عودة صلاح قوش للاستخبارات السودانية... تجديد لقوة البشير

12 فبراير 2018
عودة قوش لحماية ظهر البشير رئاسياً (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

استيقظت العاصمة السودانية الخرطوم، أمس الأحد، على وقع مفاجأة من العيار الثقيل، حين نشرت وكالة الأنباء الحكومية (سونا) قراراً جمهورياً للرئيس، عمر البشير، قضى بإقالة غير مكتوبة، لمدير جهاز الأمن والاستخبارات الوطني، الفريق أول محمد عطا المولى عباس، وتعيين الفريق أول، صلاح عبد الله محمد صالح، الملقب بـ"صلاح قوش"، بديلاً عنه، في خطوة لافتة، عززها خلو خبر وكالة الأنباء الحكومية، والقرار الجمهوري نفسه من أية إشارة لإقالة المولى. وعقب أدائه القسم، تسلم صلاح قوش مهامه مباشرة في عملية عدّها البعض أسرع عملية تسلّم وتسليم بينه وبين سلفه.

وقوش، هو خريج كلية الهندسة جامعة الخرطوم، ومن أقوى رجالات الأمن والاستخبارات. تدرّج بعد بدء عهد البشير في عام 1989 من ضابط صغير في الجهاز إلى مدير لإدارة العمليات الخاصة، ثم أصبح نائباً للمدير العام للجهاز، وأخيراً في عام 2002، بعد انقسام الحركة الإسلامية الحاكمة إلى جناحين واحد تابع للرئيس السوداني عمر البشير والثاني للراحل حسن الترابي، تم تعيينه بمنصب مدير عام لجهاز الأمن والاستخبارات بعد دمج الأمن الداخلي مع الاستخبارات. وطوال 7 سنوات قضاها في المنصب، استطاع، حسب تقدير الكثيرين، إعادة بناء الجهاز محدثاً نقلات نوعية في مجال التدريب والقُدرات والأعداد، لدرجة أن الجهاز الأمني كان يُطلق عليه في ذلك الوقت وصف "إمبراطورية قوش".

كما بنى قوش علاقة قوية مع جهاز الاستخبارات الأميركية "سي أي إي"، وبوشر التنسيق على مستوى عالٍ في مجال مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات، ما أثار جملة من التساؤلات والشكوك. وفي عام 2009 بدأت ثقة البشير، تهتز بقوش بسبب ما قيل وقتها عن طموحات للأخير تتجاوز منصبه إلى حدّ الاستعداد لخلافة البشير، فضلاً عن اتهامات البعض له بتجاوز للمؤسسات الحكومية والحزبية، ليقال عقب ذلك بقرار جمهوري ويُعيَّن نائبه، الفريق محمد عطا المولى بديلاً عنه.

لكن البشير قرّب قوش منه، فعيّنه مستشاراً للشؤون الأمنية، التي أضحت مفوضية لصنع القرار السياسي والأمني (أو هكذا خطط)، فدعمت عملية حوار مع قوى المعارضة، التي جلس قوش مع زعمائها سراً وعلناً. غير أن ذلك لم يرضِ مساعد رئيس الجمهورية، رجل حزب المؤتمر الوطني القوي يومها، نافع علي نافع، فبرزت الخلافات علناً بينهما، وانحاز البشير لنافع، مبعداً قوش من التشكيل الحكومي، وحلّ مستشارية الأمن. وفي عام 2010، خاض قوش، المعترك الانتخابي في إحدى الدوائر في أقاصي الشمال، وانتُخب عضواً بالبرلمان السوداني.



بيد أن الحدث الأبرز بعد إقالته، وقع في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، حين تحركت قوة من جهاز الأمن الوطني وألقت القبض على قوش وعدد آخر من رجال الأمن والجيش، بعد اتهامهم بالتدبير لمحاولة انقلابية لإطاحة حكومة البشير. وبعد نحو ثمانية أشهر من الاعتقال، وبعد بدء إجراءات محاكمته بتهم "تقويض النظام الدستوري" وعقوبتها الإعدام، أصدر البشير نفسه عفواً رئاسياً عن كل المجموعة التي قالت بعد ذلك إنها "ستقود خطاً إصلاحياً داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم". ثم تفرغ قوش بعد ذلك للعمل البرلماني ولإدارة استثماراته الضخمة في المجال التجاري.

بالتالي أتى قرار إعادة تعيينه في ظل حديث كثيف عن وجود خلافات داخل الحزب الحاكم، خصوصاً بعد ورود أنباء عن عزم البشير، إجراء تغييرات واسعة في الحكومة، حُدّد لها يوم الأربعاء المقبل، خلال اجتماع مرتقب للمكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم. وتركّز الخلاف بشكل رئيس، كما كشفت مصادر مطّلعة على مبدأ إعادة ترشيح البشير لولاية جديدة في انتخابات 2020. وأضافت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن "صلاح قوش يقف بقوة مع إعادة ترشيح البشير ومع تعديل الدستور، الذي لا يسمح للبشير  بالترشح مرة أخرى. فوقف قوش بذلك في موقف مناوئ لخصمه السابق، نافع علي نافع، قائد الجناح الرافض لترشيح البشير داخل الحزب الحاكم". وأضافت المصادر أن "لقوش أيضاً رأيا سلبيا بما يتعلق بأداء الحزب الحاكم وأداء كثير من مؤسسات الدولة".

ورجّح القيادي بحركة "الإصلاح الآن" المنشقة عن الحزب الحاكم، أسامة توفيق، صدور قرار إعادة صلاح قوش لجهاز الأمن، على خلفية "الفشل الذريع خلال فترة إدارة الفريق محمد عطا"، مستشهداً بـ"عجز الجهاز عن ضبط الإتجار بالعملة في السوق الموازي، الذي أدى إلى ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني إلى مبالغ خرافية". ولفت توفيق في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الجهاز فشل أيضاً في ضبط عمليات تزوير العملة وعمليات تهريب الذهب، حتى عبر مطار الخرطوم"، مشيراً إلى أن "محمد عطا حوّل جهاز الأمن فقط لجهاز سياسي، ولم يلتفت للقضايا الاقتصادية والاجتماعية".



وأضاف أن "المدير العام الجديد ـ القديم، من أميز ضباط الاستخبارات، وخبير في المجال من الطراز الأول"، لكن توفيق أبدى خشيته من "استرجاع صلاح قوش للمشاكل التي حدثت له في وقت سابق، ومن بينها ايداعه السجن واتهامه بالمحاولة الانقلابية وبإبعاده كلياً عن مطابخ القرار، ما يدفعه إلى الانتقام بشكل أو آخر من خصومه". وأعرب عن أمله في أن "يتسامح قوش عن كل ما حدث له". كما اعتبر توفيق، أن "عملية التعيين مؤشر لوجود خلافات داخل الحزب الحاكم وربما تتبعها تغييرات كبيرة في الحكومة".

واستبعد الصحافي عمرو شعبان تماماً فرضية الانتقام من صلاح قوش وقال لـ"العربي الجديد"، إن "شخصية قوش فيها قدر كبير من التسامح ولا يمكنه الانتقام من خصومه بعد تبوّئه المنصب القوي في الدولة". واعتبر أن "مؤسسات الدولة حدث بينها في الفترات السابقة تضارب كبير، تحديداً في السياسة الخارجية. وهو الأمر الذي اشتكى منه وزير الخارجية إبراهيم غندور. الأمر الذي أدى لتقديمه استقالته". وتوقع شعبان بعد عودة صلاح قوش عودة التناغم المفقود بين كافة الأجهزة.

لكن المحلل السياسي، أسامه عبد الماجد، المقرّب من دوائر الحزب الحاكم نفى لـ"العربي الجديد"، أن "يكون القرار الرئاسي الأخير مؤشر خلاف أو انقسام داخل الحزب". لكنه وافق على "عدم قيام جهاز الأمن في عهد محمد عطا بدوره المطلوب خصوصاً في الجوانب الاقتصادية، بما في ذلك ما حدث من تجاوزات من مصارف كبرى وخرقها لسياسات الدولة  في مجال النقد الأجنبي وما حدث من تلاعب في أموال الدواء". وأضاف عبد الماجد، أن "تعيين قوش قصد منه رسالة للخارج بخصوص صورة جهاز الأمن التي كانت راسخة وفاعلة في عهده الأول"، مشيراً إلى أن "المؤشرات تؤكد أن البشير ماض في ترتيبات جديدة ربما تشمل تغيير رؤوس كبيرة خلال الأيام الماضية".



دلالات
المساهمون