قمة ترامب-كيم: من فرصة إلى ورطة فحفظ لماء الوجه

30 مايو 2018
الخارجية الأميركية: الترتيبات جارية لتحديد مكان الاجتماع ووقته(Getty)
+ الخط -
حرصت وزارة الخارجية الأميركية، يوم الثلاثاء، على الإيحاء وبوضوح، أن قمة سنغافورة دخلت مرحلة وضع اللمسات الأخيرة، وأن البيت الأبيض سيعلن تأكيد عقدها في الثاني عشر من الشهر المقبل، بعد لقاء وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مع الجنرال الكوري الشمالي كيم يونغ شول غداً الخميس في نيويورك.

وأفادت المتحدثة الرسمية باسم الرئاسة هيدز ناورت، بأن الترتيبات جارية لتحديد مكان الاجتماع ووقته. وشددت على أن الوزارة "تواصل العمل والتحضيرات "لأنها" تتطلع إلى عقد القمة في موعدها".

 كما حرصت على توجيه شكر خاص لسنغافورة لما بذلته من جهود وتدابير لوجستية وإجرائية تستلزمها استضافتها للحدث. ومن إشارات عقد القمة أيضاً، أن الترتيبات جارية لتأمين سفر الصحفيين الراغبين بتغطية القمة.

لكن المؤشر الأقوى كما رأى المراقبون، يتمثل في حضور الجنرال شول إلى نيويورك للاجتماع مع الوزير بومبيو، فالرجل ممنوع من دخول أميركا بحكم شموله بالعقوبات الأميركية، ومنحه الإعفاء من المنع وبهذه السرعة، لم يكن ليحصل إلا لتسهيل مهمته التي يبدو أن الجانب الأميركي مطلع على فحواها من الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن، الذي يعتبر المهندس الرئيسي للقمة.

كما أنه بحكم كونه "الرجل رقم 2" في النظام الكوري الشمالي واليد اليمنى للرئيس كيم جونغ أون، لم يكن ليأتي في هذه اللحظة الفاصلة لو لم يكن بيده عرض يعرف أن ترامب مستعد لقبوله، بعد أن تيقن من استحالة إسقاط النموذج النووي الليبي على الحالة الكورية. الرئيس الذي تورط في إعلان الانسحاب من القمة، والذي سارع إلى التراجع عنه بعد أن اكتشف عدم جدواه، متمسك بالقمة وعزمه على صياغة تبرير لتراجعه.

والمفارقة أنه يعوّل على الجانب الكوري لإبداء مرونة ولو على المدى الطويل، عند البحث بالملف النووي. ويشار في هذا الصدد إلى احتمال ترجيح التوافق على صيغة تبدأ بتجميد التجارب النووية والصاروخية الكورية ومواكبتها بخطوات انفتاح تجاري وفتح الحدود مع المطالبة باتفاقية سلام مع الشطر الجنوبي وفتح السوق الشمالية بالتدريج أمام شركات أميركية.

أما تفكيك المشروع النووي فيجري ربطه بشروط وظروف من النوع القابل للتأويل والتفسير وبما يفسح المجال للتملص لاحقاً من الالتزام بموجباته. ولم يكن صدفة أن يجري اليوم تمرير معلومات استخباراتية أميركية تتحدث عن أن مثل هذا التفكيك تلزمه مدة لا تقل عن 15 سنة.

سيناريو يبدو من حماس البيت الأبيض للقمة أنه مستعد لتسويقه وتصويره بمثابة إنجاز، بزعم أنه يؤدي بالنهاية إلى تحقيق غرض التخلص من النووي الكوري، ولو أن مثل هذا الاحتمال يستبعد العارفون بالوضع الكوري وسوابقه، ترجمته على الأرض، حتى على المدى البعيد.

الأمور تبدو الآن سائرة في هذا الاتجاه، إلا إذا غيّر المغيِّر قراره في آخر لحظة كما فعل يوم الخميس الماضي، فالتذبذب سمة ليست غريبة عن أداء إدارة ترامب، رافقها من البداية، وضرب أطنابه في النووي الكوري، وفاقمته الخلافات بين الأجنحة المتصارعة في الإدارة. سائر الأطراف والأوساط الأميركية رأت في القمة فرصة واعدة، بالرغم من تحفظاتها وشكوكها. وذلك على أساس أنها غير مسبوقة، ويمكن تحويلها إلى تجربة أولية للبناء عليها على الأقل لتنفيس أزمة خطيرة إن لم يكن حلها، لو جرى طبخها على نار خفيفة.

لكن ذلك كان مشروطاً بالتحضير اللازم الذي تقتضيه القمم الرئاسية. وخاصة النووية منها. وبالتحديد هذه القمة. وفي التاريخ القريب تجارب تحذر من التسرع في هذا المجال. قمة 1986 بين رونالد ريغان وميخائيل غورباتشوف في إيسلندا كان أحد أسباب فشلها الإسراع في التحضير لها. ثلاثة أشهر لم تكن كافية.



لكن ترامب المشغول بمتاعبه نام على حرير الآمال بتحقيق اختراق من خلال قمة اعتقد أنها من عيار يحاكي زيارة الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون للصين. إلى أن جاء مستشار الأمن القومي جون بولتون ورمى قنبلة النموذج النووي الليبي، التي انفجرت بالقمة من خلال إقناع الرئيس بالانسحاب منها. بيد أن ترامب سرعان ما استدرك الأمر وانقلب على انسحابه. ويقال إنه جرى دفعه من جانب بومبيو ووزير الدفاع جيمي ماتيس للتراجع عن موقفه الذي أوحى به بولتون. وكان من اللافت بعد ذلك، أن ينقلب هذا الأخير على نفسه ليقول "إن مجرد انعقاد القمة أمر مفيد".

هذا التخبط يعود إلى نهج ترامب الشمولي في التعامل مع النووي. اعتمده في الاتفاق الإيراني. اعتقد أن طريقه سالكة لتطبيقه على الكوري الشمالي. لكن تبين أنها ليست كذلك مطالباً بيونغ يانغ بتسليم مخزنها النووي "بداية مسدودة" كما حذره العديد من الخبراء ومنهم عسكريون سابقون. الرئيس الذي "لم يتواضع ويرضَ بنصف الرغيف" كما قال الدبلوماسي الأميركي السابق ريتشارد هاس، رأى نفسه الآن بحاجة إلى الكوريتين لتعويم قمة بنتائج متواضعة، لحفظ ماء الوجه وتجنب البديل الذي هدد به كيم أون قبل أن يلقبه بالرجل "الشريف".