أولويات رئيس الحكومة اليمنية الجديدة: الأزمة الاقتصادية والحرب

21 أكتوبر 2018
الوضع الاقتصادي أولوية في البلاد (أحمد الباشا/فرانس برس)
+ الخط -


يقف رئيس الحكومة اليمنية الجديد، معين عبد الملك، أمام جملة تحديات شائكة على قدر كبيرٍ من التعقيد، ابتداءً من الملف الاقتصادي، الذي يقف على رأس الأولويات والمهام الطارئة، ويمثل تحدياً وجودياً يترتب عليه إنقاذ البلاد من شبح المجاعة الذي يهدد الملايين بصورة غير مسبوقة، وصولاً إلى ملف الحرب والسلام، الذي لا يشكل تحدياً يمنياً فحسب، بقدر تحوّله ملفاً إقليمياً تتداخل فيه حسابات الإقليم والإرادات الدولية بانقسام وتناحر الأطراف المحلية.

وتتداول الأوساط السياسية اليمنية، معلومات عن تحضير لجملة جديدة من القرارات والتعيينات، التي ستشمل أعضاء في الحكومة، بعد تضمّن القرار الصادر عن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، بإقالة أحمد عبيد بن دغر، يوم الاثنين الماضي، الإبقاء على تشكيلة حكومته لتعمل تحت قيادة رئيس الوزراء الجديد عبد الملك، إلا أن مصادر قريبة من الحكومة أفادت لـ"العربي الجديد"، بأن "مشاورات في إطار الشرعية تجري بشأن المقترحات الخاصة بإجراء تعديل وزاري، بين من يدعم فكرة إنشاء حكومة مصغرة تتناسب وتحديات المرحلة بما فيها تقليص النفقات، وبين من يطرح إجراء تعيينات بالتشاور مع رئيس الوزراء الجديد وبما يتفق مع رغبات الأطراف المؤثرة، من القوى المؤيدة للشرعية إلى التحالف".

وتتعزز الأنباء التي تتحدث عن التعديل الحكومي المرتقب، بوجود العديد من الفراغات المرسومة حول قرار إقالة بن دغر، الأسبوع الماضي، عقب إعلان ما يُعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، المدعوم من الإمارات، عن إلغاء فعاليته التصعيدية التي كان من المقرر إقامتها في 14 أكتوبر/تشرين الأول الحالي في عدن، إذ تذهب التسريبات في الصدد، إلى وجود التزامات غير معلنة من قيادة الشرعية، جرى التنسيق لها، مع التحالف السعودي والإماراتي، من شأنها تعيين محسوبين على المجلس في مناصب وزارية أو على مستوى المحافظين في المحافظات الجنوبية وإجراء تغييرات قد تشمل إزاحة الوزراء المعروفين بمعارضتهم للممارسات الإماراتية في الجنوب.

وعلى الرغم من مرور أيام، على الإطاحة برئيس الحكومة، لا يزال الغموض يلف تفاصيل التغييرات المرتقبة، إذ ترتفع الأصوات المنادية بضرورة أن تكون الخطوة المقبلة، هي تشكيل حكومة مصغرة، من 10 إلى 15 وزيراً وإلغاء العدد غير القليل من التعيينات الحكومية التي جرت العامين الأخيرين على الأقل، ومثّلت عبئاً إضافياً على موازنة الحكومة (تعيينات الوكلاء ومساعديهم في الوزارات والمؤسسات المختلفة). في المقابل، تبقى الخطوة، تحدياً يفتح على الشرعية أزمة مع عدد غير قليل، ممن جرى تعيينهم في مواقع مختلفة، أغلبهم يقيمون خارج البلاد.

وبصرف النظر، عن طبيعة أي تعيينات مرتقبة وحدودها، فإن رئيس الحكومة الذي أدى القسم الدستوري يوم الخميس الماضي، أمام هادي، يقف أمام تحديات طارئة، تضعه على المحك، وفي المقدمة منها، الأزمة الاقتصادية في ظلّ وصول البلاد إلى مستويات غير مسبوقة على شفا الانهيار التام، وتهديد الملايين بمرحلة مجاعة أكثر رعباً، نتيجة لانهيار أسعار العملة المحلية، الريال اليمني، أمام العملات الأجنبية، وما تبعها من ارتفاع في اسعار السلع والمواد الغذائية إلى ما يزيد عن الضعف بالمقارنة بما كان عليه الوضع قبل أربع سنوات، فضلاً عن موجة الخسائر التي تلحق بما تبقى من اقتصاد البلاد المنهار في الأصل، نتيجة الحرب.



ومع تحوّله على رأس التحديات الطارئة حسبما أوضح عبد الملك في تصريحات صحافية، يوم الخميس الماضي، من المتوقع أن يمثل الملف الاقتصادي المؤشر الأهم في أي تحرك حكومي عقب التغيير الجديد، خصوصاً أن الأزمة ليست مرتبطة بقرار يتخذه رئيس الحكومة، بقدر ارتباطها بقدرته على فرض قراراته وسلطات مؤسساته في المحافظات التي يُطلق عليها "المحررة" من جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وأبرزها مدينة عدن (العاصمة المؤقتة بوصف الشرعية)، ومحيطها، في ظل سيطرة الإمارات وحلفائها وتحكمهم بالوضع إلى حد كبيرٍ، في مقابل ضعف سلطة الشرعية وعدم قدرتها حتى على تأمين موطئ قدم لبقائها بصورة مستمرة على الأقل.

ومثلما أن مدى نجاح الحكومة في فرض تغييرات إيجابية مرتبط بتعاون التحالف السعودي والإماراتي والمليشيات المحلية التي يدعمها في الجنوب والشرق، فإن الملف الاقتصادي مرتبط أيضاً بالتدخل المباشر للرياض على الأقل، بدعم موازنة البنك المركزي اليمني وتمكين الحكومة من إعادة تصدير النفط والغاز والإشراف على مختلف الموانئ البحرية والبرية والجوية، وسيكون كل ذلك، هو الاختبار الأول لجدية التحالف.

من جانب آخر، يأتي ملف الحرب وجهود السلام، كثاني أهم الملفات أمام رئيس الحكومة الجديد، إذ تتواصل المواجهات الميدانية على عدد من الجبهات الممتدة من محافظتي البيضاء ومأرب وأطراف صنعاء وأجزاء من الجوف مروراً بالشريط الحدودي لمحافظتي صعدة وحجة وصولاً إلى الحديدة وتعز، وغيرها من الجبهات، التي تسقط الدماء اليمنية بصورة شبه يومية، بالمواجهات بين قوات الشرعية ومسلحي جماعة الحوثيين، وبينما تتفاقم الكارثة الإنسانية والخسائر المباشرة وغير المباشرة على المدنيين.

ويمثل ملف التصعيد في الحديدة، الأولوية في أي تصعيد عسكري مُقبل ومثله جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن، مارتن غريفيث، بوصف المحافظة الشريان، الذي تصل عبره أغلب الواردات والمساعدات إلى البلاد، ومن شأن مواصلة التصعيد فيها أو عدمها، أن ينعكسا بصورة مباشرة، على موازين السيطرة العسكرية وعلى الأزمة الإنسانية، وصولاً إلى جهود السلام. ويسود الغموض بشأن مستقبل العمليات العسكرية في الحديدة، في ظل الأزمة التي تعيشها الرياض، كما أن جهود غريفيث لعقد جولة مفاوضات جديدة، لا تزال في النقطة الأولى حول "خطوات بناء الثقة"، وسط حالة من الإحباط التي سادت عقب تعثر انعقاد مشاورات جنيف في سبتمبر/أيلول الماضي.

الجدير بالذكر، أن التحدي الأبرز الذي يقف أمام الحكومة اليمنية مع تعيين معين عبد الملك رئيساً جديداً للوزراء، نجاحه بالعودة مع أعضاء حكومته إلى مدينة عدن والاستقرار، بما من شأنه أن يساعد على تقديمها كسلطة قادرة على فرض قراراتها، وليس مجرد واجهة مسلوبة القرار لصالح التحالف السعودي ـ الإماراتي والتشكيلات العسكرية والأمنية والكيانات المحلية التي يدعمها، وسعى رئيس الوزراء السابق، أحمد بن دغر، إلى الاستقرار في عدن أكبر قدر ممكن في فترة حكومته، إلا أنه دخل بصدام مباشر مع حلفاء أبو ظبي في الأشهر الأخيرة. وتبقى الأيام والأسابيع المقبلة، كفيلة بكشف جدية التغييرات على صعيد الشرعية أو عدمها.