العراق يصارع العنف العشائري بتشديد العقوبات القانونية

07 فبراير 2018
القيادات الأمنية عجزت عن السيطرة على التهديدات العشائرية(فرانس برس)
+ الخط -
تصاعدت موجة العنف العشائري في مناطق وسط العراق وجنوبه بشكل كبير، بما أفضى إلى تسجيل عشرات القتلى والجرحى في غضون أقل من ثلاثة أشهر ماضية، حتى أصبحت الحساسيات العشائرية "القاتل" الثالث بعد الإرهاب والجريمة المنظمة في العراق بالنسبة للمواطنين. ولم تستطع الحكومة من خلال أجهزتها الأمنية ووساطاتها المجتمعية السيطرة على سطوة العشائر، التي تجاوز خطرها المحافظات الجنوبية ووصل إلى العاصمة بغداد، في الوقت الذي تخشى الأحزاب والشخصيات السياسية على حد سواء، الوقوف ضد تلك السطوة القبلية، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى خسارتها وزناً انتخابياً مهماً كانت تتمتع به من خلالها.

ووسط أجواء لم يألفها المواطن العراقي من قبل، أصبحت العشيرة هي الحاضنة الوحيدة التي يأوي إليها المواطن العراقي لأخذ حقه أو حمايته في ظل تراجع سطوة القضاء وانتشار المليشيات ونفوذ رجال الدين، أو حتى لسلب حقوق الآخرين وتعطيل حياتهم وتهديدها، ليتحوّل المجتمع إلى مجتمع عشائري بحت، تحكمه العشائر التي أصبحت سطوتها تنافس، سلطة رجال الدين والمليشيات المسلّحة في العراق وتطغى في بعض الأحيان على سلطة الدولة وأجهزتها، كما هو الحال في بعض مدن صلاح الدين شمالي العراق، حيث تعطّل بضع عشائر أمراً حكومياً صدر من بغداد قبل عامين لإعادة 80 عائلة لمنازلها، وتطلب دية عشائرية عبارة عن مبلغ مالي يصل إلى 10 ملايين دولار. 

ويحمّل مراقبون الحكومة مسؤولية كل ذلك، من خلال ضعف إجراءاتها العقابية ومجاملتها للعشائر على حساب مصلحة الشعب، الأمر الذي دفع الحكومة أخيراً لاتخاذ قرارات جديدة، محاولةً الحدّ من سلطة العشائر. وتعليقاً على ذلك، قال مسؤول قضائي عراقي لـ"العربي الجديد"، إنّ "رئيس الحكومة حيدر العبادي، ناقش مرات عدة مع السلطة القضائية موضوع تصاعد خطر العشائر في البلاد، وطلب منها تشكيل لجان خاصة لبحث الموضوع ومحاولة معالجته قانونياً"، مبيناً أنّ "السلطة القضائية شكّلت بدورها لجاناً خاصة لهذا الغرض".

وأوضح المسؤول أنّ "اللجان التي درست الموضوع من جوانبه كافة، اقترحت تشديد العقوبات المفروضة على النزاعات والتهديدات العشائرية"، مشيراً إلى أنّه "تم تعديل عدد من المواد القانونية الخاصة بالجرائم والتهديدات العشائرية، وتشديدها بشكل كبير". وأكد أنّ "المادة 430 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، نصّت على السجن سبع سنوات لمن يثبت عليه التهديد العشائري، ومنها كتابة عبارات على المنازل والعقارات لمنع بيعها أو إيجارها"، لافتاً إلى أنّ "هذه المادة تم تعديلها لتصبح العقوبة مساوية لعقوبة الإرهاب، وهي الإعدام".

وأشار المسؤول القضائي إلى أنّ "التعديلات شملت عدداً من الفقرات والمواد القانونية الأخرى، الخاصة بالعشائر، لوضع حد لانتهاكاتها وتهديداتها"، مبيناً أنّ القانون أيضاً "يعاقب كل من يتساهل بتنفيذ العقوبات، على من يدان بهذه الارتكابات".


وتصاعدت وتيرة العنف العشائري في العراق، بشكل كبير، إذ إنّ المحافظات الجنوبية تسجّل يومياً معارك عشائرية تستخدم فيها الأسلحة المختلفة وحتى الثقيلة منها، بينما عجزت القوات الأمنية عن السيطرة على الوضع ونزع سلاح العشائر.

وقال القيادي في تحالف التيار المدني في محافظة البصرة، باسل اللامي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القيادات الأمنية في أغلب المحافظات الجنوبية عجزت عن السيطرة على النزاعات والتهديدات العشائرية"، مضيفاً أنّ "الحكومة كانت قد وجّهت بنزع سلاح العشائر، لكنّ القوات لم تفلح، إذ إنّ سلطة العشائر الجنوبية أقوى وأكثر تأثيراً في جنوبي العراق، من أجهزة الدولة".

وأشار اللامي إلى أنّ "المشكلة لا تكمن فقط في المعارك التي تندلع بين العشائر، بل بتدخلها بعمل المؤسسات الحكومية والقرارات الإدارية"، موضحاً أنّ "أي مدير يتخذ قراراً غير مناسب ضدّ موظف، يجعل الأخير يستعين بعشيرته على المدير، لتقوم بدورها بتهديده وإجباره على الرجوع عن قراره".

ولفت إلى أنّ "المناصب الإدارية، والقرارات الإدارية في أغلب دوائر العراق أصبحت للعشائر الأقوى، فهي تملي إرادتها على المؤسسات الحكومية، ولا أحد يستطيع أن يقف بوجهها"، معتبراً أنّ "ذلك تسبب بتراجع البلد، وسوء إدارة مؤسساته، ما يتطلب تدخلاً حكومياً وقرارات رادعة تضع حدّا لتلك الانتهاكات العشائرية".

ولم تعد سطوة العشائر محصورة في جنوبي العراق، بل تجاوزتها لتشمل حتى العاصمة بغداد، التي كانت تعدّ أكثر تحضّراً من المحافظات الأخرى، والتي سجّلت الكثير من الحوادث العشائرية، بينما يحمل مختصون، أحزاب السلطة مسؤولية ذلك.

وفي هذا الإطار، قال الخبير القانوني، عبد الرحيم الشيباني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ظاهرة التهديدات العشائرية التي استشرت في المجتمع العراقي أصبحت من الظواهر الجرمية، التي يتحتم على الجهات القائمة على السلطة القضائية التعامل معها بأشدّ العقوبات القضائية"، معتبراً أنّ "عدم تطبيق القانون في هذا الموضوع، بمثابة مشاركة في الجريمة".

وأكد الشيباني أنّ "المشكلة تكمن في مجتمعنا، أنّ البيئة التي خلقتها الأجواء السياسية، أصبحت حاضنة للعشائر وللمليشيات وغيرها، إذ إنّ أغلب تلك الجهات مرتبطة بأحزاب السلطة، والأخيرة تتدخّل وتفرض إرادتها على القضاء في حال المساس بعشائرها، ما تسبب بعدم تطبيق القانون عليها، الأمر الذي شجّع العشائر على التمادي بأفعالها الجرمية"، مشدداً على "أهمية تطبيق القانون بشدة، على أي جريمة عشائرية، وعلى أي جهة سياسية تدافع عن جرائم وانتهاكات العشائر، وإلّا فإنّ المجتمع يتجه نحو انحدار خطير، وستتحكم العشائر حتى بالسلطة القضائية".

ومنذ العام 2003، وما تبعه من ضعف بمؤسسات الدولة العراقية، نشط نفوذ العشائر بشكل كبير، وبدأ المواطنون يحتمون بعشائرهم بسبب عجز القوات الأمنية عن حمايتهم، ما تسبب بتصاعد نفوذ العشائر على حساب سلطة الدولة.