صعود بن سلمان: بحث عن مصير حرب اليمن

23 يونيو 2017
من غارات قوات التحالف العربي باليمن (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
لا يُذكر ولي العهد السعودي المعين حديثاً، محمد بن سلمان، إلا ويحضر ملف الحرب في اليمن كأول الملفات المعنية والمتعلقة بسيرة الأمير الشاب الذي قاد تحالفاً عسكرياً مؤلفاً من دول عدة، لشن حرب غيرت وجه اليمن. وبمجرد تعيينه ولياً للعهد، بدأت الأسئلة تدور حول الأثر المتوقع لهذا التطور يمنياً، وعما إذا كان بن سلمان، سيوقف الحرب التي يصفها البعض بـ"الكارثية"، أم أنه سيستخدم صلاحياته الجديدة لفرض تصعيد عسكري جديد.

في هذا الإطار، فقد أنتجت الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، وضعاً مرتبطاً بشكل كبير، بقرارات وتصورات المملكة التي تقود التحالف، ممثلة بمحمد بن سلمان، الذي يشغل أيضاً منصب وزير الدفاع، وكان من الطبيعي انقسام ردود الفعل، خصوصاً في الترحيب بتصعيد بن سلمان ولياً للعهد، من قبل الحكومة الشرعية ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي المتواجد في الرياض، بالإضافة إلى القوى المؤيدة للشرعية، بما فيها حزب التجمع اليمني للإصلاح (المحسوب على الإخوان المسلمين)، الذي اعتبر في بيان لرئيسه محمد عبدالله اليدومي، أن التعيين "يمثل مكسباً كبيراً للمملكة وللأمة العربية والإسلاميةً"، وأشاد بدوره في اليمن بـ"مهمة مساندة الشرعية".

في المقابل، وعلى مستوى تحالف جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وحزب "المؤتمر الشعبي العام" بقيادة الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، بدا التحفّظ عن إبداء موقف رسمي تجاه تنصيب بن سلمان ولياً للعهد، سيد الموقف، فيما كان الانعكاس الواقعي للتطور، بارزاً على مستوى الكتاب والمحللين، الذين عبروا عن آرائهم بمواقع التواصل الاجتماعي، من خلال التساؤلات التي اتفقت الغالبية منها على تأثير محتمل على الحرب والسلام في اليمن. وذلك مع إبداء الحيرة تجاه طبيعة التأثير، وما إذا كان بن سلمان سيصعّد العمليات العسكرية أم يتجه للسلام. وبتعبير الكاتب والمحلل السياسي اليمني، مصطفى راجح، فقد "وصل محمد بن سلمان إلى كرسي ولي العهد/ الملك السؤال هو: هل انتهت الحرب أم بدأت؟".

وربطت التقارير الصحافية والنقاشات الإعلامية الغربية، في سياق تناولها تعيين بن سلمان ولياً للعهد، حرب اليمن كأبرز محطة محورية في سيرته، إذ ينُظر إليها، في الغالب، كمحطة فشل كارثية انعكست في استمرارها لأكثر من عامين، فضلاً عن تداعياتها على الوضع الإنساني والاقتصادي والصحي، الذي هو كارثي بكل المقاييس. وذهب البعض إلى حد القول إن الحرب في اليمن شكلت محطة زاوية للتعرف على بن سلمان كرجل قرار"متهوّر"، فهل يكون تعيينه ولياً للعهد بداية جديدة على مستوى اليمن؟



الإجابة عن السؤال ستظهرها الفترة المقبلة، ومع ذلك تعد المقابلة التلفزيونية الشهيرة التي أجراها محمد بن سلمان مطلع مايو/أيار الماضي، أحدث دليل نظري لمحاولة فهم نظرة الرجل للحرب في اليمن. في هذا الصدد، أفصح بن سلمان بمقابلته الشهيرة عن اعتماده سياسة "النفس الطويل"، في الحرب، بقوله إن "الوقت من صالحنا، فالنفس الطويل من صالحنا. نحن لدينا الإمداد ولدينا كل الإمدادات اللوجستية ولدينا المعنوية العالية، والعدو (إشارة للحوثيين والقوات الموالية لصالح) ليس لديهم الإمداد وليس لديه الأموال وليس لديهم النفس الطويل. فالوقت من صالحنا وسنستغل الوقت الذي من صالحنا لصالحنا وإذا لم نستغل الوقت الذي هو من صالحنا فمعناه أننا قدمنا خدمة للعدو".

ومن أبرز المؤشرات التي عبّر عنها بن سلمان في حديثه التلفزيوني المشار إليه، أنه وفي سياق الدفاع عن الانتقادات للتحالف من طول أمد الحرب، بحث عن مقارنات مع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق. لذلك رأى في المقابلة بأنه "عندما بدأت العمليات (في 26 مارس/آذار 2015) كانت سيطرة الشرعية تكاد تكون صفر في المائة على الأراضي اليمنية، اليوم الشرعية تسيطر على 80 أو 85 في المائة من الأراضي اليمنية، بينما وجد تحالف آخر في شمال السعودية في العراق وسورية لمحاربة داعش الذي يسيطر على جزء من العراق، مكوّن من 60 دولة بقيادة الولايات المتحدة وذلك منذ عام 2014، وكانت قبلنا بسنة، وإلى اليوم لم يعملوا شيئاً، ونحن 10 دول في المنطقة استطعنا أن نحقق إنجازاً في وقت أقصر من وقت حرب عمليات العراق وسورية".



وجاءت المقارنة على الرغم من أن غالبية اليمنيين والمتابعين بشكل عام، لم يكن أحد منهم يتوقع أن تستمر عمليات التحالف لأكثر من عامين، وذلك وفقاً لمضامين التصريحات والتناولات الإعلامية للوسائل التابعة للتحالف ذاتها في بداية الحرب. وقد أعلن التحالف إيقاف عملية "عاصفة الحزم"، في 21 إبريل/نيسان 2015، أي بعد 27 يوماً على انطلاقها، ومع إيقافها تم الإعلان عن بدء "إعادة الأمل"، التي كان المقرر فيها أن تتواصل العمليات العسكرية بشكل محدود مع إتاحة فرصة للجهود السياسية، بحيث تكون مرحلة تدريجية لإيقاف الحرب، التي باتت في عامها الثالث.
وعلى الرغم من التصريحات التي تظهر أن بن سلمان ما يزال يتعامل بسياسة "النفس الطويل"، إلا أن حديثه لا يعدم الرسائل السياسية، فهو على الرغم من حربه بلا هوادة بعشرات الضربات الجوية بوتيرة شبه يومية ضد الحوثيين والقوات الموالية لصالح، لا يمانع من التواصل مع الأطراف اليمنية لحل سياسي، إذ أكد أن "كل الخطوط مفتوحة سواء مع القوى المحسوبة على الشرعية أو القوى المحسوبة على علي عبدالله صالح، أو غير المحسوبة على الجانبين وكل يوم يتم استقطاب المزيد".


وفي المقابلة ذاتها، بدا بن سلمان أكثر انفتاحاً على التواصل مع صالح الذي قلّمت أظافره السعودية وقلصت نفوذه إلى حد كبير، منذ بدء الحرب. واعتبر محمد بن سلمان، أن "صالح لديه خلافات كبيرة مع الحوثيين، وأنه ربما يغيّر موقفه إذا كان خارج صنعاء التي يقيم فيها صالح تحت حراسة الحوثيين".

في هذا السياق، كان للكاتب البريطاني ديفيد هيرست، رأي في مقال له قال فيه إن "التحرّك المقبل لكل من محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، سيكون في اليمن". وذكر بأن "بن سلمان سبق والتقى مستشار الأمن الوطني في الإمارات، طحنون بن زايد، وأبلغه بأنه بمجرد أن يصبح ولياً للعهد، سوف يتم الإطاحة بالرئيس عبدربه منصور هادي، ويتم استبداله، بنائبه السابق، خالد بحاح المقرب من الإماراتيين". وكان بحاح الذي أقاله هادي من منصبه في إبريل/نيسان 2016، قد عقد لقاءات في السعودية أخيراً وسط أنباء عن لقاء غير معلن جمع بن سلمان مع بحاح.

من جهة أخرى، وفي سياق المؤشرات التي يمكن أن تعزز التوقعات الضعيفة لتوجه بن سلمان نحو إيقاف الحرب ودعم الحل السلمي في البلاد، من غير المستبعد أن يتجه لاتخاذ قرارات تستجيب للضغوط فيما يتعلق بالحرب وتعالج ملف الحرب المفتوحة منذ أكثر من عامين، في ظل توقعات بانشغال بن سلمان بترتيبات داخلية وخارجية على حساب انهماكه بالحرب، ويساعده في ذلك "الطريق المسدود"، للعمليات العسكرية وعدم تحقيق انتصار حاسم منذ أكثر من عامين.

الجدير بالذكر، أن انطباعاً يسود لدى جزء من الرأي العام والكتّاب في اليمن بشكل عام، يربط بين الحرب في اليمن وبين رحلة بن سلمان للوصول إلى "ولي العهد". ويرى البعض أن بن سلمان استغل حرب اليمن باستخدامها لتقوية نفوذه الداخلي وعلاقاته الخارجية على مستوى الإقليم أو الدول الكبرى، كالولايات المتحدة، وبالتالي فإن نظرة بن سلمان وأولوياته تجاه الأزمة في اليمن، قد تتغير، على نحو ما، يحقق تصوراته، سواء بطريقة استمرار الحرب وفقاً لسياسة "النفس الطويل"، أو بالدفع نحن تسوية، وبين كل ذلك، تبقى الإجابة الحاسمة مرتبطة بالقرارات التي سيتخذها الفترة المقبلة.


المساهمون