بيجي... موت نقطة ربط الشمال العراقي وغربه

09 مايو 2018
سوُيّت منازل بيجي بالأرض (محمود صالح/فرانس برس)
+ الخط -

أكثر من عامين ونصف العام على استعادة بغداد لمدينة بيجي العراقية (200 كيلومتر شمال البلاد)، بعملية واسعة من قبل القوات العراقية مدعومة بمليشيات "الحشد الشعبي" ووحدات إيرانية خاصة، وبغطاء جوي واسع من التحالف الدولي، أتى حينها على أكثر من 80 في المائة من بنى المدينة التحتية ومنازل أهلها وفقاً لوزارة التخطيط العراقية، وقُتل من سكانها أكثر من 10 آلاف مدني وما زال مئات آخرون في عداد المفقودين. وتعرضت منازل بيجي لعمليات "حواسم" على غرار مصطلح "التعفيش" في الجار السوري، وسُجّلت عمليات سرقة واسعة لممتلكات المواطنين والممتلكات العامة من بينها تفكيك أكبر مصفى نفطي بالعراق فيها ونقل أجزائه تهريباً إلى إيران، من دون كشف الحكومة عن تفاصيل التحقيق الذي وعدت به حيال ذلك قبل نحو عام كامل. ولغاية اليوم المدينة ظلّت من دون سكانها وعددهم نحو ربع مليون نسمة، وبلا أي معالم للحياة باستثناء ثكنات ومقرات القوات العراقية و"الحشد الشعبي".

وسبق أن احتل تنظيم "داعش" مدينة بيجي في يونيو/حزيران 2014 بعد انسحاب ما زال محيراً للمراقبين قامت به القوات العراقية، التي تمنعّت عن مقاتلة التنظيم أو اعتراض طريق دخوله المدينة بعد ساعات من احتلاله مدينة تكريت. ونفّذ التنظيم مجازر كبيرة في صفوف السكان وهم من العرب السنّة، طاولت عشائر القيسيين والعبيد والجبور والتكارتة والدليم، واستهدفت أفراد أمن ومتعاونين مع القوات العراقية وأعضاء وناشطين في أحزاب سنية مختلفة، من بينهم قيادات بـ"الحزب الإسلامي العراقي" (الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين بالعراق).

وهاجمت القوات العراقية ومليشيات "الحشد الشعبي" مدعومة بوحدات من الباسيج والحرس الثوري الإيراني في أغسطس/آب عام 2015 المدينة وتمكنت من بسط السيطرة عليها بعد أشهر عدة في معارك عنيفة. والمدينة نقطة التقاء لثلاث محافظات عراقية، هي الأنبار ونينوى وكركوك، عدا عن صلاح الدين التي هي جزء منها.

ورغم الوعود المكررة حول عودة النازحين إلى مدينة بيجي، إلا أن مسؤولين محليين أكدوا أن "الحشد الشعبي سمح لبضع مئات عائلات من القرى القريبة من المدينة واطرافها بالعودة، وعدد من عادوا لا يتجاوز 5 في المائة من سكان المدينة وضواحيها".



ووفقاً لمسؤول محلي بارز في مجلس بيجي المحلي (الحكومة المحلية) فإن "ملف بيجي وجرف الصخر بيد الحاج قاسم سليماني (قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني)". وتابع "قيل لنا إنه إذا رغبتم بفتح المدينة على مصراعيها وانسحاب الحشد منها وإعادة النازحين من دون قيد أو شرط، اذهبوا للسفارة الإيرانية في بغداد، وتحديدا السفير إيرج مسجدي وحالياً هناك سياسيون ونواب من صلاح الدين ينسقون لنا موعداً معه لحل الموضوع كونه نائباً عن سليماني أيضاً".

ورجّح المسؤول سبب المماطلة في إعادة سكان بيجي وبلدة الصينية المجاورة ونحو 60 قرية أخرى بالانتخابات، فتحالف "الفتح" الممثل للحشد في الانتخابات دخل بثقله في صلاح الدين ويعول على بلدتي الدجيل وبلد انتخابياً وعودة أهل بيجي تعني أن القوائم الأخرى (السنية) ستكتسح مقاعد المحافظة".

وكان نائب محافظ صلاح الدين خزعل حماد، قد أشار في حديث سابق لوسائل إعلام محلية عراقية إلى أن "الملف الأمني لمدينة بيجي لا يزال في يد فصائل الحشد الشعبي، ولم تباشر الدوائر الرسمية الدوام في المدينة بسبب الدمار الكبير الذي لحق بالمباني الحكومية جراء الأعمال العسكرية خلال معارك تحرير المدينة من عصابات داعش". وبيّن حماد أن "أغلب أهالي قضاء بيجي يفضلون البقاء في مناطق النزوح وعدم العودة للمدينة، لعدم الاستقرار الأوضاع الأمنية فيها والدمار الهائل في البنى التحتية والمباني وممتلكات المواطنين".

من جانبه، قال النائب عن محافظة صلاح الدين بدر الفحل، إن "موضوع بيجي حتى الآن لم يحسّن، فالبيوت مدمّرة بشكل شبه كامل ولا توجد خدمات ولا دعم لإعادة الحياة لها"، أما فيما يتعلق بمدينة الصينية المجاورة لها، فأكد الفحل في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الحشد لا يقبل بعودة أهالي الصينية حتى الآن، وليس فيها عائلات".



وتابع "نحن طرحنا على وزير الداخلية في زيارته الأخيرة لمحافظة صلاح الدين الموضوع ووجّه أمراً بإعادة أهالي الصينية وباقي المناطق، حتى أنه تم تبليغ قائد عمليات صلاح الدين رسمياً بالإسراع بعودة أهالي الصينية وكل سكان بيجي، لكن لم يتحقق شيء".

وأضاف "هناك رفض من الحشد بما يتعلق بعودة العائلات وأعتقد أنها دعاية انتخابية. كما نعلم أن الانتخابات أصبحت قريبة جداً (12 مايو/أيار الحالي) وهناك الكثير من الجهات السياسية لا تريد عودة أهالي هذه المناطق للتشديد أو الضغط أو التزوير، وهي جهات لا تريد عودة النازحين إلى مناطقهم قبل الانتخابات وذلك للسيطرة على المراكز لأخذ أصواتهم بالقوة".

في هذا السياق، ذكرت النائبة عن صلاح الدين، أمل مرعي، في حديث لـ" العربي الجديد"، أن "منطقة بيجي والصينية ومنذ تحريرها على يد الجيش والحشد ولغاية الآن، عبارة عن مقرّات عسكرية، وجهود إعادة السكان إليها عرجاء". وأضافت "أعتقد أن سبب ذلك أمني لا فني، لوجود فصائل مسلحة حتى هذه اللحظة هناك". وتابعت "بعض العائلات عادت لكن بنِسَب قليلة إلى مناطق معينة من قضاء بيجي"، متساءلة "ما الغاية من ذلك؟ فالأرض لأهلها وسيأتي يوم يعود كل النازحين لديارهم ومنازلهم ونأمل عدم المماطلة في ذلك".

وكشف النازح أحمد ياسين من بلدة بيجي وهو حالياً في إقليم كردستان أن "المليشيا قامت بجرف عدد من مناطق بيجي وحرق ما تبقى من منازل ومزارع، وأصبحت ركاماً فلا نستطيع العودة إلى مناطقنا". وتابع "قمت بدفع مبلغ ألف دولار إلى أحد عناصر العصائب كي يدخلني بسيارته إلى بيجي وتحديدا حي الـ 600 دار لأدخل منزلي وآخذ ما أستطيع منه فلم أجد للحي ملامح أو مبانٍ فقد سويت أغلب المنازل بالأرض ومنها منزلي". وبيّن أن "المسيطرين على المدينة يعملون الآن على تدمير ما لم يدمّر فيها حتى يقولوا للناس فيما بعد: هيا تعالوا للسكن فيها".