تأسس "الحزب الإسلامي التركستاني" في الصين في العام 1997 على يد حسن معصوم، الذي تمكن من تجنيد آلاف المسلمين الصينيين "الأويغور" للقتال في سبيل استقلال تركستان (إقليم شينغ يانغ) عن الصين، قبل أن يتوجه مقاتلو الحزب إلى أفغانستان ليقاتلوا إلى جانب تنظيم "القاعدة"، ومن ثم حركة "طالبان". وقد قتل معصوم في مايو/أيار العام 2002 جراء غارة أميركية في أفغانستان، ليتولى من بعده عبد الحق التركستاني زعامة المجموعة، ولا يزال على رأسها حتى الآن. أما انتقال عناصر الحزب إلى سورية، فقد بدأ بشكل فردي بعد نهاية العام الأول للثورة السورية، حين بدأت تتحول إلى السلاح، وبدأت سورية تستقطب "الجهاديين" من أنحاء مختلفة من العالم. واستقرت المجموعات الأولى من المقاتلين التركستان في ريف اللاذقية إلى جانب مقاتلين أوزبك وشيشانيين، قبل أن يتحولوا لاحقاً إلى الداخل السوري، وبالتحديد إلى مدينة سراقب في ريف إدلب، وبعض مناطق ريف حماة. وفي يونيو/حزيران العام 2014، أعلنت قيادة الحزب، بشكل رسمي، ولادة فرع لها في سورية، حمل اسم "الحزب الإسلامي التركستاني لنصرة بلاد الشام"، قبل أن يستقر على تسمية "الحزب التركستاني في بلاد الشام". وبرز دور المقاتلين التركستان بشكل رئيسي في معركة جسر الشغور بعد نحو شهر من سقوط مدينة إدلب، حيث تولوا عمليات الاقتحام الأولى للمدينة، وبعدها اقتحموا أريحا، وتمكنوا من السيطرة على مطار أبو الضهور العسكري. كما برزوا كقادة للعمليات لخبرتهم في القتال والاقتحام، وشجاعتهم في المعارك.
وما ساعد الحزب التركستاني على الظهور أكثر على الساحة، هو تراجع حضور المقاتلين الشيشانيين والقوقاز، بعد أن كان هؤلاء يتصدرون الهجمات حتى العام 2014، وسط معلومات عن انضمام كثيرين منهم إلى تنظيم "داعش"، وانتقالهم إلى مناطق سيطرته. ومنذ بدء دخولهم إلى سورية، حضر معظم المقاتلين "الأويغور" برفقة عائلاتهم، نظراً إلى الرحلة الشاقة التي يقطعونها من تركستان الشرقيّة إلى سورية والتي قد تستغرق شهوراً، وتمرّ بمحطّات كثيرة وهي الصين، وتايلاند، والهند، والفيليبين، ولاوس، وتركيا وصولاً إلى سورية. ولا تتوافر معلومات دقيقة حول عدد العائلات التركستانيّة في سورية اليوم، لكن مصادر عدة تقدر العدد بين ألف و1500 عائلة، بينما يقدر عدد المقاتلين بما بين 2000 و3000 عنصر، بعد أن قتل منهم المئات خلال المعارك ضد قوات النظام. وكان سفير النظام السوري لدى الصين عماد مصطفى قال، العام الماضي، "إن ما يصل إلى خمسة آلاف من الأويغور يقاتلون في صفوف جماعات متشددة مختلفة في سورية"، بحسب قوله. ورغم قربهم العقائدي من "هيئة تحرير الشام"، التي تمثل "جبهة النصرة" عمودها الفقري، وخوضهم معارك مشتركة عديدة ضد قوات النظام السوري، إلا أن المقاتلين التركستان حرصوا على تمييز أنفسهم طوال السنوات الماضية، وعدم الانخراط في أية معارك "هامشية" لا تتصل بمقاتلة النظام السوري وداعميه من المليشيات الإيرانية، ورفضوا حتى المشاركة في قتال تنظيم "داعش" إلى جانب "تحرير الشام"، متخذين من ريف إدلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي ملاذاً لهم. وكان "الحزب التركستاني" وجّه تهديدات إلى الصين، ضمن عروض عسكرية لقواته على الأراضي السورية العام الماضي، وفي جسر الشغور تحديداً.
ويملك "الحزب التركستاني" معسكرات مشتركة مع الكتائب الأوزبكية والقوقازية في مناطق جبلية لتدريب أطفالهم، الذين تجاوزوا الثانية عشرة من العمر، على حمل السلاح ومهارات القتال. كما تشارك نساء الأويغور في معسكرات خاصة، يتدربن فيها على حمل السلاح. ولم يسجل الناشطون أي حالة زواج من جانب التركستان من الفتيات السوريات، في الأماكن التي يقيمون فيها. كما لا يوجد لهم محاكم خاصة، وليس لديهم حواجز أو كتائب أمنية، ولم يعرف عنهم أبداً تنفيذ عمليات اغتيال أو اعتقال. وتعيش غالبية عائلات التركستان في القرى المهجورة بريف اللاذقية، التي أخليت من سكانها، سواء بسبب قصف النظام الذي واظب على تدمير المناطق التي تخرج عن سيطرته، أم بسبب الشحن الطائفي الذي دفع سكان القرى المسيحية والعلوية إلى الفرار.
وفقد التركستان خلال الأعوام الثلاثة الماضية نحو 1500 قتيل، دفنوا في مقابر خاصة بهم، إحداها تضم رفات أكثر من 250 قتيلاً سقطوا خلال معارك مدينة جسر الشغور في العام 2015. ويرفع حزبهم "علم الشهادة الجهادي" مع اسم الجماعة باللغة العربية أسفل الشهادة. ويتكلم المسلمون الأويغور اللغة التركية ويستخدمون الأحرف العربية. والمعروف أن التركستان، هم من أصول تركية، حيث يعيش في تركيا اليوم نحو 20 ألفاً من اللاجئين الأويغور. وتم، بحسب بعض المصادر، استقطاب البعض منهم إلى صفوف الحزب في سورية، إذ تتهم الصين والنظام السوري الاستخبارات التركية بأنها غضت النظر عن نشاطات الحزب في تركيا في تلك الفترة، على اعتبار أن لهؤلاء أصولا تركية، في مرحلة كانت تركيا الرسمية تعتبر أنه يجوز تسهيل وصول أي طرف إلى الأراضي السورية في حال كان يرغب في مقاتلة النظام هناك، وهو الاتهام نفسه الذي يطاول تركيا لناحية تسهيلها وصول مقاتلي تنظيم "داعش" عبر حدودها. اتهام تنفيه السلطات التركية وتعتبر أنها لم تكن قادرة على ضبط كامل حدودها مع سورية (طولها أكثر من 800 كيلومتر) أو منع عبور قانوني لأشخاص إلى سورية، في حال لم تكن هناك إشارات قضائية صادرة بحقهم. غير أن مبايعة الحركة الأم للحزب، أي حركة التركستان الشرقية، لحركة "طالبان"، وتأسيسها علاقات وثيقة مع تنظيم "القاعدة"، دفعا بالأمم المتحدة والولايات المتحدة، وحتى تركيا، لضمها إلى قائمة الحركات الإرهابية.
اليوم، في ضوء تطورات إدلب واتفاق سوتشي، يبدو مصير مقاتلي "التركستاني" شائكاً وعقدة حقيقية، بين خيارات جميعها صعبة: هل تستقبلهم تركيا مثلاً بعد تسليم سلاحهم لها وتعيد تأهيلهم على أراضيها وتعطيهم لجوءاً سياسياً أم إنسانياً، على اعتبار أنه تستحيل عليهم العودة إلى الصين؟ أو تبرم أنقرة مع بكين اتفاقية تمنح بموجبها الصين لهؤلاء حق العودة مع عفو جماعي؟ أو يتم الاتفاق على ترحيلهم إلى مكان ثالث لا طريق إليه إلا عبر تركيا؟ صحيح أن عدد مقاتلي وعائلات "التركستاني" ليس بالكبير، غير أن هذا لا يجعل من تحديد مصيرهم أمراً سهلاً، في ضوء شبه استحالة ذوبانهم في المجتمع السوري المعروف تاريخياً بإسلامه المعتدل والمتسامح، وأيضاً بسبب النزعة الانعزالية لهؤلاء وتفضيلهم عدم الاختلاط بمجتمعات غريبة عن ثقافتهم وتقاليدهم ولغتهم. ويبقى الاحتمال الأخير هو الأكثر تعقيداً، إذا ما حسم محور النظام السوري وروسيا وإيران قراره بالحل العسكري في مناطق وجود هؤلاء الذين سيكونون أمام سيناريوهات انتحارية يسمونها استشهادية ويعرفون بأنهم أشدّاء فيها، وهو ما يخشى أن تقع كلفته الكارثية على المدنيين السوريين وما تبقى من حجرهم ومن بشرهم في الشمال السوري وغربه.