بورين الفلسطينية... أرض محدودة واستيطان يتمدد

03 ابريل 2018
دائماً ما دارت الاشتباكات في المدرسة (جعفر أشتية/فرانس برس)
+ الخط -
في قرية بورين، جنوبي مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة، تحاصر ثلاث مستعمرات، يسكن فيها أشد المستوطنين تطرفاً، وتمنع هذه المستعمرات أهالي البلدة من التوسع السكاني، عدا عن القيام بأعمال تخريبية واعتداءات متواصلة على كل من يقع بيته في أطراف القرية. تحيط بقرية بورين ثلاث مستعمرات، أكبرها مستعمرة "يتسهار" المقامة على جزء من أراضي بورين في الجهة الجنوبية، بينما تجثم مستعمرة "براخا" على أراضي القرية من الجهة الشمالية. وفي شرقي القرية، تقام بؤرة استيطانية اسمها "جفعات رونيم". وكان جيش الاحتلال أصدر قراراً منذ فترة قصيرة قضى بشق طريق لـ"أغراض عسكرية"، يقع شمال غربي بورين، وممتد من مستعمرة "براخا" وصولاً إلى نقطة عسكرية مقامة على أراضي قرية تل المجاورة.

وما يشير إلى الخطورة في المصادرة الأخيرة، هو أن الأراضي التي سيقام عليها الشارع الأمني، مصنفة بحسب اتفاقيات أوسلو بمناطق "ب"، بالإضافة إلى أنها المنفذ الوحيد والأخير الذي يستطيع الأهالي أن ينطلقوا باتجاهه كون بقية الأراضي المحيطة غير مسموح البناء فيها لأنها مصنفة "ج" بحسب الاتفاقية نفسها.

بدوره، يلفت عضو المجلس القروي، نضال النجار، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "ما يقوم به الاحتلال هو خنق للأهالي في القرية، مع أن أعداد السكان في تزايد مستمر، ويسعون للتمدد إلى الأراضي المحيطة بالقرية، لكن إجراءات الاحتلال تحول دون ذلك، وتفرض حظراً أمنياً عليها، في سبيل حماية المستوطنين ولصالح توسعهم الاستيطاني.

تبلغ نسبة أراضي بورين نحو 18 ألف دونم، وغير متاح لأصحابها سوى 10 آلاف دونم، وما تبقى هو تحت سيطرة حكومة الاحتلال إدارياً وأمنياً. ويرى النجار أن "هذا الحزام الاستيطاني الذي يلتف حول بورين، بالإضافة للشارع الأمني، ينفذ مخططاً كان قد صرح به أحد حاخامات المستوطنين سابقاً بأن بورين قرية يهودية، وسنطرد سكانها ونسيطر عليها في عام 2025"، مؤكدا أن "ما ينفذه الاحتلال في أراضي بورين، أعمال ممنهجة ومدروسة ويسعى لسرقة الأرض كاملة".



وقد خاض أهالي بورين قبل عامين معركة مع الاحتلال المدعوم من المستوطنين، عندما بدأوا ببناء مسجد سلمان الفارسي. وحاول الاحتلال إيقاف العمل في المسجد ومنعهم من العمل فيه، إلا أن أهالي البلدة ناضلوا ووقفوا في وجه المحتل، شعبياً وقانونياً، حتى انتصروا واستصدروا قراراً من محكمة الاحتلال بعدم هدم المسجد.

يقول النجار: "فوجئنا أخيراً بأن جمعية صهيونية قدّمت التماساً في قضية المسجد، تطالب فيه بإعادة فتح الملف وبمنع رفع الأذان ومنع الإنارة فيه، ونحن قمنا بتكليف محامٍ لمتابعة القضية، مع التخوف في ظل الوضع السياسي الحالي، والهجمة الشرسة من قبل المستوطنين في الفترة الأخيرة، والتي ترعاها حكومة الاحتلال، بأن ينفذ الاحتلال ما يسعى إليه اليمين المتطرف".

لم يكتفِ الاحتلال بسرقة قمم الجبال ومساحات كبيرة من محيط بورين، بل أصدر أخيراً قراراً بمصادرة نحو عشرة دونمات من أراضي مدرسة بورين الثانوية، لصالح وضع سياج شائك فصل المدرسة عن الشارع الالتفافي القريب من مستعمرة "يتسهار".

من جهته، أوضح مدير مدرسة بورين، إبراهيم عمران، لـ"العربي الجديد"، أن "الاحتلال صادر دونمين قبل نحو عامين، من أراضي المدرسة، وأقام عليهما برجاً عسكرياً، يتواجد فيه جنود الاحتلال الإسرائيلي بشكل دائم، لتوفير الحماية للمستوطنين، وتأمين حركة سيرهم، خصوصاً أن البرج مقام عند مدخل يتسهار الرئيسي، كما يراقب حركة طلاب المدرسة ويمنعهم من الوصول إلى المنطقة وإلقاء الحجارة على المستوطنين".


وأشار عمران إلى أن "وجود هذا البرج شكّل مصدر استفزاز لدى الطلاب، لأنهم يقومون بالتقدم أحياناً إلى أراضي المدرسة مع إشهار سلاحهم باتجاه المدرسة والطلبة، وتشغيل مكبرات الصوت والتلفظ بكلمات بذيئة، وهو ما شكل احتكاكاً دائماً مع الطلاب، الذي تتبعه مواجهات تندلع في المدرسة بشكل شبه يومي، مع اقتحام لداخل المدرسة وأحياناً برفقة المستوطنين، وإطلاق الرصاص المعدني المغلف بالمطاط، وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع. وهو ما تسبب في إصابة العديد من الطلاب والهيئة التدريسية، وتعطيل اليوم الدراسي، نظراً لاضطرارهم لإخلاء المدرسة خلال المواجهات".

وأضاف عمران أنه "قبل نحو شهرين، وجدنا جيش الاحتلال يقوم بوضع شباك بالقرب من أحد المنازل القريبة من المدرسة. توجهت إلى الضابط المتواجد في المكان، فأوضح لي أنه سيتم وضع شباك على طول أراضي المدرسة، بحجة منع المستوطنين من الوصول إلى المنطقة، وحماية للطلاب، فأجبته بأنه إذا كان فعلاً حماية لنا، فقم بوضعه على المنطقة المطلة على الشارع الالتفافي، فرفض ذلك وقال إنه يجب أن تكون هناك مساحة كافية لجنود الاحتلال للتحرك بحرية".

لم يكن لدى جيش الاحتلال في ذلك اليوم قراراً ورقياً بأمر إقامة السياج، فتدخل المجلس القروي ومدير المدرسة وأهالي البلدة ومنعوه من إكمال عمله، لكن في 14 مارس/ آذار الماضي، سلّم مدير المدرسة قراراً بمصادرة 10 دونمات، لإقامة السياج على المدرسة. وأشار عمران إلى أن الضابط أخبره بأن هذا قرار عسكري، لا يمكن الاعتراض عليه، عدا عن أن الأرض مسجلة باسم خزينة الأردن، ولا يحقّ للفلسطينيين الاعتراض، إلا بتدخل من الأردن".

سعى الاحتلال من خلال هذه الأعمال لتوريط بعض الفلسطينيين في تأجير أو بيع أرضهم، لكن هذه اللعبة باتت مكشوفة لدى الفلسطينيين، وأدرك الناس مدى خطورتها. حتى أن الضابط الإسرائيلي أخبر عمران أنه بإمكانهم التوجه للارتباط الإسرائيلي والمطالبة بتعويضات مقابل قرار المصادرة، لكن عمران رفض هذا بشكل قطعي، وقال له: "هذه الأرض ليست للإيجار ولا للبيع".

ويشير عمران إلى أن "المدرسة بطلابها ومعلميها، يواجهون مخطط الاحتلال وحدهم"، لافتاً إلى أنه "لا وجود لدور واضح وحراك جاد من قبل المؤسسات الرسمية والفصائل الوطنية". وأضاف أنه "دقينا ناقوس الخطر قبل عامين عندما صادر الاحتلال دونمين وأقاموا عليهما برجاً عسكرياً، وتواصلنا مع العديد من المؤسسات الرسمية والشعبية المتخصصة في الاستيطان ومصادرة الأراضي، لكن للأسف لم تكن هناك أي فعاليات جادة تحمي أرض المدرسة، سوى زرع أشجار الزيتون".