انتعاش الصناعات العسكرية الإسرائيلية بفعل الأزمات الأوروبية

19 اغسطس 2017
تصدر إسرائيل طائرات مسيّرة إلى دول أوروبية(جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -
شكلت الأزمات والحوادث الأمنية، بما فيها التفجيرات الإرهابية المختلفة، في العواصم الأوروبية، سواء التي تبناها تنظيم "داعش"، أو منظمات وجماعات إرهابية أخرى، في العامين الأخيرين، بمثابة هدية سياسية لإسرائيل. فقد سارع رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في كل مرة يقع فيها هجوم إرهابي، لتوظيفه في خدمة سياسة الاحتلال في فلسطين، والحديث عن "القاسم المشترك" لـ"العالم الحر" والغربي، بمواجهة "الإرهاب الإسلامي الأصولي".

هكذا، كان يطل بعد كل اعتداء في أوروبا، مطلقاً خطاباً يهدف إلى تشويه مضمون عمليات المقاومة الفلسطينية للاحتلال، من خلال تصويرها بوصفها جزءاً لا يتجزأ من الاعتداءات التي وقعت على الأراضي الأوروبية. وكان نتنياهو يخاطب الغربيين قائلاً إن ما يصيب أوروبا هو ما سبق أن حصل في دولة الاحتلال، متعمّداً بالتالي الخلط بين اعتداءات إرهابية وعمليات المقاومة الفلسطينية.

بالإضافة إلى هذه الاستفادة السياسية، ثمّة معطيات رسمية في وزارة الأمن الإسرائيلية تظهر مدى ارتفاع الصادرات الإسرائيلية إلى أوروبا، في العامين الماضيين، مع التركيز على الصادرات الأمنية من الأسلحة المختلفة ومنظومات الحماية والحراسة المختلفة، بمعزل عن كل الخطوات والقرارات الأوروبية المتعلقة بمقاطعة ووسم منتجات المستوطنات في الأراضي المحتلة. ووفقاً لدراسة جديدة نشرها "مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي" أخيراً، والذي ساهم بإعداده الباحثان عيلاي روتيج، ويوتم روزنير، ازداد في الأعوام الأخيرة الطلب الأوروبي على وسائل قتالية مختلفة من صنع إسرائيلي، وذلك لمواجهة "التحديات الأمنية الخطيرة التي تواجهها القارة الأوروبية، خاصةً بعد موجات الهجرة ووقوع عمليات إرهابية مختلفة". وذكرت الدراسة أن هذا الارتفاع في الطلب الأوروبي مرشح للزيادة باستمرار، خصوصاً من قبل دول أوروبا الشرقية، وهو ما يلزم إسرائيل بانتهاج سياسة حذرة تجنباً للدخول في مواجهة دبلوماسية مباشرة مع روسيا التي تشكل العامل الرئيسي لتسليح الدول الأوروبية المذكورة.

وأكدت الدراسة أن الدول الأوروبية تحولت لتصبح الهدف الثاني، من حيث حجم التصدير الأمني والعسكري الإسرائيلي، بفعل تضاعف صفقات السلاح للدول الأوروبية، وارتفاع حجم الصفقات من 724 مليون دولار عام 2014 إلى 1.6 مليارات دولار عام 2015، وصولاً إلى 1.8 مليار دولار عام 2016. وهذه الأرقام تفوق حجم الصادرات الإسرائيلية لأميركا الشمالية (1.265 مليار دولار) والمبيعات لأميركا اللاتينية (550 مليون دولار)، وإنْ كان حجم هذه الصفقات لا يزال أقل من صفقات بيع الأسلحة الإسرائيلية لدول آسيا التي تبلغ اليوم 2.8 مليار دولار.

ولفتت الدراسة إلى أن سبب هذا الارتفاع في المبيعات الإسرائيلية يتمثل أيضاً في زيادة حجم المخصصات المالية في موازنات الدول الأوروبية نفسها لأغراض الأمن، والتي ارتفعت خلال العام الماضي بنحو 3 بالمائة. وجاءت هذه التغييرات في حجم الميزانيات الأوروبية نتيجةً لأزمة المهاجرين وتدفق اللاجئين على أوروبا من جهة، وتنفيذ عمليات إرهابية داخل العواصم الأوروبية من جهة ثانية. وصدّرت إسرائيل إلى هذه الدول، وسائل إلكترونية وتكنولوجية في مجال مواجهة تسلل اللاجئين للدول الأوروبية، ووسائل لـ"مكافحة الإرهاب"، فضلاً عن بيع خبرات في مجال حرب "السايبر"، والتي باتت أهم ما في جعبة إسرائيل في هذا المضمار.

والصفقات التي أبرمتها إسرائيل مع الدول الأوروبية تضمنت أيضاً تحسين وتطوير مقاتلات جوية وأنظمة دفاع جوي (نحو 20 بالمائة من مجمل الصفقات)، وذخيرة وأسلحة نارية (13 بالمائة) وشبكات رادار وإنذار مبكر (12 بالمائة) وشبكات ومنظومات استخباراتية وتجسس و"سايبر" (8 بالمائة) وطائرات مسيّرة (7 بالمائة). ومع أن التطورات الأمنية في القارة الأوروبية فتحت أمام إسرائيل أسواقا جديدة في أوروبا الشرقية، إلا أن الارتفاع الأكبر هو في صفقات السلاح التي أبرمت مع دول غرب أوروبا، إذ تحولت بعض الدول من مزودة للسلاح إلى دول مستوردة له. وهذا ما يحدث مثلاً في العلاقات مع ألمانيا التي باتت تبرم صفقات كبيرة مع إسرائيل على أثر البرودة في علاقاتها مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا.

ويبدو أنه سيكون للصناعات الإسرائيلية نصيب كبير من اتجاه أوروبا الغربية للاعتماد على نفسها (وفق تعبير المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل)، مع تلويح ألماني ربما بأنه آن الأوان لأن تتجه ألمانيا إلى تطوير قدرات ذرية لمواجهة روسيا وردعها. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، طالب الدول الأوروبية برفع نسبة ما تخصصه من الناتج القومي لأغراض الأمن بنسبة 2 بالمائة. ونتج عن ذلك انطلاق تعاون ألماني-فرنسي مع توقيع باريس وبرلين على تفاهم مشترك لتطوير مروحيات هجومية من نوع "Airbus Tiger" وصواريخ جو أرض والتزود بدبابات ومدفعية جديدة. كما درست الدولتان إمكانية التعاون في تطوير مقاتلة جوية جديدة تحل مكان مقاتلات "إف 35" الأميركية، وهو ما يوسع مستقبلاً من حصة إسرائيل لجهة مضاعفة التصدير الأمني لهذه الدول الرئيسية.

وزادت الأزمة الأوكرانية (عام 2014) من المخاوف الأمنية الأوروبية، وعززت ميل بعض الدول الأوروبية إلى اتباع سياسة تقضي بالاعتماد على نفسها أكثر في مجال حماية أمنها القومي، ناهيك عن صعود أحزاب اليمين القومية للحكم في بولندا وهنغاريا. فقد أعربت هذه الأحزاب عن رغبتها في تخفيف ارتباطها وتعلقها بالاتحاد الأوروبي لصالح تعزيز القوة العسكرية الذاتية لها. ويشكل هذا التحول فرصة لإسرائيل من أجل السعي لزيادة المبيعات العسكرية والأسلحة لهذه الدول في السنوات المقبلة أيضاً. وتهتم هذه الدول بشراء مختلف أنواع الأسلحة، سواء كانت أسلحة ثقيلة كالمدرعات والدبابات أو وسائل دفاعية، أو تقنيات لحرب "السايبر" والتجسس التكنولوجي الذي بات، بحسب معدي الدراسة الإسرائيلية، أحد أخطر الأسلحة الروسية التي تهدد الدول الأوروبية.

وذكرت الدراسة أن عمليات التسلح هذه جارية على قدم وساق في كل من رومانيا وبولندا وهنغاريا وفنلندا، وأن إسرائيل هي الدولة المستفيدة من هذه التطورات. فرومانيا لوحدها رصدت لعملية التسلح وبناء قوتها العسكرية لغاية الآن، أكثر من 14 مليار دولار. وأعلنت الحكومة الهنغارية أنها تعتزم هي الأخرى مضاعفة ميزانيتها العسكرية والأمنية حتى عام 2020. وأكدت الدراسة أنه مثلما وقعت شركة "ألفيت" الإسرائيلية على عقود ضخمة مع رومانيا، فمن المحتمل جداً أن تأخذ إسرائيل حصتها من الصفقات المستقبلية، خصوصاً أن حكومة نتنياهو تقيم علاقات جيدة مع حكومة هنغاريا، على الرغم من أن الحزب الحاكم هناك ينتمي إلى اليمين المتطرف. وهذا التفاؤل الإسرائيلي يعود أيضاً إلى النتائج التي حققتها زيارة نتنياهو لهنغاريا (المجر) الشهر الماضي.

المساهمون