الحكومة العراقية بنسختها السادسة: 20 ملفاً ملحّاً

25 أكتوبر 2018
يضع عبد المهدي نفسه في خضم المصاعب(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

تواجه الحكومة العراقية الجديدة، بنسختها السادسة منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، ملفات لا يمكن معها إلا وصفها بأنها حكومة تحديات داخلية وخارجية، أمنية وسياسية واقتصادية، وحتى اجتماعية. ويمكن اعتبارها أيضاً بأنها الأولى التي تتشكل خارج إطار الانتخابات، بفعل عدم مشاركة رئيسها في هذه الانتخابات، كما لم يشارك معظم وزرائها المرشحين للحقائب الخدماتية فيها. وهو ما يترجم على أنه رسالة مفادها بأنها حكومة خدمات بالدرجة الأولى.

وعلى الرغم من الدعم المعلن ظاهرياً من قبل كتل سياسية عدة، إضافة إلى مرجعية النجف لرئيس الوزراء الجديد، عادل عبد المهدي، إلا أن مراقبين وسياسيين مقرّبين من عبد المهدي يتخوّفون من الأخير ومدى قدرة حكومته على الاستمرار وإنجاز ملفات ضخمة ومهمة تنتظرها البلاد منه، واضعين سيناريو الاستقالة كأحد التوقعات المحتملة بقوة في حال وجد عبد المهدي نفسه أقرب للفشل في المهمة.

وتعتبر حكومة عبد المهدي الأكثر تخصصاً، مقارنة بالحكومات السابقة، غير أنها الأضعف في مواجهة القوى السياسية التي تورّط أغلبها بملفات فساد ضخمة وباتت تملك نفوذاً واضحاً وقوياً داخل المؤسسات، خصوصاً وزارات الدفاع والداخلية والنفط والمالية والتجارة، إضافة إلى وجود كيان مواز للقوات النظامية، وهي مليشيات "الحشد الشعبي"، التي تعتبر إيران محركاً رئيسياً لها عقائدياً وعسكرياً.

ووفقاً لمسؤول رفيع في الأمانة العامة لمجلس الوزراء في بغداد فإن "البرنامج الحكومي الذي كتبه عبد المهدي تم عرضه على الكتل السياسية، وجرى التوافق عليه ويمكن وصفه ببرنامج لترميم وإصلاح خلل واضح في مستويات الدولة كافة". وأشار إلى أن "مسألة تفعيل القانون وبعض بنود الدستور المعطلة ومعالجة الفساد المالي والإداري وإعادة الإعمار وإنهاء ملف الكهرباء والماء، أمور مطلوبة من عبد المهدي حالياً". وأكد المسؤول في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة الجديدة تحظى بدعم كبير من النجف، وهو ما لم تحظ به أي حكومة سابقة". وحول قرب الحكومة أو بعدها من المحورين الأميركي والإيراني المتصارعين في العراق، قال إن "الحكومة الجديدة ستبقى داخل منطقة رمادية".

وتندّراً يطلق العراقيون على حكومة عبد المهدي "اليُسر الثالثة"، في إشارة إلى كنية نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق وهي "أبو إسراء"، وحيدر العبادي من بعده وكنيته "أبو يسر" وأخيراً حكومة عبد المهدي والذي يكنى بـ"أبي أيسر". ويقول مسؤولون إن "الحكومة الجديدة تواجه 20 ملفاً رئيسياً ضخماً وحساساً، عليها أن تنجزها أو تحقق تقدماً فيها على أقل تقدير خلال السنوات الأربع المقبلة".



ومن بين تلك الملفات العشرين، إعادة إعمار المدن المحررة في الشمال والغرب والوسط، وعددها 48 مدينة وبكلفة تبلغ نحو 88 مليار دولار، وتوفير خدمات الماء والكهرباء والبنى التحتية في الطرق والجسور على مستوى البلاد وتحديداً في الجنوب، ومعالجة أزمة المياه وشحّ نهري دجلة والفرات عقب قطع إيران وتركيا أكثر من 61 رافداً عن النهرين وبناء عدد من السدود، وملف الوجود الأجنبي في العراق إذ توجد 13 قوة دولية في البلاد، أبرزها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا وألمانيا وإيطاليا وإيران وتركيا ودول أخرى ضمن عنوان التحالف الدولي للحرب على الإرهاب، الذي تشكّل في الربع الأخير من عام 2014. ومن الملفات أيضاً، تنظيم العلاقة بين بغداد وأربيل وإنهاء ملف المناطق المتنازع عليها بين الجانبين، بما فيها كركوك، وكذلك ملف النفط والغاز، وملف القضاء على بقايا وخلايا تنظيم "داعش"، وملف معالجة أكثر من 120 ألف عنصر مليشيا منتسبين لـ69 فصيلاً مسلحاً معظمها يدين بالولاء لإيران. وأيضاً هناك ملف إعادة جميع النازحين إلى مدنهم، والبالغ عددهم حالياً قرابة ثلاثة ملايين نسمة، وملف سحب المليشيات من المدن المحررة كجرف الصخر ويثرب والعويسات ومدن أخرى ترفض المليشيات الانسحاب منها لغاية الآن، وملفات في حقوق الإنسان مثل السجون المكتظة بالمعتقلين من دون تهم، وحسم وضع المقابر الجماعية، وحسم مصير عائلات "داعش" البالغ عددهم نحو 100 ألف نسمة، ويقيمون في مخيمات داخل الصحراء منذ سنوات عدة. كما يهيمن ملف البطالة والفقر المتصاعد في البلاد، وملف قوات العشائر في غرب البلاد وشماله، وملف النزاهة وتفعيل الحرب على الفساد، وملف المصالحة الوطنية وتفعيل القانون رقم 200 حول تجريم خطاب الكراهية والعنصرية والطائفية وما يتصل بها، وملف إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والعسكرية على وجه الخصوص بحسب النسب السكانية لكل مكون، عدا عن ملف دعم الجيش وجهاز الشرطة بعد خروجهما من معركة طاحنة استمرت لنحو أربع سنوات تسببت في إنهاكهما بشكل كبير.

خارجياً، يتوقع من الحكومة الجديدة أن تكون محاصرة على غرار الحكومة السابقة بين الإرادتين الأميركية والإيرانية، إذ يمثل كل من الطرفين قوة ضاغطة على العراق، لا سيما إيران التي تمتلك أوراق نفوذ واسعة ومؤثرة بقوة في العملية السياسية وفي الاقتصاد.

بدوره، أوضح عضو الحزب الشيوعي حسام السماوي لـ"العربي الجديد"، بأن "الحكومة الجديدة ستكون متنوعة وأغلب وزرائها غير معروفين على المستوى السياسي كخط أول أو حتى ثان، للمرة الأولى من 2003، وهذا مهم وإيجابي"، لكنه أبدى خشيته أن "تكون نقطة ضعف لهذه الحكومة أمام الأحزاب ومافيات الفساد الذين تمرّسوا على مؤسسات الدولة أكثر من الوزراء أنفسهم".

وتابع السماوي قائلاً إن "الوزراء يجب أن يحظوا بدعم من النجف أيضاً أسوة بعبد المهدي، كي يتمكنوا من تجاوز الضغوط عليهم خلال عملهم، ونقول ذلك لأننا نعلم أن الأحزاب تخاف من النجف أكثر من خوفها من الإيرانيين والأميركيين". واعتبر أن "تراجع اهتمام الشارع بمن هم الوزراء وأسماؤهم وسيرهم الذاتية، يعود إلى كونهم يرون الحكومة برئيسها التوافقي وتم اختياره لتنفيذ مهمة محددة، تتمثل في الإصلاح وامتصاص غضب الشارع الجنوبي من الفقر والبطالة وسوء الخدمات".

من جهته، قال الخبير السياسي، رياض حماد الطائي لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة الجديدة سيكون لها فرصة إصلاح، لكن لا يتوقع منها فتح ملفات كبيرة مثل الهيمنة الإيرانية أو الوجود الأميركي، لذا أعتقد أنها ستكون خدماتية بالدرجة الأولى لا سياسية". وتابع "من مصلحة الإيرانيين الآن أن يستقر العراق بعد أن باتت الرئاسات الثلاث حليفة لهم أو صديقة على أبعد تقدير، بدءاً من رئيس الجمهورية مروراً برئيس البرلمان وانتهاءً برئيس الحكومة"، معتبراً أن "الحكومة السادسة في العراق هي حكومة الفرصة الأخيرة للإسلاميين".