بوادر نكبة درعا عشية المعركة الشاملة: نزوح جماعي

22 يونيو 2018
شكّل المعارضون في درعا غرفة عمليات مشتركة(محمد أبازيد/فرانس برس)
+ الخط -
يستعجل النظام السوري تفجير منطقة الجنوب، وخصوصاً درعا، وبدرجة أقل القنيطرة، بجبهة شاملة مبنية على سياسة باتت مستنسخة من معظم المناطق التي أحكم قبضته عليها: الأرض المحروقة، عزل المناطق بعضها عن بعض، تهجير المدنيين وقتل أكبر عدد منهم بأسلحة "تقليدية" أو كيميائية، وهو مسلسل ينتهي بمجزرة يستسلم على أثرها من تبقى من مسلحين ومدنيين في مناطقهم، فيتم تهجيرهم وفرض "مصالحات" قسرية على من يقرر البقاء، ويُساق الشباب منهم إلى جبهات حروب النظام في صفوف المليشيات والجيش. هكذا حصل من حلب إلى الغوطة وداريا والقلمون وجنوب دمشق وحمص... وهو ما تترقبه اليوم محافظة درعا، التي كان يفترض أن تبقى مع القنيطرة منطقة خفض تصعيد بموجب التفاهمات الروسية الإيرانية التركية، وسط موافقة ضمنية عالمية تكذب كل الوعود التي خرجت عن دوائر القرار الأميركي بالقيام بما يلزم لمنع النظام من ارتكاب المجزرة في محافظتي الجنوب، درعا والقنيطرة. لكن يبدو أن مفعول الاتفاقات الإسرائيلية الروسية حول إبعاد القوات الإيرانية واللبنانية المحسوبة على طهران من منطقة الجولان المحتل، في مقابل السماح للنظام السوري بـ"تنظيف" درعا، كانت أقوى من كل الثرثرات الأميركية التي صدرت عن واشنطن، أو نقلها مسؤولون في المعارضة السورية عن دبلوماسيين أميركيين.

ويوم أمس الخميس، شهد تصعيداً لافتاً، بالقصف والتهجير الذي طاول 12 ألف شخص نزحوا من مناطقهم ليصل عدد المهجرين في غضون أسبوع واحد إلى 80 ألفاً، وبمزيد من تلويح إعلام النظام بمصير الغوطة الذي سينتقل إلى درعا. ومع استمرار تعزيزات قوات النظام في أرياف درعا، المتاخمة لريف السويداء، تبرز تحذيرات أميركية للنظام من عواقب هذا التحرك، إلا أن التصعيد الأخير لم يقابله حتى الآن رد فعل أميركي، في ظل غموض بشأن نتائج المشاورات التي تجري بين الأطراف الاقليمية والدولية الفاعلة، والرامية إلى تجنيب الجنوب السوري مخاطر العمل العسكري، والتوصل الى حل سياسي للوضع هناك. مشاورات تتم بشكل أساسي في الأردن، ويشارك فيها بشكل مباشر إضافة إلى الأردن، كل من الولايات المتحدة وروسيا، لكن ليس بعيداً عن أجوائها كل من اسرائيل وإيران والنظام السوري وربما فصائل المعارضة السورية، أو بعضها على الأقلّ.

وشنّت الطائرات الحربية التابعة للنظام السوري، أمس الخميس، غارات عدة، على مدينة الحراك بريف درعا، فيما قصفت قوات النظام بصواريخ أرض – أرض المدينة ذاتها، وذلك انطلاقاً من منصات الصواريخ الموجودة في مدينة إزرع شمال درعا.

وذكرت وسائل إعلام النظام أن "مدفعية الأخير قصفت أيضاً بلدة بصر الحرير على الطرف الجنوبي لهضبة اللجاة"، مشيرة إلى "اشتباكات جرت في محيط مدينة البعث بمحافظة القنيطرة بين قوات النظام وفصائل المعارضة".

وأعلنت قوات النظام أمس أنها "سيطرت على مناطق عدة في البادية السورية شرق السويداء منها تل قبر صياح، وتل الضحايا، وتل درباس، وتل الضباب، وتل لثوي، وتل الخيل، وتل أم الجنبريس، وتل الضرس، وتل علي، وخربة الهبارية، وخربة حاوي حسين، شمال شرقي السويداء، بعد معارك مع تنظيم داعش". ووفقاً لما نقلته الوسائل عن مصادر وصفتها بـ"الميدانية"، فإن "العملية العسكرية بدأت على ثلاثة محاور، بدءاً من تل عرعر، وتل أبو لايح، وصولاً إلى أطراف شطايب سليمان بريف السويداء الشرقي".

ورأى مراقبون أن "تعمّد النظام السوري فتح معركة مع داعش في الوقت نفسه الذي يحضر لفتح معركة كبيرة مع فصائل الجنوب، هدفه التغطية على عمليات التحشيد الكبيرة التي يقوم بها باتجاه الجنوب من جهة، والمناورة على الأرض لتحسين موقفه العملياتي من جهة أخرى، لأن الهدف الحقيقي للنظام في منطقة شرق السويداء ليس محاربة داعش، بل فصل منطقة اللجاة التي تسيطر عليها المعارضة السورية عن ريف درعا الشرقي".

وعمل النظام السوري خلال الأسابيع الأخيرة على دفع المزيد من القوات إلى الجنوب السوري بما في ذلك قوات النخبة من الحرس الجمهوري والقوات الخاصة ومليشيا النمر، فضلاً عن المليشيات المساندة والتي لم يثبت حتى الآن انسحابها من الجنوب، وفق ما أُشيع أخيراً بعد تصريحات روسية رسمية، مفادها أن جميع القوات غير السورية يجب أن تنسحب من الجنوب، وذلك بناء على تفاهمات جرت بين روسيا واسرائيل.

وكشفت تسريبات من طرف النظام أن "اللقاءات الأخيرة بين الأطراف الفاعلة لم يعد هدفها منع الحل العسكري عن الجنوب، بل تحقيق التوافق حول تنظيم العمليات العسكرية هناك، بما يشمل أساساً إبعاد ايران ومليشياتها عن حدود الجولان المحتل، على أن تعود وحدة إيرلندية من قوات حفظ السلام إلى الخط الفاصل بين سورية وإسرائيل في مرتفعات الجولان". ما يعني أنه لن تجري عمليات عسكرية في هذه المناطق تحديداً، أي تلك المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة، بينما سيتم إطلاق يد النظام في بقية المناطق، خصوصاً في شرق السويداء حيث هناك وجود لتنظيم "داعش"، وفي منطقة اللجاة التي فيها وجود محدود لتنظيم "هيئة تحرير الشام" بالاشتراك مع بقية فصائل الجنوب.

وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن "قوات النظام والمليشيات المساندة لها أخفقت حتى الآن في إحراز تقدم باتجاه مناطق سيطرة المعارضة في اللجاة، مع محاولة عزل المنطقة عن الريف الشرقي لدرعا". وأوضحت المصادر أن "قوات النظام قامت حتى الآن بثلاث محاولات للتقدم إلى المنطقة عبر قرى البستان ولبين وحران، إضافة إلى كتيبة الدفاع الجوي"، مشيرة إلى أن "معارك عنيفة دارت في كتيبة الدفاع الجوي، والتي تعتبر خطاً فاصلاً بين الطرفين".


وحسب وسائل إعلام موالية للنظام فإن "قوات الأخير تقدمت مسافة ستة كيلومترات باتجاه عمق اللجاة، من محور حران دويرة وسيطرت على بعض المزارع لتصبح على مشارف قرى المسيكة ومدينة بصر الحرير". وترافق ذلك مع قصف مدفعي استهدف اللجاة ومدينة بصر الحرير والمناطق المحيطة بها. وإذا تمكنت قوات النظام من السيطرة على بلدة بصر الحرير، يعني ذلك عزل منطقة اللجاة بشكل كامل عن باقي مناطق الريف الشرقي لدرعا، وتسهيل عملية السيطرة عليها من دون قتال.

كما تحاول قوات النظام فتح محور آخر لهجومها في المنطقة ليشمل بلدة الحراك، أي محاولة عزل اللجاة سواء من خلال السيطرة على بصر الحرير أو على الحراك، أو كلتيهما معاً. وقد أدى القصف على الحراك إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى في الأيام الأخيرة.

وتعمل فصائل عسكرية عدة في منطقة اللجاة، بينها "ألوية العمري" و"جيش الإسلام" و"جيش أحرار العشائر" و"فرقة عمود حوران" إضافة إلى "هيئة تحرير الشام". واللجاة منطقة وعرة يصعب على القوات النظامية التوغل فيها، وتنتشر فيها عشائر وعائلات محلية.

والمحور الآخر الذي تتحرك عليه قوات النظام إضافة إلى اللجاة، هو "مثلث الموت" شمالي محافظة درعا، حيث تتمركز قوات حزب الله ومقاتلو المليشيات الأخرى إضافة إلى قوات النظام التي تقصف بشكل يومي في الأيام الأخيرة مدينة الحارة، ومجمل قرى المنطقة، خصوصاً بلدتي عقربا وكفر شمس وسط حركة نزوح للسكان إلى مناطق ريف القنيطرة الجنوبي. وتستهدف قوات النظام في هذه المنطقة أيضاً فصل محافظة درعا عن محافظة القنيطرة. أما المحور الثالث الذي تعمل عليه قوات النظام فهو الانطلاق من أحياء درعا باتجاه معبر نصيب الحدودي، بغية السيطرة على المعبر من جهة، وفصل ريف درعا الشرقي عن ريفها الغربي من جهة أخرى.


ورأى مصدر عسكري في المعارضة السورية تحدث لـ"العربي الجديد"، أن "استراتيجية النظام في الجنوب السوري تقوم على مزاوجة الوسائل العسكرية والسياسية للوصول إلى أكبر قدر من المكاسب الميدانية والسياسية، وذلك من خلال الدفع بمزيد من القوات إلى الجنوب بغية الضغط على الفصائل والأهالي من جهة، والضغط على المفاوضين الدوليين من جهة أخرى، في هذه المرحلة التي لا يريد النظام، ومعه ايران بالدرجة الأولى، تحويلها إلى معركة شاملة في الجنوب، بل مجرد عمليات محدودة في المحاور الآنفة لتحقيق عمليات العزل والفصل، بما يخلق في النهاية واقعاً جديداً، يرفع من سقف النظام، ويخفض من سقف المعارضة".
وأوضح المصدر أنه "في حال تمكن النظام من تحقيق هذا العزل في المحاور الثلاثة المذكورة، أي اللجاة ونصيب ومثلث الموت، عندئذ، سيضع المعارضة وداعميها الإقليميين في موقف ضعيف، وسيكون أسهل على النظام وحلفائه المساومة على مصير المنطقة".

ورأى المصدر أن "ما يبدو أنه خلاف روسي - ايراني بشأن الجنوب، هو أقرب إلى تقاسم الأدوار، لأن التسريبات عن رفض روسيا تقديم غطاء جوي لقوات النظام في الجنوب، هدفه عدم إفساد المفاوضات مع الجانب الأميركي، وضمان السكوت الأميركي عن تحركات النظام، ريثما يتمكن الأخير من تحقيق أهدافه في عمليات العزل المذكورة".

من جهتها، تحاول فصائل المعارضة التعامل مع الموقف عبر التركيز على وحدة الصفوف في ظل إدراك معظم قادتها بأنه لا يمكنهم التعويل كثيراً على المواقف الدولية التي هي عرضة للتبدل والمساومة، وأنه قد يتم التخلي عنهم ببساطة في أية مرحلة من المراحل".

وقد اجتمعت معظم غرف العمليات العاملة في الجنوب السوري مثل "البنيان المرصوص" و"صد البغاة" يوم الأربعاء الماضي، تحت مظلّة عسكرية واحدة "غرفة العمليات المركزية"، بهدف التنسيق العسكري وصدّ هجمات النظام السوري على المنطقة. وفي هذا الصدد، قال قائد "لواء أهل السنّة"، أحد القياديين بالجبهة الجنوبية، أبو الفداء الحوراني، لـ"العربي الجديد"، إن "روسيا وإيران والنظام السوري يخرقون بشكل واضح اتفاق خفض التصعيد في الجنوب، وبتنا متأكدين أن هناك هجمة من قوات النظام وايران تحت غطاء روسي". وأكد أن "فصائل الجنوب على أتمّ الاستعداد والجاهزية للتصدي لأي هجوم من قبل المليشيات الإيرانية والنظام، وهي جاهزة للرد على أي ضربة وأي خرق".

من جهته، دعا قائد "ألوية الفرقان" العاملة في الجنوب السوري محمد ماجد الخطيب في تغريدة عبر "تويتر" إلى "التنسيق بين غرف العمليات مع بعضها البعض والسيطرة على زمام الأمور واتباع تكتيك دفاعي وهجومي في آن واحد، هو الذي سيكبّد المليشيات ويستنزفها ويفشل الهجمة ككل".

أما قائد "اللواء 108" في فصيل "جيش العشائر التابع لـ" الجيش الحر"، مفلح الصبرة، فقد طالب فصائل الجيش السوري الحر في محافظة درعا بـ"إرسال تعزيزات عسكرية إلى منطقة اللجاة"، مشيراً إلى "عدم وجود صواريخ موجهة وحرارية مضادة للدبابات لديهم لصد قوات النظام". ولفت إلى أن "فصيله إذا بقي من دون مؤازرة سينسحب أو يقتل جميع مقاتليه". وكان قد جرح مدنيون في وقت سابق أمس في قرية صما نتيجة استهدافها من قبل قوات النظام بعشرات القذائف، وتصدّي مقاتلي الجيش الحر لمحاولات النظام التقدم للقرية. كما شكلت فصائل "الجيش الحر" في محافظة القنيطرة غرفة عمليات مشتركة سُمّيت "النصر المبين"، وذلك بعد ساعات من اندماج فصائل درعا في غرفة عمليات مركزية.

وتعمل فصائل معارضة عدة في ريف القنيطرة بينها "الفرقة 404"، و"ألوية صلاح الدين"، و"الفرقة الأولى مشاة"، و"لواء شهداء القنيطرة"، و"ألوية الفرقان"، و"حركة أحرار الشام"، إضافة إلى "هيئة تحرير الشام". ورأى مراقبون أن "نقطة ضعف الفصائل العسكرية في القنيطرة تتصل أساساً بالمسافة التي تفصل جباتا الخشب عن باقي مناطق القنيطرة، والتي لا تتجاوز أربعة كيلومترات، مما سيغري النظام بمحاولة عزل هذه المنطقة، مهاجمة تل الحارة في ريف درعا انطلاقًا من القنيطرة".

وتضم محافظة درعا نحو مليون شخص، وتهدّد أية عمليات عسكرية في المحافظة بموجات نزوح ليس أمامها سوى الأردن. وقال نائب رئيس مجلس محافظة درعا عماد البطين لـ"العربي الجديد" إن "عدد سكان المناطق المحررة في درعا حوالي مليون ومئة ألف شخص، وقد وصل عدد النازحين منذ بداية الأسبوع الحالي إلى نحو 80 ألف شخص، لجأوا إلى القرى والمناطق الأكثر أمناً ضمن المحافظة، أو باتجاه ريف القنيطرة الجنوبي".

المساهمون