السيسي يجمّد مشروع تمديد الولاية الرئاسية بعد الإنذار الأميركي

26 اغسطس 2017
رسالة الضغط الأميركية على السيسي تحقق أهدافها(بريندان سميالوفسكي/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن الرسالة الأميركية من وراء قرار العدول عن تقديم مساعدات لمصر، قد بدأت تحقق أهدافها، وجعلت القيادة المصرية تعيد حساباتها وتفكر جدياً بوقف مشاريع وخطوات سياسية هدفها إحكام وإطالة أمد سيطرة عبدالفتاح السيسي على مقاليد السلطة في مصر. فقد كشف مصدر برلماني بارز عن وجود اتجاه فعلي داخل مجلس النواب المصري لإرجاء طرح طلب تعديل الدستور، الخاص بزيادة مدة الولاية الرئاسية من أربع إلى ست سنوات، إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر منتصف العام المقبل، في ظل ما يمارس من ضغوط خارجية على السلطة المصرية الحاكمة.

وأفاد المصدر، في حديث لـ"العربي الجديد"، بأن ضيق الوقت يعد العقبة الرئيسية أمام خطوة تعديل الدستور الذي وضع مواعيد إلزامية ببدء إجراءات الانتخابات الرئاسية قبل موعدها بأربعة أشهر. ولفت إلى أن العائق الآخر يتمثل في الوقت الذي ستستغرقه دراسة ومناقشة مشروع التعديل في مجلس النواب ثم إجراء الاستفتاء الشعبي، وهي مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ونصف الشهر، وذلك اعتباراً من يوم التقدم بطلب التعديل من خمس عدد أعضاء البرلمان، وهو أمر لن يحصل فوراً. وفي هذا الصدد، أوضح المصدر أنه لا بديل عن التقدم بطلب التعديل قبل انقضاء شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، الذي سيشهد عودة البرلمان للانعقاد في الأسبوع الأول منه، وفقاً للمواعيد الدستورية، فضلاً عن عدم حسم الخلاف الدائر حول مدى إمكانية طرح المادة (226) مع حزمة التعديلات، أم طرحها في استفتاء منفرد، بحسب ما يرى خبراء في القانون الدستوري. وحظرت هذه المادة الدستورية، في فقرتها الأخيرة، تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات، في حين تكثف الأذرع الإعلامية للنظام من حملاتها للترويج إلى تمديد ولاية السيسي لعامين إضافيين، وترحيل الانتخابات الرئاسية إلى العام 2020، بعد إجراء استفتاء شعبي على التعديل الدستوري.


وأعلن قائد السيسي السابق في رئاسة الاستخبارات الحربية، رئيس لجنة الأمن القومي بالبرلمان، كمال عامر، رفض عدد من النواب لاقتراح تعديل الدستور، لعدم التأثير سلباً على صورة مصر أمام العالم في المرحلة الحالية، خاصةً أن الدستور القائم لم يمر عليه سوى ثلاث سنوات، وأنه من الأوْلى التركيز، شعبياً، ونيابياً، على دعم فوز السيسي بالولاية الثانية.

في السياق ذاته، عزا مصدر نيابي آخر خطوة التراجع عن التعديل إلى الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على مصر، وقرارها الأخير بحرمان مصر من مساعدات اقتصادية وعسكرية تصل إلى 290 مليون دولار، على خلفية التراجع الكبير الذي تشهده القاهرة في مجال حقوق الإنسان، بما يعد إنذاراً أول من الإدارة الأميركية للسيسي. وإصرار الأخير على إصدار قانون الجمعيات الأهلية، المُعد بواسطة دائرته الاستخباراتية، والذي مرره مجلس النواب نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، جعله في مرمى النيران الأميركية، لما تضمنه من نصوص تُقيد أنشطة وتمويل منظمات المجتمع الأهلي، التي انتفضت رفضاً للقانون، وسط إدانات دولية واسعة النطاق. وقال المصدر لـ"العربي الجديد"، إن النظام أخطأ في تقدير تداعيات تمرير قانون الجمعيات، وكان على السيسي استخدام حقه الدستوري في الاعتراض عليه، وإعادته إلى البرلمان لمناقشته مجدداً، لا سيما أنه صدّق عليه عقب ستة أشهر كاملة من إقراره، إذ كان يمكن استغلال تلك الفترة في إدخال تعديلات تُخفف من حدة القيود الواردة في نصوصه.

وبحسب المصدر، فإن تعديل الدستور، من دون تفعيل عدد كبير من نصوصه، يعطي رسالة سلبية إلى الرأي العام في الخارج بشأن نوايا النظام الحاكم، ويُعيد فتح الحديث عما إذا كانت الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، ثورة شعبية أم انقلاباً عسكرياً، بما يضيّع من جهود الدبلوماسية المصرية طيلة الأعوام الأربعة الماضية.

في المقابل، رأى رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان المصري، علاء عابد، أن مصر يجب ألا ترضخ لضغوط أميركا الاقتصادية، وأن تمضي قدماً في خطوة تعديل الدستور، وتمديد ولاية السيسي، بدعوى أن مدة الأربع سنوات غير كافية لاستكمال المشاريع التي بدأها الرئيس الحالي، حسب تعبيره. وقال عابد في تصريح خاص، إنه لا يجب استخدام ملف حقوق الإنسان كفزاعة لتخويف مصر، وتحقيق المصالح الأميركية في المنطقة، معتبراً أن بلاده اتخذت خطوات إيجابية في هذا الملف، مقارنةً بما تمر به من أوضاع أمنية صعبة، ومواجهات مستمرة مع الجماعات المسلحة في سيناء. وتابع عابد، وهو ضابط شرطة سابق تورط في قضايا تعذيب، أن الزيارات الميدانية التي نظمتها لجنته النيابية إلى عدد من السجون وأقسام الشرطة لم تثبت وقوع انتهاكات بحق المسجونين، قائلاً إن غضب الولايات المتحدة من قانون الجمعيات يأتي بهدف حماية رعاياها من المصريين، الذين تستفيد منهم معلوماتياً بواسطة تلك الجمعيات.

وكانت مصادر نيابية كشفت لـ"العربي الجديد"، أخيراً، عن مفاجأة بقولها إن أوساطاً برلمانية أبلغت جهات عليا في الدولة، فور عودة هذه الأوساط من واشنطن، بشأن الرسائل الأميركية. وأضافت المصادر أن المسؤولين بدوا مطمئنين، انطلاقاً من اعتقادهم بأن "هذه التحركات ليس لها قيمة، وأن السيسي نسّق مع الرئيس دونالد ترامب قبل إصدار قانون (الجمعيات الأهلية) وأن القاهرة تؤمّن مصالح أميركية لا يمكن لواشنطن المغامرة بها حالياً"، وفق المصادر.

وتعليقاً على هذه المستجدات، توقعت مصادر سياسية حزبية أن ينعكس القرار الأميركي على الوتيرة التي كانت تمضي بها خطوات إجراء التعديل الدستوري لإطالة فترة ولاية السيسي أو إلغاء الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في يونيو/ حزيران 2018. ورأت أنه على الرغم من أن هذا الموضوع لا يثير قلق الإدارة الأميركية، إلّا أن قرار وقف المساعدات سيضطر السيسي للتروي قبل اتخاذ خطوات سيتم وصفها في الإعلام العالمي كـ"مزيد من القيود على المجال العام".

ورجحت المصادر السياسية أيضاً أن يطيل السيسي فترة التحقيق والتجميد الإعلامي لقضية التمويل الأجنبي، وأن تبادر الحكومة قبل نهاية العام الحالي لإجراء تعديل – ولو كان صورياً – على قانون العمل الأهلي، لتخفيف القيود على عمل المنظمات الأجنبية.