المعارضة ترفض عرض التهجير...وروسيا تتكبد أكبر خسائرها في حميميم

07 مارس 2018
حالات اختناق بعد قصف النظام على حمورية (محمد الشامي/الأناضول)
+ الخط -
تمضي روسيا في مخطط تهجير سكان الغوطة الشرقية لدمشق، عبر محاولة فرض سيناريو حلب الشرقية عام 2016، بعرض "خروج آمن" لمسلحي فصائل المعارضة السورية وعائلاتهم، الأمر الذي قابلته الأخيرة بالرفض. بالتزامن مع ذلك، يواصل حليف موسكو، النظام السوري، قصف المنطقة، موقعاً المزيد من الضحايا المدنيين، ومحاولاً التقدم برياً، في مقابل اشتراط روسيا التنسيق معها لإدخال قوافل مساعدات إنسانية غداً الخميس إلى تلك المنطقة، بعدما لم تستطع قافلة المساعدات إلى دوما الإثنين إفراغ كامل حمولتها بسبب القصف. وأمام هذا الواقع يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة اليوم الأربعاء، بناء على طلب بريطاني - فرنسي، لبحث فشل تطبيق وقف إطلاق النار الذي أقرّه المجلس في قراره 2401.

وفي تطوّر بارز أيضاً أمس، أعلنت موسكو تحطم طائرة نقل عند هبوطها في قاعدة حميميم الروسية، ما أدى إلى مقتل 39 شخصاً كانوا على متنها، وهي أكبر حصيلة من القتلى الروس في حادثة واحدة منذ تدخّل موسكو في الحرب السورية. وذكرت وزارة الدفاع الروسية في بيان أمس أن طائرة نقل من "طراز انطونوف ان-26 تحطمت على بُعد 500 متر من مدرج الهبوط في قاعدة حميميم ولم يتم استهدافها بقصف. وأضافت أن "الكارثة، بحسب المعلومات الأولية، ناجمة كما يبدو عن عطل تقني"، معلنة أن لجنة تابعة لوزارة الدفاع ستدرس "كل الروايات الممكنة لما حصل".

وذكرت صحيفة "كوميرسانت" أن جميع ركاب الطائرة كانوا من العسكريين، في ما يعتبر أكبر حادثة في الطيران العسكري الروسي منذ تحطم طائرة "تو-154" التابعة لوزارة الدفاع الروسية في البحر الأسود، بعيد إقلاعها من مطار سوتشي متوجهة إلى سورية نهاية عام 2016. وأوضحت الصحيفة أن روسيا تستخدم طائرات "أن-26" لتنفيذ مهام داخلية في سورية؛ لنقل أفراد ومواد غذائية ومعدات وغيرها. من جهتها، نقلت وكالة "خدمة الأخبار الوطنية" عن مصمم الطائرات السابق، فاديم لوكاشيفيتش، قوله إنه يجب عدم ربط الحادثة بسورية، إذ كان يمكن للطائرة أن تتحطم حتى داخل روسيا، كونها قديمة أو نتيجة سوء صيانتها أو خطأ الطيار. وهذه ليست أول حادثة للطيران الحربي الروسي ناجمة عن خلل فني في الآونة الأخيرة، إذ تحطمت مروحية "مي-24" الروسية في نهاية العام الماضي، أثناء تنفيذ تحليق من حميميم إلى محافظة حماة، مما أسفر عن مقتل طيارين.

في غضون ذلك، دخلت الحملة البرية العنيفة على الغوطة الشرقية يومها العاشر، ولا يزال عشرات آلاف المدنيين هم أول ضحاياها، خصوصاً من الأطفال والنساء، فلا يمر يوم على الغوطة الشرقية بدون دفن العشرات من القتلى بالقصف الجوي والمدفعي، أو نتيجة الحصار الذي يفتك بالمرضى. وواصلت قوات النظام أمس الثلاثاء قصف مدن وبلدات الغوطة، وأفاد ناشطون محليون بمقتل تسعة أشخاص في غارات جوية على بلدة جسرين بعد يومٍ دامٍ قُتل فيه نحو مائة مدني، بينهم أطفال. وقتلت طفلة في بلدة حزة أمس، وأصيب آخرون بغارات من الطيران الحربي الذي أغار أيضاً على بلدتي حمورية ومديرا.

كذلك واصلت قوات النظام محاولات التقدّم في الغوطة على حساب فصائل المعارضة التي انسحبت خلال الأيام الماضية من بلدات ومواقع عدة، للتحصن في مواقع تساعدها على مقاومة هذه القوات التي تتحرك تحت غطاء ناري كثيف. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس أن القتال يتواصل "بوتيرة عنيفة" على محاور في أطراف بلدة الأشعري ومزارع بيت سوى ومزارع مسرابا ومزارع الريحان ومحاور أخرى في جنوب مناطق سيطرة الفصائل في الغوطة الشرقية، مؤكداً أن مستشارين روساً يقودون المعارك في الغوطة، كما أن قوات روسية تشارك في المعارك الدائرة هناك. وتمارس قوات النظام سياسة "القضم" في الغوطة، معتمدة على قوة نارية هائلة، في ظل غياب أي خطوط إمداد لفصائل المعارضة التي تعتمد على ما تغنمه من قوات النظام من أسلحة وذخيرة، وعلى أسلحة من تصنيع محلي لمجابهة قوات النظام المدججة بكل أنواع الأسلحة التي تحاول شطر الغوطة نصفين، شمالي يضم دوما وحرستا، والآخر يضم مدن وبلدات عربين وزملكا وحمورية وسقبا وحزة وكفربطنا وعين ترما، كي تسهل عملية السيطرة عليها، في تكرار واضح لسيناريو حلب الشرقية أواخر عام 2016. ولكن قوات المعارضة تعتمد على معرفتها بالجغرافيا، واستنزاف القوات المهاجمة، إذ تؤكد مصادر أن هذه القوات خسرت المئات من عناصرها وضباطها منذ بدء الهجوم على الغوطة في الخامس والعشرين من الشهر الماضي.


في موازاة ذلك، عرض الجيش الروسي أمس على مقاتلي المعارضة في منطقة الغوطة الشرقية ما سماه "خروجاً آمناً ومن دون عوائق من المناطق التي يسيطرون عليها"، مضيفاً في بيان وجّهه إلى المعارضة في الغوطة: "إذا كنتم لا تريدون الإفراج عن المدنيين من مناطق سيطرتكم، نحن مستعدون لضمان خروجكم وعوائلكم بشكل آمن من الغوطة الشرقية، ولهذا الغرض سيتم توفير وسائل نقل بالعدد المطلوب، وتقديم الحماية على طول الطريق".

في المقابل، نفى المتحدث باسم جماعة "فيلق الرحمن"، وائل علوان، في حديث لوكالة "رويترز"، أي تواصل مع روسيا حول عرض الأخيرة "الخروج الآمن" لمقاتلي المعارضة.
كذلك قال علوان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "موسكو تخالف قرار مجلس الأمن 2401 وتصر على التصعيد العسكري لفرض التهجير"، مضيفاً: "إصرار روسيا على التهجير القسري جريمة لا يمكن السكوت عنها". وأشار علوان إلى أن "موسكو تشارك بشار الأسد وتدعم التصعيد العسكري، بما في ذلك استخدام الأسد والمليشيات الإيرانية للغازات السامة والنابالم"، مضيفاً: "الجانب الروسي أخطر قافلة المساعدات الأممية بضرورة الخروج من الغوطة بدون إتمام إيصال المساعدات، وقوات الأسد استهدفت الغوطة بغازات الكلور بعد خروج القافلة الأممية بساعات قليلة".

وكانت قافلة مساعدات إنسانية قد دخلت الإثنين إلى الغوطة الشرقية، بعد أكثر من أسبوع على اعتماد الأمم المتحدة القرار رقم 2401 الداعي لوقف إطلاق النار في سورية لثلاثين يوماً والسماح بإيصال المساعدات. ولكن قوات النظام استبعدت من القافلة حقائب إسعافات أولية ولوازم جراحية وأخرى للغسيل الكلوي، وأصبحت القافلة تقتصر على مساعدات لنحو 27500 شخص بعدما كانت تحمل مواد غذائية لنحو 70 ألفاً، وفق أحد مسؤولي الأمم المتحدة الذين رافقوا القافلة. لكن بعض الشاحنات من القافلة خرجت قبل إفراغ حمولتها بسبب الغارات الروسية وقصف النظام على الغوطة. وقال ينس لايركه من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في إفادة صحافية أمس، "بعد نحو تسع ساعات في الداخل، تم اتخاذ قرار بالمغادرة لأسباب أمنية وتجنّب المخاطرة بسلامة الفرق الإنسانية على الأرض".

وذكرت الأمم المتحدة أمس أنها تعتزم إرسال قافلة مساعدات أخرى لمنطقة الغوطة يوم غد الخميس. لكن بدا أن روسيا تحاول الابتزاز في قضية إدخال المساعدات، إذ أعلنت أنها تريد تنسيق إدخال قوافل المساعدات معها. وقال المتحدث باسم "المركز الروسي للمصالحة" في سورية الجنرال فلاديمير زولوتوخين أمس: "لقد تباحثنا مع مسؤولي منظمات إنسانية دولية حول الإجراءات اللاحقة، بهدف تنسيق إرسال قوافل إنسانية جديدة إلى الغوطة، خصوصاً تلك المقررة الخميس"، وتابع أنه "تم التوصل إثر المحادثات إلى اتفاق لعقد اجتماع من أجل التفاوض بالتفصيل حول كل تطلعات منظمي التحرك (الإنساني)".

يأتي ذلك فيما يعيش عشرات آلاف المدنيين في الغوطة في أوضاع إنسانية حرجة. وقال كريستوف بوليراك من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، أمس، إن العيش تحت الأرض أصبح هو المعتاد في الغوطة الشرقية، مع إقامة بعض الأسر خلال الشهر الماضي في الأقبية التي كان بعضها يؤوي 200 شخص. وأضاف أن ما لا يقل عن ألف طفل قتلوا أو أصيبوا في أنحاء سورية منذ بداية العام. وكان يوم الإثنين من أكثر الأيام دموية منذ صدور قرار مجلس الأمن، إذ قُتل نحو 100 مدني، وأصيب المئات، بينهم أطفال ونساء، بقصف جوي ومدفعي من قبل قوات النظام ومليشيات إيرانية تساندها. كذلك قصفت قوات النظام بلدة حمورية بغاز الكلور السام، مما أدى إلى إصابة ثلاثين شخصاً بحالات اختناق، وفق الدفاع المدني السوري.

المساهمون