ولم تكن حركة البشتون وليدة الساعة، بل كانت قياداتها ومعظمها من الشباب، تعمل منذ سنوات عديدة، ولكن مقتل الشاب البشتوني نقيب الله محسود على يد أحد كبار مسؤولي الأمن في كراتشي، أعطى الحركة انطلاقة شعبية، وجعلها محط الاهتمام في الداخل والخارج. وتصاعدت مطالب أبناء القبائل من اعتقال قتلة الشاب محسود منتصف فبراير/شباط إلى حل قضية المفقودين، وإزالة الحواجز والألغام من مناطق القبائل، وصولاً إلى دعوات باستقلال منطقة القبائل. هذه المطالبة قد تدفع السلطات الباكستانية للتعامل مع الحركة بقسوة، لأن الاستقلال أمر غير مقبول عند الحكومة.
وفي هذا السياق، قال زعيم الحركة منظور بشتين، في تسجيل صوتي له بث عبر صفحته على "فيسبوك" أخيراً، إن "الحكومة لا تبدو جادة في التعامل مع مطالبنا لأنها لم تقم بأي شيء حتى الآن، وما قامت به مجرد خداع"، مضيفاً: "نعم، هي بدأت العمل على تطهير بعض المناطق القبلية من الألغام، وتلك العملية تحتاج إلى التوسع، وبدأت ببعض التحركات ضد قتلة نقيب الله محسود، ولكن قتل شباب البشتون من دون محاكمات ما زال متواصلاً، ولا يمكن أن تفعل ذلك سوى السلطات، كما أن حواجز الجيش في تلك المنطقة ما تزال موجودة وبكثرة، حيث يتعرض أبناء القبائل العابرين لها للشتم". وأضاف بشتون: "قررنا الاعتصام من جديد وسنعلن عن موعده في الاجتماع الأخير لنا في أول شهر أبريل/نيسان في مدينة بشاور"، موضحاً أن "الحكومة تسعى باستخدام كل الطرق والوسائل لقمع اجتماعاتنا الجماهيرية، وعليها أن تعي أن تلك الحركة مستمرة وأن استخدام القوة في وجهها ستخرجها من الحالة السلمية إلى ما قد لا تطيقه البلاد".
وبعد اجتماعات شعبية عدة في مناطق مختلفة من البلاد كمقاطعة وزيرستان ومدينة بنو في الشمال الغربي، ومدينتي كويتا وبشين في بلوشستان، تعمل الحركة الآن على عقد اجتماع آخر لها في مدينة بشاور، عاصمة إقليم خيبر بختونخوا، وتهدف لجمع أكبر قدر من البشتون فيه كي تظهر قوتها، ليكون ذلك آخر نشاط قبل الاعتصام مرة أخرى في العاصمة إسلام آباد.
قضية المفقودين والحواجز
يقول زعيم الحركة منظور بشتين في تسجيلاته الصوتية التي تبث بشكل يومي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إنه منذ بداية الحرب على الإرهاب عام 2001 وحتى الآن، فُقد أكثر من 30 ألف شاب بشتوني على يد السلطات الباكستانية والاستخبارات، لا يُعرف مصير الكثير منهم، فيما تجد أسرهم جثث بعضهم بين الفينة والأخرى. ويحدث ذلك، على حد قوله، في منطقة القبائل وشمال غرب باكستان وفي مدينة كراتشي حيث يعيش عدد كبير من قبائل البشتون. ومنهم المثقفون وطلبة الجامعات والمعاهد والمدارس وعامة المواطنين.
وتشكل أسر هؤلاء المفقودين جزءاً كبيراً من الحركة، إذ يخرج الآباء والأمهات والإخوة والأخوات في التظاهرات حاملين صور المفقودين ولافتات تتهم الجيش والاستخبارات باعتقال هؤلاء، مطالبين بالإفراج عنهم أو مثولهم في المحاكم. من الذين لازموا الحركة منذ بدايتها، الشاب محمود خان، الذي فقد أباه أمام عينيه بعد أن أطلق الجيش النار عليه في مداهمة ليلية لمنزله في منطقة وانا في وزيرستان، قبل أن تدخل قوات الجيش إلى المنزل لتأخذ أخويه الكبيرين قبل خمسة أعوام، وحتى الآن لا يعرف هو عنهما شيئاً. يقول خان، متحدثاً في اجتماع للحركة في منطقة بنو قبل نحو أسبوع، إن "الحركة أصبحت صوتاً ننادي من خلاله العالم لكي يسمعنا بعدما لم يسمع صوتنا أحد، نحن أصبحنا ضحية حرب أجنبية، فقدنا شبابنا ودمرت منازلنا لأجل آخرين. لن نتنازل عن مطالبنا لأنها قضية حياة وموت".
الحكومة تتعامل بحذر
حتى الآن وعلى الرغم من مضي أسابيع على انطلاقة الحركة، يكاد لا يوجد أي تعليق رسمي صريح من قبل الحكومة على الحركة، وحتى أيام التفاوض معها حين اعتصمت في إسلام آباد في شهر فبراير الماضي، تجنّب المسؤولون التعليق وأعلنوا فقط الوصول إلى توافق معها.
ولكن يبدو أن الحكومة بدأت تتعامل مع الحركة بجدية وحذر، وكان بيان قائد الجيش الجنرال قمر باجوه الأخير الذي أصدره بشأن المناطق القبلية، يحمل في طياته الكثير. وأكد باجوه أن الجيش والحكومة مصممان على انضمام منطقة القبائل إلى إقليم خيبر بختونخوا لتحسين حالتها، ولكن ثمة جهات تعمل ضد مصالح البلاد لأجل مصالح آخرين، ويؤدي ذلك إلى العبث بأمن البلاد. وكانت إشارة قائد الجيش واضحة تجاه تحرك البشتون. وفي تصعيد إضافي ضد الحركة، سجلت السلطات دعاوى ضد قيادات الحركة، متهمة إياهم بخيانة الوطن، ما قد يجعلهم عرضة لملاحقات أمنية إذا تحركوا صوب العاصمة.
في المقابل، تتهم الحركة السلطات باعتقال المزيد من الشباب وضلوعها في قتل شابين في مدينة كراتشي. كما قالت إن قتلة الشاب محسود هم مع الجيش، وعلى رأسهم مسؤول شرطة كراتشي راو أنور الذي أقيل وهرب كما تدعي السلطات. ويوم الخميس الماضي، مثل أنور أمام محكمة كراتشي وما أثار الاستغراب هو عدم الإعلان عن اعتقال الرجل ومثوله فجأة أمام المحكمة، وكذلك الإتيان به عبر بوابة يدخل منها رئيس المحكمة وليس المتهمين.
موقف الأحزاب
في بداية تحرك البشتون، اعتبرت الأحزاب السياسية والقومية الاعتصام فرصة جيدة لها لانتقاد الحكومة، فحضر إليه زعيم حركة الإنصاف عمران خان، وزعيم الحركة القومية البشتونية أسفنديار ولي، وسياسيون آخرون لا سيما البشتون، كمحمود خان أجكزاي. ودعا هؤلاء الحكومة إلى الإصغاء لمطالب أبناء القبائل. لكن مع مرور الأيام وبعد أن تعددت المطالب وأصبحت الحركة بمواجهة الجيش، بدا أن كل تلك الأحزاب تخلّت عنها. وبينما دعت بعضها إلى العمل في إطار مصالح البلاد وسيادة الدولة، وقفت أخرى في وجه الحركة، وكان من بينها الحركة القومية البشتونية بزعامة أسفنديار ولي. حتى أن الحركة القومية عمدت إلى الإطاحة بفرعها الشبابي الذي نشط بشكل أساسي في حركة البشتون، وأخرجت بعض القيادات من الحزب ومنها محسن داور. ويقول دوار لـ"العربي الجديد" إن "الحركة القومية تدعي أنها تعمل لحقوق البشتون ولكنها الآن تطرد من يعمل لهم، ما يدل على أنها ليست مخلصة مع هذه القبائل".
أما على الساحة الدولية، وعلى الرغم من وجود زعم في باكستان خصوصاً في أوساط السياسيين، بأن قوى خارجية تدعم حركة البشتون، لكن حتى الآن لم تعلن أي جهة دعمها لها، سوى الرئيس الأفغاني أشرف غني، الذي اعتبر نشاط الحركة نضالاً لأجل الأمن في المنطقة. ويطالب الكثيرون، ومنهم قيادات الحركة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال خطاباتهم، الولايات المتحدة الأميركية والقوى الإقليمية والدولية بالوقوف إلى جانبهم، ولكن أي دعم أجنبي قد يُعرّض الحركة لمخاطر أكبر، إذ سيثبت ما تدعيه السلطات الباكستانية بأن الحركة تعمل لصالح قوى أجنبية.