نازيو أميركا... خروج عن السيطرة بفضل بيئة الإدارة الحاضنة

15 اغسطس 2017
تظاهرة ضد النازيين الجدد بمدينة تشارلوتسفيل يوم الأحد(تشيب صمودفيلا/Getty)
+ الخط -
تصدرت الأعلام النازية وشعار الصليب المعقوف، إلى جانب أعلام كونفدرالية الجنوب الانفصالية، الرايات التي رفعها آلاف الشبان الأميركيين، من البيض العنصريين والنازيين الجدد وأعضاء منظمة "كو كلوكس كلان" العنصرية، خلال التظاهرة في مدينة تشارلوتسفيل في ولاية فرجينيا، يوم السبت الماضي، احتجاجاً على قرار إزالة نصب للجنرال، روبرت لي، أحد أبرز دعاة انفصال ولايات الجنوب عن اتحاد الولايات الأميركية خلال الحرب الأهلية قبل نحو 200 عام.

قدم المتظاهرون من ولايات أوهايو وميشيغن وويسكنسن، وهي مناطق توصف بـ"حزام الصدأ" للدلالة على تدهور الوضع الاقتصادي فيها. وقبل ساعات من موعد التظاهرة المقررة قرب النصب، اجتاح المتظاهرون المدججون بالأسلحة المرخصة شوارع المدينة وحرم جامعة فرجينيا التاريخية، التي أسسها أحد رموز إعلان الاستقلال الأميركي، توماس جيفرسون. ونظموا مسيرة مشاعل في حرم الجامعة، أطلقوا خلالها شعارات معادية لليهود والمهاجرين، وهي شعارات اعتاد على تردادها أعضاء الحزب النازي في ألمانيا خلال خطابات زعيمهم أدولف هتلر.

نشطت ظاهرة النازيين الجدد والبيض العنصريين مع انتخاب الديمقراطي باراك أوباما، أول رئيس أميركي من أصول أفريقية. وتزامن وصوله إلى البيت الأبيض مع الأزمة الاقتصادية العالمية التي تسببت في كساد في الاقتصاد الأميركي وتفاقم أزمة البطالة وخسارة عشرات آلاف الأميركيين لوظائفهم بسبب إفلاس العديد من الشركات، وإغلاق عدد كبير من مصانع السيارات والمواد الصلبة أبوابها في ولايات "حزام الصدأ".

جايمس ألكس فيلدز، هو واحد من هؤلاء الشبان البيض المتطرفين عنصرياً، الذين تزايدت أعدادهم في ولايات "حزام الصدأ" وفي الولايات الأخرى ذات الأغلبية البيضاء. وقد انتمى فيلدز إلى مجموعة من العنصريين البيض الناشطة في ولاية أوهايو. وقال أحد أساتذته في الجامعة إنه كان يجاهر بمواقفه المؤيدة للرئيس دونالد ترامب وللنازية، والمعادية لليهود وإسرائيل. صحيح أن الحركة النازية ليست جديدة على الولايات المتحدة وكانت حاضرة بقوة في الحياة السياسية الأميركية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، قبل حظر نشاط الحزب النازي الأميركي خلال الحرب العالمية الثانية، ودخول أميركا الحرب إلى جانب الحلفاء، أي المحور المعادي لهتلر. لكن أعداد ما يعرف بالنازيين الجدد تزايدت بشكل لافت بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية. ووصول ترامب إلى البيت الأبيض وصف بالانتصار التاريخي للعنصريين البيض وللنازيين الجدد، الذين يشكلون معاً ما يعرف بحركة "اليمين البديل" (Ulter right) ويعتبر مستشار ترامب الاستراتيجي، ستيف بانون، وكاتب خطاباته، ستيفن ميلر، من أبرز رموزها.


ويعتبر رئيس "معهد السياسة القومية" المتعصب للعرق الأبيض، ريتشارد سبنسر، الذي صعد نجمه خلال الحملة الانتخابية لترامب، أحد أبرز رموز حركة النازيين الجدد. ومن إنجازات سبنسر أنه نجح مطلع هذا العام في تنظيم مؤتمر للنازيين الجدد في العاصمة واشنطن، شارك فيه المئات من أنصاره. واعتبر هذا المؤتمر أول ظهور علني ورسمي للنازيين الأميركيين. والأهم من ذلك انعقاده في العاصمة وليس في الولايات البعيدة في غرب ووسط البلاد. وقد كان سبنسر من أول المحتفلين بموقف ترامب الذي صدر بعد مواجهات فرجينيا العنصرية. فأشاد الناشط النازي الأميركي بموقف الرئيس الذي حمل جميع الأطراف مسؤولية اندلاع أعمال العنف وحاول التهرب من إدانة العنصريين بالاسم. واعتبر أن ذلك سبب آخر لاستمرار دعم النازيين الجدد لولايته الرئاسية ولأجندته السياسية بعناوينها الداخلية والخارجية، خصوصاً في معركته ضد "الإستبلشمنت" و"لوبيات" المال في "وول ستريت"، حيث مركز أسواق المال والبورصة في الولايات المتحدة.

ومنذ إعلان ترامب نيته المنافسة على نيل ترشيح الحزب الجمهوري عام 2015، سارعت المجموعات العنصرية من الأميركيين البيض، ومنهم ما يعرف بالنازيين الجدد و"ذوي الأعناق الحمراء"، إلى إعلان مبايعة المرشح الآتي من خارج مؤسسة الحزب الجمهوري والمعادي لقيادته التقليدية. وشاركت تلك المجموعات إلى جانب بعض المجموعات والأفراد من الجناح المحافظ في الحزب، بفعالية كبيرة في حملة ترامب الانتخابية من خلال حشد الأنصار في المهرجانات الانتخابية ونشاط أفرادها على صفحات التواصل الاجتماعي. وقد كان لتلك المجموعات دور كبير في حسم المعركة لصالح ترامب بعد فوزه بمندوبي ولايات "حزام الصدأ"، ما جعله يفوز بغالبية أصوات المجمع الانتخابي، على الرغم من تفوق هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي بعدد الأصوات التي حصلت عليها في الاقتراع الشعبي.

اللوبي الإسرائيلي يتحرك
وبسبب بروز دور النازيين الجدد في أحداث فرجينيا وإطلاق الشعارات المعادية للسامية ولليهود خلال تظاهرات مدينة تشارلوتسفيل، تحرك اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة ومارس نفوذه الإعلامي والسياسي من أجل إجبار الرئيس على إعلان موقف واضح يدين بالاسم النازيين الجدد والعنصريين البيض، ويحمّلهم مسؤولية اندلاع أعمال العنف العنصرية. وقد سارع وزراء ومسؤولون سياسيون إسرائيليون ومنظمات صهيونية في الولايات المتحدة، إلى التدخل والضغط على إدارة ترامب لإدانة الحملة المعادية للسامية. وقد نجحت تلك الضغوط جزئياً. فقد صدر بيان عن البيت الأبيض يوم الأحد، معلناً أن الرئيس يدين تحديداً مجموعات النازيين الجدد والعنصريين البيض. كذلك، نددت ابنة الرئيس، إيفانكا ترامب، في تغريدات على "تويتر"، بـ"العنصرية وأصحاب نظرية تفوق العرق الأبيض والنازيين الجدد"، معتبرةً أن "لا مكان داخل المجتمع الأميركي" لمثل هذه الأفكار.

تظاهرات مناهضة للنازيين الجدد
وأثارت أحداث تشارلوتسفيل وموقف ترامب حيالها استنكاراً واسعاً في الأوساط السياسية الأميركية، لا سيما من قبل رؤساء ووزراء سابقين، وقادة ومسؤولين ديمقراطيين وجمهوريين على حد سواء. كما شهدت مدن أميركية عدة احتجاجات منددة بتظاهرات النازيين واليمين المتطرف في مدينة تشارلوتسفيل، التي أعلنت فيها حالة الطوارئ بسبب أحداث عنف. وخرجت تظاهرات احتجاجية في كبرى المدن الأميركية مثل نيويورك، ولوس أنجلس، ودنفر، وسياتل، وسان فرانسيسكو، وشيكاغو، وفي مدن أخرى في عموم البلاد. وردد المتظاهرون هتافات مناهضة لجماعات عنصرية مثل "النازيين الجدد" و "كوكلوكس كلان"، وكذلك ضد الرئيس ترامب.

وفي نيويورك، تجمع محتجون في ساحة "التايمز"، وساروا باتجاه برج "ترامب تاور"، مرددين عبارات من قبيل "لا لأميركا العنصرية" و"لا لترامب". وتخلل الاحتجاجات في مدينة نيويورك، توقيف ثلاثة متظاهرين. وقال عمدة مدينة تشارلوتسفيل في ولاية فيرجينيا، مايكل سيغنر، مساء الأحد، إن ترامب "وراء تنامي جرأة الجماعات اليمينية"، التي نظمت تظاهرة أسفرت عن وقوع قتيل ونحو 30 مصاباً في تشارلوتسفيل.

وهذا الانتقاد لترامب يستند إلى وقائع عدة. فعلى غرار أدبيات الحزب النازي، يتبنى النازيون الأميركيون آراء معادية بشكل أساسي لدور اليهود في الاقتصاد الأميركي. ويعتقدون أن أميركا البيضاء مخطوفة من قبل اليهود والسود والمهاجرين. لذلك فإنهم وجدوا في شعارات رفعتها حملة ترامب الانتخابية، مثل "أميركا أولاً"، و"لنجعل أميركا عظيمة مجدداً"، ضالّتهم، فدعموا ترشحه للرئاسة واعتبروه المخلص الذي سيعيد أميركا المخطوفة إلى أصحابها من البيض الأوروبيين.

ويُعْتبر عضو الكونغرس السابق، زعيم منظمة "كوكلوكس كلان" العنصرية، دايفيد ديوك، من أبرز المعادين لإسرائيل وللأدوار الاقتصادية والأمنية والسياسية التي يقوم بها اليهود في الولايات المتحدة. وفي تعليقه على موقف ترامب من مواجهات تشارلوتسفيل، قال ديوك إن على الرئيس أن ينظر إلى نفسه في المرآة ويتذكر أن الأميركيين البيض في ولايات "حزام الصدأ" هم من أوصله إلى البيت الأبيض. ومعروف عن ديوك تبنيه لنظرية المؤامرة واقتناعه بوجود دور خفي لـ"الموساد" الاسرائيلي في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001، في نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا. وإذا لم يكن ثمة دور لإسرائيل في المشاركة في التخطيط لتنفيذ العملية الإرهابية، فإن ديوك مقتنع بأن "الموساد" كان على علم مسبق بالهجمات وتوقيتها وأن عملاء "الموساد" في الولايات المتحدة كانوا يراقبون عن قرب وبشكل يومي أعضاء خلية تنظيم القاعدة التي نفذت الهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة.