فصائل الغوطة تحاول ربط أوصالها... وإملاء تهجير حرستا يُنجَز

22 مارس 2018
الأطفال القتلى بغارة إدلب لا تتجاوز أعمارهم 11 عاماً(الأناضول)
+ الخط -
يستمر النظام السوري وحليفته روسيا في ارتكاب المجازر بحق المدنيين في سورية، كان آخرها أمس الأربعاء، في إدلب حيث قضى 20 مدنياً بينهم 16 طفلاً، جراء غارة قرب مدرسة في شمال غربي البلاد. وفي غضون ذلك، وفي الوقت الذي تواصل فيه قوات الأسد والطائرات الحربية، قصفها العنيف والمكثف على مدنٍ وبلداتٍ يُسيطر عليها فصيلا "فيلق الرحمن" جنوب وسط الغوطة الشرقية، و"جيش الإسلام" شمالها، فإن هذه القوات المتقدمة فتحت منذ أمس الأربعاء محور قتالٍ جديدا، أقصى جنوب الغوطة الشرقية نحو مدينة عين ترما المتاخمة لحي جوبر شرقي دمشق، محاولةً بسط سيطرتها على مزيدٍ من مساحة سيطرة الفصائل المعارضة، والتي تضاءلت في الغوطة الشرقية لنحو الثلث، منذ الخامس والعشرين من الشهر الماضي، بينما يُرجح بدء إخلاء "حركة أحرار الشام" لمدينة حرستا غرب الغوطة، ونقل عناصرها لشمال غرب البلاد، بعد اتفاقٍ يُرجّح أن معظم بنوده قد أنجِزَتْ.

وقتل 20 مدنياً بينهم 16 طفلاً أمس في غارة نفذتها طائرات لم يعرف ما إذا كانت سورية أو روسية قرب مدرسة في قرية في محافظة إدلب في شمال غرب سورية، وفق ما أفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان". وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة "فرانس برس" إن "القصف الجوي على قرية كفر بطيخ في ريف إدلب الشرقي وقع قرب مدرسة أثناء خروج التلاميذ منها"، مشيراً إلى أنّ الأطفال القتلى لا تتجاوز أعمارهم 11 عاماً.

وقتل جراء القصف أيضاً أربعة مدنيين آخرين، وفق المرصد الذي أشار إلى أن "ضمن القتلى 15 فرداً من عائلة واحدة". ورجّح المرصد ارتفاع الحصيلة نتيجة وجود جرحى في حالات خطرة ومفقودين تحت الأنقاض.

ومنذ فجر أمس، تتعرّض، كذلك، مناطق واسعة في الغوطة الشرقية للقصف المدفعي وبالطائرات الحربية، حيث سقط ضحايا جدد من المدنيين، بعد يومٍ واحد قُتل فيه أربعة وثمانون مدنياً، بحسب توثيق "الشبكة السورية لحقوق الانسان"، والتي قالت إنّها وثقت مقتل هذه الحصيلة يوم الثلاثاء، مؤكدة أن بين القتلى سبعة عشر طفلاً وست نساء، وأن مدينة دوما وحدها شهدت مقتل ستة وخمسين مدنياً، فيما توزعت حصيلة باقي القتلى وهم ثمانية وعشرون، على مدن وبلدات القطاع الجنوبي الأوسط من الغوطة.

إلى ذلك، أدانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الضربات الجوية للنظام السوري وروسيا. وقالت في كلمة أمام مجلس النواب الألماني إن "الحكومة الألمانية تدين الضربات الجوية على الغوطة الشرقية بأشد العبارات". وأضافت "الآن نرى أموراً فظيعة تحدث مع قصف الغوطة الشرقية على سبيل المثال. نحن ندين عمليات القصف هذه التي ينفذها نظام الأسد، على مدرسة على سبيل المثال، بأشد العبارات، كما أننا ندين كذلك روسيا التي تقف متفرجة".

القطاع الأوسط

وفيما انخفضت إلى درجة كبيرة حركة نزوح المدنيين من مناطق القطاع الجنوبي الأوسط من الغوطة نحو مناطق سيطرة النظام في ضواحي دمشق خلال اليومين الماضيين، فإن مراقبين محليين اعتبروا أن حركة النزوح الكثيف كانت مترافقة مع القصف العنيف الذي استخدمت فيه قوات النظام وبدعم روسي، غزارة نارية، ما أدى لانهيار جبهات "فيلق الرحمن" وتتالي سقوط المدن والبلدات في مناطق شرق القطاع الأوسط. غير أن بعض المشاهد التي تناقلها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي لمدنيين خرجوا من الغوطة، ويتعرضون لعمليات تعذيبٍ من قبل قوات النظام، فضلاً عن احتجازها للمُهجّرين ضمن مراكزَ لا يسمح لهم بمغادرتها، دفع مئات السكان وسط الغوطة للإحجام عن النزوح خلال اليومين الماضيين.

وحاولت وسائل إعلام النظام، تصدير مشاهد معاملة قوات النظام للنازحين على أنهم كانوا ضحايا احتجاز "الجماعات الإرهابية"، وأنهم باتوا في مأمن بعد خروجهم من الغوطة الشرقية، لكن صوراً ومشاهد فيديو، صورها عسكريون في قوات النظام، أظهرت عمليات تعذيب مورست على بعض سكان الغوطة الذين فروا من مناطقهم التي تتعرّض يومياً لقصفٍ عنيفٍ أودى بحياة مئات المدنيين خلال شهرٍ واحد.

وبينما قالت الأمم المتحدة إن عدد الذين غادروا الغوطة الشرقية عبر المعابر التي تم الإعلان عنها، بلغ قرابة خمسين ألف مدني، سبعون بالمائة منهم نساء وأطفال، فإن "قاعدة حميميم" الروسية في سورية، قالت إن عدد المدنيين الذين غادروا الغوطة منذ ما بعد إعلان فتح المعابر، بلغ قرابة ثمانين ألف مدني. وعلى صعيد العمليات العسكرية البرية، فقد أعلنت قوات النظام السوري صباح أمس، أنها فتحت محور قتالٍ جديدا، أقصى جنوب الغوطة الشرقية، نحو مدينة عين ترما. وعرضت وسائل إعلام النظام السوري تسجيلات مصوّرة قالت إنها من المناطق التي تمّت السيطرة عليها على أطراف عين ترما، وهو ما نفته مصادر محلية، مشيرة إلى تصدّي مقاتلي المعارضة لمحاولات تسلّل مجموعة من قوات النظام في المنطقة.

وأوضحت المصادر لـ"العربي الجديد"، أنّ "قوات النظام تحاول أن تعيد في عين ترما، ما فعلته في المناطق السابقة التي سيطرت عليها، مثل كفربطنا وسقبا وحمورية، اعتماداً على القصف المكثّف، ومن ثمّ فتح ممر لخروج المدنيين، والانتهاء بدخول البلدة". والمحور الجديد الذي فتحته قوات النظام، يقع جنوب عين ترما نحو وسطها، بطريقٍ موازٍ لأوتوستراد المحلق الجنوبي. ويبدو أن قوات النظام تعمل على التقدّم في هذه الجبهات التي تعتبر معقلاً لـ "فيلق الرحمن"، لتضييق الخناق شيئاً فشيئاً على مناطق القطاع الجنوبي الأوسط. وفي حال نجحت بذلك ووصلت لمنطقة زملكا، فهذا يعني عملياً أن هذه القوات تكون قد التفت على حي جوبر شرقي دمشق، وعزلته عن عمقه في مناطق جنوب الغوطة ووسطها.

القطاع الشمالي

وحاول مقاتلو "جيش الإسلام" في اليومين الماضيين، فتح معارك في بساتين مسرابا، وهي البلدة التي تقع وسط الغوطة، وتمكّنت قوات النظام بعد السيطرة عليها، من تقطيع الغوطة إلى ثلاثةِ أجزاء. وقال "جيش الإسلام" عبر مواقعه الرسمية على الإنترنت، إن مقاتليه أحرزوا تقدماً في محيط جبهة مسرابا. ويبدو الهدف الواضح لهذه المعارك، وهو إعادة ربط مناطق الغوطة التي قطعتها قوات النظام.

وأوضح هذا الفصيل في بيان له، أنّه "أحرز تقدّماً في بعض النقاط والمزارع عند بلدة مسرابا، خلال هجوم معاكس من محاور عدّة، على مواقع قوات النظام والمليشيات المساندة لها". ولم تتضح تماماً نتائج هذه المعارك في مسرابا بين قوات النظام و"جيش الإسلام" وسط الغوطة وجنوبي دوما، وشرق حرستا، إذ تتكتّم مصادر "جيش الإسلام" الرسمية على مجرياتها، فيما تقول قوات النظام إنها أفشلت الهجمات.

تهجير حرستا

في غضون ذلك، أنجز "اتفاق" تهجير حرستا مع "حركة أحرار الشام" غربي الغوطة الشرقية، برعاية أممية. وأعلن حزب الله عبر "وحدة الإعلام الحربي" التابعة له عن أن نحو 1500 مسلح و6000 من أفراد أسرهم سيبدأون اليوم الخميس مغادرة بلدة حرستا إلى إدلب وهو ما أكدته "أحرار الشام" في وقت لاحق. وقالت "قاعدة حميميم" الروسية في سورية عبر موقعها الرسمي، أمس الأربعاء، إنه "لضمان الخروج الآمن للمدنيين من ضاحية حرستا في الغوطة الشرقية، بدأ الممر الإنساني الثالث بالعمل، وخلال اليوم (أمس الأربعاء) خرج 315 شخصاً من خلال الممر الجديد، بمن في ذلك 15 متشدداً قرروا الاستسلام وإلقاء السلاح".

وعلمت "العربي الجديد" من مصادرَ في الغوطة الشرقية، أن الاتفاق، يتضمن إجلاء من يرغب من مقاتلي "أحرار الشام" ومن السكان المحليين إلى مناطق شمال غربي سورية، على أن يتم عند بداية تنفيذه نقل المصابين والحالات الصحية الحرجة، ثمّ يبدأ خروج المدنيين والعسكريين من حرستا.

المساهمون