مشروع اتفاق بريكست: هل هو فعلاً "إملاء بروكسل"؟

16 نوفمبر 2018
وصف بارنييه الاتفاق بأنه أفضل صفقة ممكنة حالياً(دورسان أيدمير/الأناضول)
+ الخط -

بدا مشروع اتفاق بريكست بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، أقرب ما يكون إلى المشروع الأوروبي "المفروض" على لندن، وهو ما يفسر الاستقالات المتلاحقة في لندن لوزراء ومسؤولين بريطانيين، يرفضون ما يسمونه "الخضوع لإملاءات" بروكسل.


اتفاق مرضٍ

"أفضل صفقة ممكنة في الظروف الحالية. فالوثيقة دقيقة ومفصلة، كما هو الحال في أي اتفاق دولي في وضع استثنائي، يمنح اليقين القانوني لجميع المواطنين وكل المواد الأخرى التي تحتاج إلى إدارة عواقب بريكست"، بهذه الكلمات أعلن كبير المفاوضين في الاتحاد الأوروبي، ميشال بارنييه، عن التوصل إلى هذا الاتفاق المُرضي للأوروبيين. وتضمّن نص الاتفاق وثيقة من 585 صفحة، و185 من الأبواب، بما في ذلك ثلاثة بروتوكولات ومجموعة من المرفقات.
ونصّ الاتفاق على أن "المواطنين الأوروبيين الذين يقيمون في المملكة المتحدة والبريطانيين الذين يقطنون في دولة عضو في الاتحاد قبل نهاية الفترة الانتقالية، يمكنهم الاستمرار في عيش حياتهم كما كانت من قبل في بلد إقامتهم". وسيكونون قادرين على "الاستمرار في العيش في بلد إقامتهم، أو الدراسة أو العمل والحصول على المساعدات وجلب عائلاتهم هناك، طوال مدة إقامتهم". كما نصّ على أن "يتم الوفاء بالالتزامات المالية التي تم الاتفاق عليها عندما كانت بريطانيا دولة عضوا في الاتحاد". وبالنسبة لبارنييه، فقد كان هذا الأمر ضرورياً "لطمأنة الساهرين على المشاريع والمناطق التي تحصل على دعم من الميزانية الأوروبية في الاتحاد، كما هو الحال في المملكة المتحدة".

كما تم الاتفاق على اعتبار محكمة العدل الأوروبية كملاذ أخير فقط. وفي هذه النقطة الرئيسية التي تعد دليل مصداقية الاتفاقية، اعتبر كبير المفاوضين الأوروبيين أنه تم العثور على "حل جيد" لضمان تنفيذ الاتفاق بشكل سليم، وأضاف "كما هو الحال مع أي اتفاق دولي، مشروع الاتفاق يخلق إطاراً مع خطوة سياسية أولى في حل النزاعات، وإذا استمر الخلاف، فتتم تسوية هذه النزاعات من قبل لجنة من المحكمين". وكما شدد الأوروبيون، ففي حال عدم الاتفاق على مسألة تفسير قانون الاتحاد الأوروبي، "ستواصل محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي القيام بدورها".

فترة انتقالية لـ21 شهراً
بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، في 29 مارس/آذار المقبل، تبدأ فترة انتقالية. وتنص الاتفاقية على أن تستمر هذه الفترة لمدة 21 شهراً، من 30 مارس إلى 31 ديسمبر/كانون الثاني 2020. وفي الوقت نفسه، قرر الطرفان "الحفاظ على الوضع الحالي عندما يتعلق الأمر بالسوق الداخلية والاتحاد الجمركي والسياسات الأوروبية بنفس الحقوق والالتزامات". وتنص الاتفاقية على "إمكانية تمديد فترة الانتقال مرة واحدة، لفترة محدودة، بموجب اتفاقية مشتركة". ولم يتم بعد تحديد أي حد زمني لهذه الإضافة. أما بالنسبة للمواضيع الحساسة الأخرى فقد تمت تسويتها كما أصر المفاوض الأوروبي. وهو الحال بخصوص المسائل المتعلقة مثلاً بالوكالة الأوروبية للطاقة الذرية، وحماية حقوق الملكية الفكرية، واستخدام وحماية البيانات الشخصية المتبادلة قبل نهاية الفترة الانتقالية.

بروتوكولات للحدود
بالنسبة لجزيرة أيرلندا، الملف الشائك خلال أشهر المفاوضات، "نجحنا في إيجاد أرضية مشتركة وتحقيق أهدافنا المشتركة: حماية اتفاق يوم الجمعة العظيمة وتجنّب الحدود الفعلية"، وفق بارنييه. وبحسب الاتفاق، سيتم إنشاء "منطقة جمركية موحّدة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. وسيكون للبضائع البريطانية حق الدخول إلى السوق الأوروبية معفاة من الرسوم والحصص، لأن أيرلندا الشمالية ستبقى في نفس المنطقة الجمركية مثل بقية المملكة المتحدة". وفي الوقت نفسه، "ستواصل أيرلندا الشمالية التعامل وفق معايير السوق الأوروبية الموحّدة لتجنب الحدود الفعلية".

بالنسبة لخطة المساندة الأيرلندية، فإن الاتفاق نصّ على أن يقوم الطرفان بعمل أفضل ما أمكنهما للتوصل إلى اتفاق تجاري يرسم العلاقة المستقبلية بينهما قبل ستة أشهر من نهاية الفترة الانتقالية في ديسمبر/كانون الأول 2020. وفي حال لم يتم ذلك، فيمكن للاتحاد الأوروبي وبريطانيا تمديد الفترة الانتقالية سوية لفترة غير محددة. وإلا فإنه سيتم تفعيل خطة المساندة الأيرلندية والتي تهدف لمنع قيام الحدود في الجزيرة. وتشمل عضوية كامل المملكة المتحدة في الاتحاد الجمركي الأوروبي ويتم تطبيقها من لحظة انتهاء الفترة الانتقالية وحتى تطبيق اتفاق تجاري دائم بين الطرفين. ويشمل الاتحاد الجمركي كافة البضائع عدا المنتجات السمكية، والتي تشكل محور اعتراض رئيسي لبعض الدوائر الانتخابية البريطانية في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. ويشمل الاتفاق التزاماً بتطبيق الآليات الملائمة لفرض المنافسة العادلة بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا. ولكن الاتفاق يشمل أيضاً تفتيشاً لعدد من البضائع الداخلة من الجزيرة البريطانية إلى أيرلندا الشمالية، وهو ما يرفضه حزب "الاتحاد الديمقراطي" الأيرلندي. ويعارض الحزب أي معايير يمكن أن تؤدي لمعاملة أيرلندا الشمالية بشكل مختلف عن بقية المملكة المتحدة.

أما في ما يتعلق بالانسحاب من خطة المساندة، فينص الاتفاق على أنه في حال أراد أحد الطرفين الانسحاب، فبإمكانه إبلاغ الطرف الآخر موضحاً الأسباب. وبعدها تجتمع لجنة مشتركة في غضون ستة أشهر ويتخذ الطرفان القرار سوية بإنهاء خطة المساندة. وسيصعب على رئيسة الوزراء البريطانية ماي تسويق هذه النقطة لمؤيدي بريكست، الذين يطالبون بأن تستطيع بريطانيا الخروج من أي تسوية جمركية تشمل كامل المملكة المتحدة إذا أرادت الحصول على اتفاقيات تجارة حرة مع أطراف ثالثة.


في المقابل، حدد الأوروبيون مجموعة من الشروط تتعلق خصوصاً باحترام قواعد المنافسة، إذ "لا يمكن إعفاء البريطانيين من قواعد الاتحاد الأوروبي بشأن المساعدات الحكومية، والمعايير البيئية والضريبية والاجتماعية"، كما يفسر الخبير في الشؤون الأوروبية باتريك هنان، لـ"العربي الجديد". بالإضافة إلى ذلك، تنص الوثيقة على أنه "لا يمكن للمملكة المتحدة ترك هذا المخطط من جانب واحد، ولكن فقط إذا تم التصديق على اتفاقية التجارة".
وأدخل الاتحاد الأوروبي عدداً من الشروط التي تضمن عدم تفوق الأعمال البريطانية على نظيرتها الأوروبية. ولذلك طلبت بروكسل من البرلمان البريطاني نسخ القوانين الأوروبية الخاصة بالتوظيف والضرائب والمعايير البيئية إلى القانون البريطاني. ويشكل ذلك معضلة لعدد من نواب حزب "المحافظين" البريطاني، الذين أرادوا أن تكون مغادرة الاتحاد فرصة لتخفيف حدة القواعد الاقتصادية الأوروبية، بهدف تحويل بريطانيا إلى سنغافورة أوروبية.

أما البروتوكول المتعلق بجبل طارق، فينصّ على "قواعد للتعاون الإداري في عدة مواضيع: حقوق المواطنين والضرائب والتبغ والبيئة وصيد الأسماك، وكذلك التعاون في مسائل الشرطة والجمارك". ويتم التعامل مع باقي الملفات في حزمة أخرى تتكون من اتفاقات ثنائية بين إسبانيا والمملكة المتحدة.

إطار مؤقت للعلاقة المستقبلية
بالنسبة لميشال بارنييه، فإن العلاقة المستقبلية "أكثر أهمية بكثير" من اتفاقية انسحاب المملكة المتحدة. وكان الأوروبيون والبريطانيون قد نشروا الأربعاء مشروع إعلان سياسي مشترك يحدد "الأساس للشراكة الطموحة" المنشودة. وتم بالفعل تحديد العديد من الأهداف منها منطقة تجارة حرة تعتمد على التعاون التنظيمي والجمركي الواسع والمجال المتكافئ؛ والتعاون القطاعي على سبيل المثال في مجال النقل أو الطاقة؛ التعاون في مجال الأمن الداخلي والشرطة والتعاون القضائي؛ والتعاون في مجال السياسة الخارجية والأمن الخارجي والدفاع". وفي هذا السياق، يشرح الخبير باتريك هنان أن "العمل على هذه الوثيقة يستمر من قِبل فريق المفاوضين مع الدول الـ27 الأعضاء والبرلمان الأوروبي بدءاً من اليوم. والهدف هو الوصول إلى إعلان نهائي مع البريطانيين، لتقديمه إلى المجلس الأوروبي خلال القمة المخصصة للتوقيع الرسمي على الاتفاق يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني".

في انتظار التوقيع الرسمي

ترحيب بارنييه بالاتفاق لم يمنعه من التأكيد أن هناك "الكثير من العمل المتبقي". ثم، وبالنظر إلى الوضع السياسي المضطرب في لندن، "لا يزال الطريق طويلاً ويمكن أن يكون من الصعب ضمان انسحاب منظّم، وفي ما بعد بناء شراكة طموحة ومستدامة مع المملكة المتحدة". وأشاد بارنييه بالجهود التي بذلتها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي والحكومة البريطانية بأكملها التي تولت "مسؤوليتها"، لكنه حذر من أنه "يجب على الجميع الآن من الطرفين تحمّل المسؤولية"، بما في ذلك البرلمان البريطاني. إضافة إلى كون العلاقة المستقبلية، "مهما كانت طبيعتها القانونية ستكون اتفاقيات مختلطة تتطلب تصديق كل البرلمانات الوطنية وربما البرلمانات الإقليمية"، كما ذكر بارنييه.

يذكر أن الاتفاق يشير أيضاً إلى أنه مع انتهاء الفترة الانتقالية، في 31 ديسمبر/كانون الثاني 2020، تتم مراقبة تطبيق اتفاقية بريكست عبر لجنة مشتركة تتخذ القرارات بالتوافق وتكون قراراتها ملزمة. كما ستتشكل لجنة تحكيم من خمسة أعضاء للتعامل مع الخلافات. إلا أن أي مشكلة تتعلق بالقانون الأوروبي، لا يمكن للجنة التعامل معها، ستُحوّل إلى محكمة العدل الأوروبية. وهذه أيضاً نقطة يعارضها مؤيدو بريكست في بريطانيا، باعتبارها تسلب سيادة القضاء البريطاني.

المساهمون