مناظرة الرئاسة الأميركية: أداء بايدن كارثي وبضاعة ترامب مزيفة

28 يونيو 2024
بايدن وترامب خلال المناظرة، 27 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في مناظرة حاسمة، تفوق دونالد ترامب على جو بايدن بشكل واضح، مما أدى إلى تراجع شعبية بايدن من 38% إلى 33% وفقًا لاستطلاع سي أن أن، بينما حصل ترامب على تأييد 67% من المشاهدين، مما يشير إلى تغيير محتمل في توجهات الناخبين.
- الهبوط في شعبية بايدن أثار قلق الحزب الديمقراطي، مع دعوات لاستبداله بمرشح آخر، مما يعكس شكوكًا في قدرته على الفوز ويضعف من جاذبية الحزب للناخبين المستقلين والمعتدلين، مما قد يصب في مصلحة ترامب.
- على الرغم من التحديات الذهنية والصحية المشتركة بين ترامب وبايدن، فإن الأداء الضعيف لبايدن يعزز الدعوات داخل الحزب الديمقراطي للبحث عن بديل قادر على مواجهة ترامب بفعالية أكبر في الانتخابات المقبلة.

بحسابات الربح والخسارة والأرقام، فاز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بأريحية على الرئيس جو بايدن في مناظرة الخميس، لكن في الأداء فقط. في المضمون، تراوحت مساجلاته بين نشر الغسيل والتلفيق، لكن مع ذلك، بدا وضعه أفضل مقارنة بالرئيس بايدن الذي كان كارثياً في أدائه، وبائساً في تقديم جردة لرئاسته، كما في عرض أجندته لولايته الثانية. دخل القاعة برصيد 38%، وخرج بخمس نقاط أقل إلى 33%، حسب استطلاع أولي أجرته شبكة سي أن أن، التي أدارت المناظرة، في صفوف عيّنات من الذين شاهدوها، والذين أعطوا ترامب 67%، في وقت ظهر أن 14% يعيدون النظر في خياراتهم.

بايدن الذي قفز رصيده إلى 60% بعد المناظرة الأولى مع ترامب في انتخابات 2020، شكّل هبوطه هذه المرة، وبهذه الحدّة، خيبةً كبيرةً لحزبه الديمقراطي وأنصاره، بل تردد أنه أثار الرعب في صفوفهم، وإلى الحدّ الذي حمل بعض قياداتهم إلى الدعوة لاستبداله بمرشح آخر، وهي ردة فعل لا سابق لها. كانت هناك خشية لدى أوساطه من أن يتعثر في هذه المنازلة، لكن لم يكن في حسبان أحد أن يكشف عن ضعف بهذه الدرجة، وكأنه كان خارج اللحظة ومستلزماتها. وزاد من الذهول أنه قضى معظم الأسبوع في عزلة مع فريق المدربين في منتجع كامب ديفيد للتحضير للمناسبة، ليأتي شبه منهار في ساعة الاختبار. انكشاف كان له وقع الصدمة على فريقه ومؤيديه، الذين أعربوا عن الاعتقاد بأن الحزب الآن في "مأزق انتخابي". انفضاح وضعه بهذا الشكل يضع كل العراقيل في طريق حملته الانتخابية لاستقطاب المستقلين والمعتدلين، الذين لا يتمكن أي مرشح من العبور إلى البيت الأبيض من غير الحصول على الكتلة الوازنة منهم. وخوف ماكينته الانتخابية من أن يقاطع معظمهم الانتخابات، بما يصب في مصلحة ترامب، وقد صدرت إشارات كثيرة من هذا النوع في الاستبيانات التي توالت بعد انتهاء المناظرة.

المناظرة بين مرشحَي الرئاسة امتحان في الأداء والقيادة. وهذه لها شروطها ومواصفاتها. من الأساس كان الاعتقاد السائد أن تقدم بايدن في السن، لا يتفق مع هذه الشروط. اختلقوا روايات كثيرة حول ضعفه وقصوره الذهني والصحي. لكن في الواقع لم يظهر ما يبرر هذه المزاعم. تلعثم بعض المرات وخلط بين الأسماء أو الوقائع أو التواريخ. وتكرر مثل ذلك الليلة، حيث تأتأ أكثر من مرة، والتبست عليه الأمور خلال سرده لبعض الوقائع، لكنها بقيت في الحدود المقبولة. والرئيس ترامب ليس غريباً عنها، إذ سبق له أن ارتكب مثل هذه الهفوات. فارق العمر بين بايدن وترامب أربع سنوات فقط، وبالتالي فإن ما قد يكون اليوم بمثابة العطب في وضع بايدن، فهو أيضاً مشروع عطب قريب في وضع ترامب الذي يدخل الثمانين بعد سنتين.

بايدن بدا في بعض الوصلات وكأن الأمور قد اختلطت عليه، وفاته توظيفُ أوراقه القوية ضد ترامب، حيث مرّ عليها مرور الكرام وبصوت خافت يعكس شيئاً من فقدان الحيوية، وهذا ما أنعش الشكوك وأعطى للجمهوريين ممسكاً ملموساً على "فقر أهليته" التي لطالما سلّطوا الأضواء عليها، وبالتالي أعطى دفعة زخم لتعويم ترامب باتجاه الـ 50%، إذا تفاقم وضع بايدن بعد كارثة الليلة. وقد يتدهور وضعه أكثر لو أصر قسم من الديمقراطيين على انسحابه والمجيء بمرشح آخر، مع أنها قد تكون مقامرة في هذه الوقت من الحملة الانتخابية. وفي كل حال، ليس لدى الحزب الديمقراطي قيادي من العيار الرئاسي، جاهز للنزول في هذه اللحظة إلى حلبة انتخابات مفصلية، وربما مصيرية لعقود لاحقة. الخطأ الأصلي كان في قرار بايدن الترشح، والذي اعترضت عليه في حينه قيادات من الديمقراطي، لكن بخجل يُدفع الآن ثمنه.

الخطأ في المناظرة لا تشفع فيه الخبرة. خبرة نيكسون لم تساعده على التفوق على جون كينيدي في أول مناظرة في الانتخابات الأميركية سنة 1960. خطأ كبير واحد في مثل هذه المناسبة، يقضي على المرشح كما حصل مع المرشح الديمقراطي مايكل دوكاكس مقابل جورج بوش الأب في 1988. من حظ بايدن أن على كتفي خصمه جعبة مليئة باللطخات القضائية وبتجربة رئاسية انتهت باجتياح مبنى الكونغرس. وبكل حال لم يسبق أن نجح رئيس أميركي في العودة إلى البيت الأبيض بعد أربع سنوات من نهاية ولايته الأولى، إلا غروفر كليفلاند الذي فاز بالرئاسة في 1884، ثم عاد إليها في 1892. فهل يكررها ترامب بمساعدة غير مباشرة من بايدن؟ قد يكون من المبكر التكهن، رغم أن كارثة اليوم قد تؤدي إلى مثل هذا التكرار، لو استمرت مفاعيلها تجرجر.