قمم متنقّلة حول سورية: التنافس الروسي الأميركي يتصاعد

28 أكتوبر 2018
قبيل القمة الرباعية في إسطنبول أمس (ميخائيل كليمنتييف/فرانس برس)
+ الخط -
يزدحم المشهد السياسي الخاص بالملف السوري بالعديد من التحرّكات الإقليمية والدولية على مستويات مختلفة بهدف البحث عن طرق يمكن أن توصل إلى حلول سياسية للملف السوري الذي شغل المجتمع الدولي، في ظلّ تعنّت النظام وإصراره على عدم التعاون مع الأمم المتحدة مع شعوره أنه خرج منتصراً عسكرياً من مواجهة امتدت لسنوات. وتزداد قناعة المجتمع الدولي بأنّ النظام السوري غير جاد في الانخراط في عملية تفاوضية تفضي إلى حلّ سياسي، إذ أبلغ المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، مجلس الأمن بهذه الحقيقة، فيما ترى المعارضة أنّ الروس لم يعطوا النظام الضوء الأخضر لذلك، مطالبة بقرارات دولية "ذات مخالب".

وفي إطار هذا الحراك الدولي، التأمت أمس القمة الرباعية الروسية التركية الفرنسية الألمانية في إسطنبول، فيما يلتئم في لندن اليوم الأحد اجتماع المجموعة المصغرة من أجل سورية (مجموعة السبع المعنية بالملف السوري) والتي تضمّ كلاً من: الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، السعودية، الأردن، ومصر. وتشارك المعارضة السورية في اجتماع لندن بوفد يرأسه رئيس هيئة التفاوض، نصر الحريري، العائد من العاصمة الروسية موسكو بعد زيارة يبدو أنّها لم تحدث ثغرة في موقف روسي يحاول القفز عالياً فوق قرارات مجلس الأمن الدولي ذات العلاقة.

وفي السياق، قال يحيى العريضي، الناطق الرسمي باسم هيئة المفاوضات في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ وفد المعارضة يحمل إلى اجتماع المجموعة المصغّرة رؤية المعارضة الشاملة حيال الحلّ السياسي في سورية، مضيفاً أنه "سيقدم إيضاحات تخصّ العملية السياسية، ويبيّن الدور الذي يقوم به النظام في تعطيل هذه العملية". وتابع العريضي قائلاً "النظام يشكّك بالأمم المتحدة، ويرفض قائمتها في اللجنة الدستورية رغم كون أعضائها سوريين. من الواضح أنّه لا يريد حلاً سياسياً، لذا بات من اللازم البحث عن آليات جديدة، وإذا كان القرار الدولي 2254 بلا فعالية، يجب إصدار قرارات دولية لها مخالب"، بحسب وصفه.

وأشار العريضي إلى أنّ الروس "يحاولون بيع العالم الوهم"، مضيفاً "يريدون فرض نظام بشار الأسد على العالم الذي يدرك أنه لن يكون أمان واستقرار وإعادة لاجئين وبدء الإعمار، طالما هذا النظام موجود في السلطة"، معتبراً أنه "بات الروس اليوم وجهاً لوجه مع الأمم المتحدة بعد رفض النظام التعاون في اللجنة الدستورية والتي هي بالأساس منتج روسي".

وأكّد العريضي أنّه لا يمكن "تثبيت مجرم في السلطة"، موضحاً أنه "ليس لدى السوريين الاستعداد للعودة إلى بلادهم والتعرّض للابتزاز والإذلال. لا عودة من دون حلّ سياسي واضح وفق قرارات الشرعية الدولية". ولفت إلى أنّ "حلّ القضية السورية يقوم على تحقيق انتقال سياسي نصّت عليه قرارات مجلس الأمن الدولي، وكل الحلول السياسية التي تطرح بعيداً عن هذا المبدأ لا يمكن لها أن تنجح".

وكان دي ميستورا أبلغ مجلس الأمن الدولي، الجمعة، رفض وزير خارجية النظام السوري، وليد المعلّم، للدور الذي تقوم به الأمم المتحدة حالياً في عملية إطلاق اللجنة الدستورية. وقال المبعوث الأممي لأعضاء المجلس عبر دائرة تليفزيونية مغلقة من العاصمة اللبنانية بيروت: "وليد المعلم، وزير الخارجية يفهم دور الأمم المتحدة بشكل مختلف"، مضيفاً "اجتمعت مع وزير الخارجية السوري، الأربعاء، وأكّد لي أنّ اللجنة الدستورية أمر سيادي لبلاده، وأنّ الخلاف الأساسي يتعلّق بدور الأمم المتحدة في تلك اللجنة".

وتابع دي ميستورا قائلاً "لم يقبل المعلم، بدور للأمم المتحدة في تشكيل أو تحديد أسماء أعضاء القائمة الثالثة في اللجنة الدستورية". ويُفترض أن تتألف اللجنة الدستورية من 150 عضواً، ثلثهم من المعارضة، التي تمثّلها الهيئة العليا للتفاوض، وثلث آخر من النظام السوري، والثلث الأخير ممن يختارهم دي ميستورا، على أن يتم اختيار 15 عضواً منهم (خمسة أعضاء من كل مجموعة) لصياغة دستور دائم للبلاد. ولكن النظام أفشل المسعى الأممي في تشكيل اللجنة، في تأكيد جديد على رفضه العملية السياسية برمتها، بل يريد فرض شروط "المنتصر" على الأطراف الفاعلة في الصراع على سورية، في الوقت الذي ترفض فيه المعارضة التنازل عن قرارات الشرعية التي تدعو إلى تحقيق انتقال سياسي، أكّده المبعوث الأممي من خلال سلاله التفاوضية الأربع: الحكم، الدستور، الانتخابات ومكافحة الإرهاب.

وبات من الواضح وجود رؤيتين للحلّ السياسي في سورية. الرؤية الأولى تقودها روسيا وتدعو إلى إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم والبدء بإعادة الإعمار، ووضع دستور جديد غير بعيد عن دستور عام 2012 الذي وضعه النظام. كما تدعو هذه الرؤية إلى إعادة النظام إلى كامل الأراضي السورية، وخروج كل القوات الأجنبية باستثناء القوات الروسية، إذ تزعم موسكو أنها جاءت إلى سورية بناءً على طلب رسمي من حكومة النظام.

أمّا الرؤية الثانية، فتقودها الولايات المتحدة التي تدفع باتجاه مغاير، إذ تدعو إلى تحقيق انتقال سياسي وفق قرارات الشرعية الدولية، وتريد دستوراً جديداً يمهّد الطريق أمام خروج بشار الأسد من السلطة لتقليص النفوذ الروسي في سورية، وكذلك خروج المليشيات التابعة لإيران من الأراضي السورية.

وجاء رفض النظام الصريح لتشكيل لجنة دستورية تضع الأمم المتحدة جزءاً من أعضائها، بمثابة محاولة روسية لتعطيل المساعي الأميركية، ورفع لسقف التحدي السياسي من موسكو التي تحاول ضمّ الجانب التركي إلى صفها، في حين تسعى أنقرة للإمساك بالعصا الروسية الأميركية من الوسط في ظلّ تشعّب مصالحها مع الطرفين.

وفي هذا الإطار، أشار مصدر في المعارضة السورية في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ المشهد "لا يزال مشوشاً"، مضيفاً "من الواضح أنّ الروس لديهم مخطط لا يريدون تغييره في سورية، والغرب لا يريد لهذا المخطّط أن يترسّخ. تركيا لها هواجس، والولايات المتحدة لا تزال تستخدم الخطاب الناعم في التعاطي السياسي مع الملف السوري".

من جانبه، رأى رئيس الدائرة الإعلامية في "الائتلاف الوطني السوري"، أحمد رمضان، أنّ "النظام لم يغيّر من سياسته المعرقلة للعملية السياسية وهو ما بدا واضحاً في الزيارة التي قام بها المبعوث الأممي إلى دمشق الأربعاء الفائت". واعتبر رمضان في حديث مع "العربي الجديد" أنّ الجانب الروسي "لم يعطِ النظام ضوءاً أخضر للدخول في المفاوضات طالما لا تخدم المسار الذي خطه في أستانة وسوتشي"، مضيفاً "في المقابل هناك رفض غربي وعربي للرؤية الروسية التي تدعو إلى عودة اللاجئين والبدء بالإعمار قبل تحقيق الانتقال السياسي".

وأشار رمضان إلى أنّه "هناك قناعة لدى المجتمع الدولي بصعوبة عودة اللاجئين في ظلّ الوضع الكارثي في سورية وعمليات اعتقال العائدين ومصادرة الأملاك في العديد من المناطق السورية، ولا سيما مدينة حلب"، معرباً عن اعتقاده بأنّه "سيتم تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في شمال غربي سورية وفق اتفاق سوتشي المبرم بين الجانبين التركي والروسي"، مستدركاً بالقول "ولكن الروس لن يفعلوا شيئاً إزاء اختراقات قوات النظام لهذا الاتفاق وخصوصاً في المنطقة منزوعة السلاح الثقيل". واعتبر رمضان أنّ القصف المدفعي المتكرّر لقرى وبلدات في محافظة إدلب "رسائل واضحة من قبل النظام والإيرانيين"، معرباً عن قناعته "بعدم حدوث اختراق سياسي كبير خلال الفترة الحالية، لأن الروس لم يعطوا النظام الضوء الأخضر للانخراط بشكل جدي في العملية السياسية واستحقاقاتها وخصوصاً تشكيل اللجنة الدستورية". 

بدوره، رأى المحلّل السياسي المختص بالشأن الروسي، محمود الحمزة "أن الروس والأتراك مهتمون لأسباب تتعلق بمصالحهم بموضوع التهدئة وحلحلة الوضع في سورية بطريقة سياسية بعيدة عن العمل العسكري"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "روسيا تريد البدء بإعادة الإعمار، وتعويض خسائرها في سورية نتيجة التدخّل العسكري، لكن النظام وإيران، يريدان الاستمرار بالحرب بالرغم من أنها ستخلق مشكلة كبيرة بين روسيا وتركيا.

وتابع الحمزة بالقول "لن تستطيع كل هذه اللقاءات والقمم فعل شيء إلا بمشاركة أميركية فعّالة، وأعتقد أنّ رأي الأميركيين قد يكون موجوداً في القمة، وبالتالي أي قرار يتخذونه ستوافق عليه واشنطن، ولكن قد لا توافق عليه إيران والنظام. وأعرب الحمزة عن اعتقاده بأنّ "هناك خلافاً بين الأسد وبين روسيا حول اللجنة الدستورية"، مضيفاً "هذه الاجتماعات تمهّد لبلورة موقف دولي يتوافق مع قرارات مجلس الأمن في التغيير السياسي، لأنّ روسيا لا يمكنها الاستمرار بنفس أجندتها التي اتبعتها خلال سبع سنوات في تلميع صورة الأسد المجرم"، خاتماً بأنه "لا بدّ لروسيا إذا أرادت تحقيق مصالحها المشروعة في سورية والمنطقة، من تفهم مطالب الشعب السوري".

المساهمون