لكن هناك ما يدلل على أنه على الرغم من الجهود المصرية المكثفة، فإن الهوة بين مواقف الطرفين تقلّص من فرص إنجاز الصفقة في الوقت الحالي. ووفقاً لما كشفته صحيفة "معاريف" قبل يومين، فإن على رأس نقاط الخلاف التي تعوق التوصل للاتفاق مطالبة "حماس" بأن تدفع إسرائيل "ثمناً"، مقابل الكشف عن معلومات عن أوضاع وحالة الجنود الأسرى. وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل ترفض إطلاق سراح الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم في صفقة "وفاء الأحرار" واعتقلتهم إسرائيل مجدداً بعد خطف وقتل ثلاثة من المستوطنين في يونيو/حزيران 2014، مقابل معلومات حول أوضاع الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى "حماس". وتستدرك الصحيفة بأن تل أبيب قد تتراجع عن موقفها وتوافق على الإفراج عن بعض هؤلاء الأسرى في حال تقدمت المفاوضات مع الحركة.
ومن ناحية نظرية، فإن هناك عوائق تقلص فرص التوصل إلى صفقة في الوقت الحالي، من أبرزها البيئة السياسية الداخلية في إسرائيل تحدّ من فرص التوصل للصفقة. وإلى جانب اعتراض ممثلي حزب "البيت اليهودي" في الحكومة والبرلمان، فإن معظم وزراء الليكود يعارضون أيضاً أن يتم الإفراج عن عدد كبير من الأسرى في إطار أية صفقة.
ويرى وزراء اليمين الإسرائيلي أن الإفراج عن عدد كبير من الأسرى سيمسّ بقوة الردع الإسرائيلي، وسيحفز الفلسطينيين على اعتماد عمليات الخطف كوسيلة لتحرير أسراهم. ويسوغ هؤلاء الوزراء حججهم بالزعم إن اثنين من الأسرى الأربعة، وهما الجنديان هدار غولدين وشاؤول أرون قد قتلا في الحرب، وبالتالي فإن حركة حماس تملك جثتيهما فقط، الأمر الذي لا يستدعي أن يتم دفع ثمن كبير لقاء الجثتين.
وهناك في إسرائيل من يرى أن تدهور الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة جراء الحصار يمكّن إسرائيل من توظيف أوراق أخرى لإجبار "حماس" على إبداء مرونة بشأن ظروف وشروط الصفقة. فقد نقلت صحيفة "ميكور ريشون"، أول من أمس، عن وزير الزراعة أوري أرئيل، الرجل الثاني في حزب "البيت اليهودي"، قوله إن إسرائيل "تملك العديد من روافع الضغط على حماس لإجبارها على إنهاء قضية "المفقودين". وقد كشفت صحيفة "معاريف" أن إسرائيل تراهن على أن يتم انجاز صفقة تبادل الأسرى ضمن صفقة أشمل، تشارك فيها مصر، وتضمن تخفيف مظاهر الحصار عن القطاع.
إلى جانب ذلك، فإن لجنة قضائية أمرت بتشكيلها حكومة بنيامين نتنياهو في أعقاب التوصل لصفقة "وفاء الأحرار" قد أوصت بأن يتم الإفراج عن أسير فلسطيني مقابل كل أسير إسرائيلي. في المقابل، فإن عوائل الجنود الأسرى قد كثفت من أنشطتها الاحتجاجية على تعاطي دوائر صنع القرار مع هذا الملف. وقد اهتمت وسائل الإعلام الإسرائيلية بمنح تغطية متزايدة للأنشطة الاحتجاجية، ولا سيما مع تعمد عوائل الأسرى عرقلة اجتماعات لجان نيابية داخل الكنيست، والتشويش على مداخلات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. لكن حتى الآن، فإن حراك هذه العائلات لم يحدث تغييراً جذرياً على توجهات الرأي العام الإسرائيلي، كما فعل في حينه الحراك الذي قادته ونظمته عائلة شاليط.
من الواضح أن إسرائيل تراهن على مفاعيل الحصار والدور المصري وإمكانية إسهامه في إقناع "حماس" بإبداء مرونة على مواقفها من الصفقة. لكن على الرغم من أن حركة حماس لم تعلن مطالبها للتوصل للصفقة، فإنه يمكن القول إن الحركة لن تكون مستعدة للتوقيع على صفقة ما لم تسفر عن تحرير، على الأقل، نفس العدد من الأسرى الذين تم إطلاق سراحهم في "وفاء الأحرار".