يضم فصائل الجيش الحر تحت مسمى الجيش الوطني. وسبق أن تم تسريب معلومات عن اجتماعات بين مسؤولين أتراك وقيادات من هيئة تحرير الشام لمفاوضتهم على موضوع حل الهيئة الا أن تلك الاجتماعات لم تفضِ إلى حل. في موازاة ذلك تعزز تركيا نقاط مراقبتها في محافظة إدلب بسواتر إسمنتية ضخمة وبأعداد كبيرة تم إدخالها خلال الأيام الماضية عبر معبر كفرلوسين (30 كيلومتراً شمال مدينة إدلب)، ما يبدو أنه استعداد تركي لمواجهة احتمالات صدام بين القوات التركية الموجودة في إدلب مع تنظيم هيئة تحرير الشام والتنظيمات المتشددة الأخرى كالتركستان وحراس الدين. ويتعزز هذا الاعتقاد بعد حصول "العربي الجديد" على معلومات تفيد بعمل تركيا على توحيد فصائل الجيش الحر كلها ضمن فصيل واحد يدعى الجيش الوطني.
ويرى مراقبون أن طبيعة تنظيم جبهة النصرة، التي لونت جلدها أكثر من مرة من أجل الحصول على حصة في إدارة مناطق شمال سورية ومن أجل الحصول على دور في أية تسوية سياسية في المنطقة، من الصعب أن تحلّ نفسها تلقائياً وتتخلى عن هذا الهدف دون الحصول على مكاسب خلال تفاهمها مع تركيا، الأمر الذي يجعل حلها بدون عمل عسكري أمراً في غاية فى الصعوبة. ويفتح هذا الخيار الوضع في إدلب على جميع السيناريوهات خصوصاً بعدما شهدت المنطقة ظهور تنظيمات أكثر تشدداً من جبهة النصرة على خلفية التنازلات التي قدمتها الجبهة لصالح هذا الدور، وبعد محاولة استثمار النصرة في القضاء على تلك التنظيمات وفشل تلك المحاولات.

كما أن إعلان روسيا عن مشروع لإعادة توطين اللاجئين ومحاولة تحويله إلى مشروع دولي والسعي لإشراك تركيا والولايات المتحدة فيه، يوحي بميل الروس إلى تجنب عمل عسكري شامل في محافظة إدلب. لكن في الوقت نفسه يوجد مناطق استراتيجية في المحافظة يبدو أن روسيا تسعى للسيطرة عليها من خلال التفاهم مع تركيا، والتي يأتي في مقدمتها منطقة جسر الشغور وريفها. وتشكل هذه المنطقة، من وجهة نظر موسكو، تهديداً لقاعدة حميميم العسكرية. ويفسّر هذه الأمر الاتهامات المتكررة للفصائل الموجودة في تلك المنطقة باستهداف قاعدة حميميم من خلال الدرون "الطائرات المسيرة لا سلكياً" واستهداف قوات النظام المتمركزة في المناطق الشرقية من الساحل السوري. ويضاف إلى كل ذلك طموح النظام إلى فتح طريق حلب اللاذقية الدولي الذي تشكل منطقة جسر الشغور إحدى أهم المناطق الاستراتيجية التي تقع عليه، وتشكل منطلقاً لعمل عسكري من أجل الاستيلاء عليه.
ويرى مراقبون أن إغلاق ملف بلدتي كفريا والفوعة بتهجير سكان البلدتين الموالين للنظام، قد يكون جزءاً من التفاهم الروسي التركي الشامل على حل موضوع محافظة إدلب بشكل سلمي، خصوصاً أن عبء إعادة إعمار هذه المحافظة، التي دمر النظام معظمها، لن يقوى الأخير ولا كل حلفائه على القيام بها. لكن على الرغم من ذلك لا يستبعد قيام الروس بعمل عسكري إذا فشلت تركيا بحل مشكلة التنظيمات المتهمة بالإرهاب.
يُذكر أن محافظة إدلب تضم حالياً نحو مليونين ونصف المليون مواطن، إذ كان فيها قرابة المليون نسمة فيما استقبلت نحو مليون ونصف المليون نازح من شتى أنحاء سورية. ويسيطر على المحافظة كل من تنظيم "هيئة تحرير الشام"، و"جبهة تحرير سورية"، و"صقور الشام"، و"جيش الأحرار"، و"الحزب التركستاني"، و"تنظيم حراس الدين"، و"فيلق الشام"، وبعض الفصائل الصغيرة. كما توجد في المحافظة خطوط مواجهة مع النظام في كل من ريف إدلب الجنوبي المتصل بريف حماة الشمالي، وشمال غرب إدلب في منطقة جسر الشغور القريبة من ريف اللاذقية.