"أيباك"... من التأثير في القرار الأميركي إلى المشاركة فيه

06 مارس 2018
اللوبي الإسرائيلي في عزّ نشوته (شيريس مايو/ Getty)
+ الخط -

يعقد اللوبي الإسرائيلي "أيباك" في واشنطن، مؤتمره السنوي، وسط تطور غير مسبوق في العلاقة الأميركية الإسرائيلية، جعلته يبدو ليس فقط قوةً مؤثرةً في صناعة القرار الأميركي المتعلّق بالشرق الأوسط عموماً والقضية الفلسطينية بشكل خاص، بل أيضاً شريكاً نافذاً في صياغته. نقلة نوعية ساعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تحقيقها بشكل فاعل.

في العادة، يحوّل اللوبي هذه المناسبة إلى شبه تظاهرة سياسية حاشدة، للتذكير بنفوذه وزخْم قدراته. يشارك فيها الآلاف من خلاياه السياسية وأنصاره وامتداداته الموزعة وسط قطاعات مختلفة في أرجاء أميركا.

كما يتحدّث خلال أيامها الثلاثة، مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية، وبعض أقطاب الكونغرس، الذي يحضر المئات من أعضاء مجلسيه الشيوخ والنواب، جلسات واحتفالات المؤتمر.

لكن هذه المرة حرص اللوبي على تحويل العرض إلى عرس. فهو المؤتمر الأول الذي يعقده في ظل إعلان واشنطن القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها. إنجاز سعى اللوبي منذ زمن إلى تحقيقه، وسبق له أن حصل على وعد من الرئيس ترامب بشأنه.

وترجمة الوعد شكّلت العنوان الأبرز للمؤتمر الفارق بحضوره وخطابه، لا سيما أنّه يشارك فيه هذه السنة، حوالى 18 ألف شخص، حسب التقديرات، إلى جانب 152 من مجلس النواب و52 من مجلس الشيوخ، حضروا لتأكيد الارتهان لـ"أيباك"؛ أي أكثر من ثلث الكونغرس الذي صار من تقاليده حضور هذه المناسبة بهذه الكثافة، والذي أطلق عليه مرة الكاتب المحافظ والمرشح الرئاسي السابق باتريك بوكانان، اسم "البقعة التي تحتلها إسرائيل" في واشنطن، على اعتبار أنّ الكونغرس هو عرين نفوذ اللوبي.

الجانب الآخر من احتفال اللوبي، أنّ "عملية السلام" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، انتهت إلى غير رجعة في ظل إدارة ترامب. وما يتردّد عن "خطة" تعمل الإدارة على صياغتها، و"أمامها فرصة" كما قال ترامب، أمس الإثنين، أثناء استقباله نتنياهو في البيت الأبيض؛ ليست سوى "سراب"، على حد تعبير أحد المراقبين.

فلو كانت هناك جدية في هذا الخصوص، لما قرّر البيت الأبيض إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة إليها على وجه السرعة، والذي كانت وراءه ماكينة اللوبي وأعوانه، مثل السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، ورجل الأعمال الثري شيلدون أدلسون، وإلى حدّ ما نائب الرئيس مايك بانس.

بل ربما جرى تسريع القرار أيضاً، لأنّ "الخطة" كذبة أصلاً، وفي أحسن أحوالها صارت بحكم المجهضة. مهندسها جاريد كوشنر، انخفضت رتبته وصار موضع تحقيقات حول استغلال موقعه للحصول على قروض مالية، تنقذ مشاريعه العقارية وتحميه من الإفلاس.

هو الآن في وضع قريب من كف يده عن الملفات التي وُضعت في عهدته. وتردّد أنّ وضع كوشنر هذا، كما وضع نتنياهو المتهم بالرشوة والفساد، من الأسباب التي دعت إلى شطب المؤتمر الصحافي لترامب مع نتنياهو، بعد اجتماعهما، تفادياً لأسئلة الصحافيين حول الموضوعين؛ وذلك خلافاً للتقليد المتبع في مثل هذه المناسبة.


إضافة إلى "إنجاز" القدس، تحضر ملفات إيران والنووي بشكل خاص، في المؤتمر. ومن المتوقع، اليوم الثلاثاء، أن يجدّد نتنياهو طرح هذا الملف، في خطابه أمام المؤتمر، ليس فقط من زاوية التأكيد على التلاقي مع موقف ترامب الرافض للاتفاق النووي مع طهران؛ بل أيضاً من موقع التحريض على ترجمة هذا الرفض والانسحاب من الاتفاق، وبالسرعة التي تم فيها نقل السفارة إلى القدس.

لكنّ شطب الاتفاق يواجه معارضة قوية من داخل الإدارة الأميركية، وأيضاً من بعض مرجعيات الكونغرس، فضلاً عن معظم الدوائر المعنية بالشؤون الخارجية، من باحثين ودبلوماسيين وعسكريين متقاعدين.

ويظهر اللوبي الإسرائيلي في عزّ نشوته هذه الأيام. فإدارة ترامب وفرّت له فرصة ذهبية. لكنهّا ليست مجانية. وتوجهات الرئيس حيال الملف الفلسطيني والإيراني التي يباركها ويحرّض اللوبي عليها، تواجه اعتراضات ولو صامتة وأحياناً عاجزة، داخل الإدارة، وحتى في صفوف اليهود الأميركيين الذين يخشون من انعكاسات التمادي في النهج الصدامي.