ندوة لـ"المركز العربي" في تونس حول الطبقة الوسطى في عملية التحول الديمقراطي

14 يوليو 2017
تسع جلسات عمل تناولت تحديد المفاهيم وتقديم التجارب(العربي الجديد)
+ الخط -

كان دور الطبقات الوسطى في التحول الديمقراطي، ومراهنة الأنظمة السياسية العربية عليها في التصويت وفي الانتخابات، أبرز النقاط التي تطرقت إليها أعمال الجلسة المسائية للندوة الدولية لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في تونس، اليوم الجمعة، تحت عنوان "الطبقة الوسطى في البلدان العربية التحولات والرهانات والتغيرات السوسيو اقتصادية: مقاربات مقارنة"، وذلك بمشاركة مجموعة من الخبراء والباحثين والأكاديميين من تونس وفلسطين والمغرب واليمن ومصر وموريتانيا والجزائر والعراق والسودان والولايات المتحدة.

وتناولت الندوة، والتي تختتم غداً السبت، مسائل تهم دور وواقع الطبقات الوسطى في البلدان العربية، وعلاقتها بتجارب التحول الديمقراطي في عدد منها.

وقال رئيس فرع "المركز العربي للأبحاث" بتونس، الدكتور مهدي مبروك، لـ"العربي الجديد"، إنّ التحولات الديمقراطية رهينة حاضنة اجتماعية ودعم الطبقات الوسطى، مبيناً أن تونس بصدد تقليص الفقر والبطالة، ورفع الفئات إلى الأعلى، وضمها إلى الطبقة الوسطى، إذ لا يمكن محاربة الفقر والتهميش من دون توسيع الطبقة الوسطى.

وأضاف أن الندوة الدولية للمركز تنخرط في جملة من السياقات؛ وأهمها الدراسات التي توصلت إليها المنظمات الدولية، كالبنك الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي، والتي تشير إلى أن الطبقة الوسطى، وخلافاً لبعض القراءات، بصدد التوسع، وأن العالم العربي لا يشذ عن هذه القاعدة، كما تعوّل تلك المنظمات على مكافحة الفقر ودعم الطبقات الوسطى.

وأكد مبروك أنه بسبب ارتباط التحولات السياسية بوجود حاضنة لها في الطبقات الوسطى؛ ينبغي أن يتم العمل على تقليص الفقر والتهميش والحد من البطالة، لتكون مرفهة من حيث الإنفاق والقدرة الشرائية؛ إذ لا يمكن محاربة التهميش من دون النهوض بتلك الطبقة حتى تنخرط في الشأن العام، مبيناً أن المركز اهتم بدراسة الطبقة الوسطى وأهمية الرهان الانتخابي عليها، وضرورة الانتباه إلى ما يمكن أن تقدّمه تلك الطبقات.

وأضاف أن هناك قواسم مشتركة عدة بين البلدان العربية في اليمن والجزائر والمغرب في سلوك هذه الطبقات، وفي علاقاتها ببعضها، على الرغم من بعض الخصوصيات في تركيبة الطبقات الوسطى وفي علاقاتها فيما بينها، معتبراً أن 35 متدخلاً حضروا الملتقى، ونشطوا ضمن تسع جلسات عمل تناولت تحديد المفاهيم وتقديم التجارب.


وبيّن أن جلسة اليوم نظرت في موضوع السياسات العمومية، والسلوك الانتخابي، وعما إذا كان لدى الطبقات الوسطى منطق التصويت لمرشح دون غيره، أو لحزب معين دون غيره، معتبراٍ أن تجارب المقارنة مهمة، وأعطت صوراً مختلفة لواقع الطبقات الوسطى.

بدوره، أكد المختص في العلاقات الدولية، وأستاذ الحضارة الإسلامية في جامعة باريس، فيصل معتوق، لـ"العربي الجديد"، أنه لا يمكن الحديث عن خيار موحد في الانتخاب، ولا أيضاً في ما يتعلق بالخيارات السياسية عندما يرتبط الأمر بالطبقة الوسطى؛ لأنها تضم طيفاً واسعاً من الشرائح الاجتماعية، وهي غير متجانسة اقتصاديّاً واجتماعيّاً، مبيناً أن هناك تشابهاً بين المجتمعات العربية، ولكن المثال التونسي كشف أن الأنظمة السياسية في فترتي الزعيم الحبيب بورقيبة، والرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، راهنت على الطبقات الوسطى كخيار مجتمعي وسياسي.

وأوضح أنّه في هاتين الفترتين، جرى اعتبار الطبقة الوسطى خياراً مجتمعيّاً يساند الخيارات السياسية للدولة، معتبراً أنه قد حصلت تغيرات كبيرة في تونس تهم فئات المجتمع في الانتخابات؛ وعليه لا يمكن الحديث عن تناغم وخيارات موحدة، بل عن أداءات وتوجهات عدة.

وبيّن أن معظم الطبقة الوسطى عند الاستحقاق الانتخابي، انصبَ خيارها على الباجي قايد السبسي؛ أي على المثال القديم، والذي يمثل بالنسبة إليهم تواصلاً لبورقيبة وبن علي.

كذلك رأى أن التونسيين عندما صوّتوا في الانتخابات السابقة لم تكن لديهم قناعة بمرشح؛ بقدر ما كانت النية التصويت ضد "النهضة"، مبيناً أن الأنظمة السياسية تراهن دائماً على الطبقة الوسطى لأنها أوسع، إذ كانت تشكّل، في فترة قريبة، نحو 80 بالمائة من التونسيين، وتضم المتعلمين والموظفين، ولكنها تبقى ذات مفهوم هلامي واسع.

وبالنسبة للسياسيين، فإن من يخسر الطبقة الوسطى يخسر الرهانات السياسية والإصلاحية، ويخسر تمرير القوانين، وبالتالي المراهنة عليها والاهتمام بها سياسيّاً مردّه أهمية الدور الذي تلعبه هذه الطبقة.

أما الباحث في الجامعة الجزائرية، نوي الجمعي، فقال لـ"العربي الجديد"، إن المراهنة على الطبقات الوسطى من قبل الأنظمة يأتي لتحقيق التحول المنشود، ولما لهذه الطبقات من مؤهلات وخصائص، إذ إنها تضم كفاءات ورأس مال اجتماعياً وثقافياً، فضلاً عن أن بإمكانها تأطير المجتمع سياسيّاً.

وأضاف أن الطبقة الوسطى تخضع لعملية الاستقطاب السياسي، والتركيز عليها يأتي لربح الاستقرار السياسي، ولتسيير أزمات الشرعية السياسية.

كذلك، أوضح أن الإشكال الموجود اليوم يتعلق بمتابعة الطبقات الوسطى؛ فداخل الطبقة يمكن الحديث عن طبقات، وكل طبقة لا تملك الأصول الاجتماعية والوضعيات ذاتها، وهو ما يجعلها تبحث عن هوية وعن تجانس أكثر لتكون فاعلة، مؤكداً أن دورها في التصويت والانتخاب يعود إلى أنه ينتظر دائماً منها أكثر، وكلما نجحنا في الوصول إليها؛ كان هناك تأثير أكبر ونجاح في التحول الديمقراطي.

وبيّن أن الطبقات الوسطى، في أغلب المجتمعات العربية، أصبحت تعيش نوعاً من التوجس، وهي لا تغامر، وقد تتحول إلى مقاوم للتغيير عندما ترى أنه غير مهندس وواضح المعالم، وبالتالي فإن العلاقة بين السلطة والطبقة الوسطى يجب أن تتضح أكثر.