سورية: الانتهاكات حاضرة دولياً وفرص للمحاسبة خارج مجلس الأمن

28 مايو 2017
مجزرة خان شيخون أبرز مثال على هذه الجرائم(فراس فحام/الأناضول)
+ الخط -
يتواتر الحديث الدولي عن الانتهاكات المرتكبة في سورية، والتي قد ترتقي إلى جرائم حرب، في ظل دعوات لمحاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات من قِبل دول ومنظمات. ويُعتبر مجلس الأمن الدولي الجهة المخوّلة بتحويل تلك الملفات إلى محكمة الجنايات الدولية، إلا أن هذه الدعوات تصطدم بعقبة كبرى متمثلة بـ"فيتو" روسيا، التي حالت طوال السنوات الست الماضية دون تمكّن مجلس الأمن من اتخاذ قرار حول الانتهاكات الواقعة في سورية، وهي الحليف السياسي والعسكري الأبرز للنظام السوري.

ويكاد لا يمر شهر على سورية، إلا وتصدر العديد من التقارير التي تتحدث عن تلك الانتهاكات المتمثلة في المجازر والحصار والاعتقالات والإخفاء القسري، بحق مدنيين وإعلاميين وعناصر في الدفاع المدني وغيرهم، منها صادر عن منظمات حقوقية وإنسانية أو لجان تحقيق، وأخرى عن دول. آخر هذه التقارير كان يوم الخميس الماضي، من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الذي قال خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي حول حماية المدنيين في النزاعات المسلحة، إنه "تم توثيق أكثر من 400 هجوم على المرافق الطبية منذ بدء النزاع في سورية، إضافة لمقتل ما يزيد عن 800 من العاملين في المجال الطبي"، مطالباً الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وأطراف النزاع بوضع وتبادل سياسات تنفيذية وتدابير عملية لتعزيز احترام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان في مناطق الصراع المسلحة. وأضاف أنه "يتعين على أطراف الصراع التوقف عن الاستخدام العسكري للهياكل الأساسية المدنية الحيوية مثل المستشفيات والمدارس وأماكن العبادة"، وتجنّب إقامة أهداف عسكرية داخل المناطق المكتظة بالسكان أو بالقرب منها، والتوقف عن استخدام الأسلحة المتفجرة ذات الآثار واسعة النطاق في المناطق المأهولة بالسكان.

وطلب الأمين العام للأمم المتحدة اعتماد وتنفيذ تدابير تهدف إلى حماية الجرحى والمرضى والعاملين في المجال الطبي والمرافق والمعدات الطبية، واعتماد إجراءات واضحة وبسيطة وسريعة لتيسير وصول المساعدات الإنسانية بسرعة ومن دون عوائق، وأن يقوم مجلس الأمن بـ"إدانة أي حالة من حالات الامتناع التعسفي عن الموافقة على وصول عمليات الإغاثة الإنسانية المحايدة أو حرمان المدنيين من مواد لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة".

وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول كبير المفاوضين في وفد المعارضة المفاوض، محمد صبرا، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "بالأصل هناك قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة صدر في نهاية العام الماضي، وهذا القرار تبنّى إنشاء آلية لجمع الأدلة والوثائق المتعلقة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سورية تحضيراً لتقديمها إلى المحاكم المختصة عندما يتم اتخاذ قرار بالبدء بهذه المحاكمات"، مشيراً إلى أن كلام غوتيريس هو "ضمن هذا المناخ الدولي الذي نتمنى أن يأخذ خطوة عملية جادة باتجاه بدء محاكمة بشار الأسد وحلفائه ممن ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
ويوضح صبرا أن "هناك وسائل قانونية أخرى ومنها اللجوء للجمعية العامة للأمم المتحدة تحت بند الاتحاد من أجل السلام، باعتبار ان روسيا وهي الدولة دائمة العضوية، متهمة بارتكاب جرائم حرب في سورية، وهذا بحد ذاته كافٍ لاعتبار شروط تفعيل الاتحاد من أجل السلام متوفرة بسبب عجز مجلس الأمن الدولي عن حماية الأمن والسلام الدوليين وفرض احترام القانون الدولي في الحالة السورية بسبب تضارب المصالح بوجود روسيا في مجلس الأمن".


من جهته، يعرب وزير الصحة في الحكومة المؤقتة فراس الجندي، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده أنه "عقب استهداف خان شيخون بالسلاح الكيميائي، الأمور تتجه إلى المحاسبة، وعام 2017 قد يكون عام الحسم"، موضحاً أنهم "يرفعون تقارير بشكل دائم عن عمليات القصف التي تستهدف المنشآت الطبية، وما يسقط من شهداء من الكادر الطبي"، لافتاً إلى أن الجهة المسؤولة عن تلك الاستهدافات هي "الطيران الحربي لكل من النظام وروسيا".
ويشير إلى أن "استهداف المستشفيات والنقاط الطبية يتم بشكل ممنهج ومنظّم لإلحاق أكبر أذى ممكن بالمصابين، مثلاً في 2 إبريل/نيسان 2017 تم استهداف المستشفى المركزي في معرة النعمان وهو أكبر مستشفى في الشمال السوري، وبعد يومين تم استهداف مدينة خان شيخون بالسلاح الكيميائي المحرم دوليا، وبعد أربع ساعات من ذلك الاستهداف في 4 إبريل، تم قصف مستشفى الرحمة في خان شيخون، كي لا يتمكن المواطنون من إسعاف المصابين".

وعن أسباب هذا الاستهداف المقصود للمستشفيات والكادر الطبي منذ 2011، يقول الجندي إنه "من المعروف أن العاملين في القطاع الطبي غالباً هم من الكوادر المثقفة، وهذا عداء أزلي بين الدكتاتور والمثقفين، إضافة إلى أن تثبيت الناس في أرضهم بحاجة إلى تأمين الخدمات والبنية التحتية، وعلى رأسها الخدمات الطبية، ما يعني تهجير الناس وبالتالي التغيير الديمغرافي الذي يتم العمل عليه في البلاد من قبل النظام وحلفائه".
ويؤكد الوزير "خلو كل المستشفيات والنقاط الطبية في مناطق المعارضة من أي مقر عسكري"، قائلاً إن "كل المستشفيات والنقاط الطبية تحت إدارتنا، ومستعدون لاستقبال أي لجنة تحقيق للتأكد من ذلك". ويأمل "في ظل الهدنة الحالية، أن تكون المستشفيات والنقاط الطبية والبنى التحتية بشكل عام، بعيدة عن الاستهداف العسكري"، قائلاً إنه "سبق أن صدرت قرارات وإدانات دولية عدة، ولكن لم يطبق شيء على أرض الواقع، وشهر إبريل/نيسان الماضي كان متميزاً باستهداف المستشفيات والنقاط الطبية، واليوم نريد صدور قرار من مجلس الأمن ملزم تحت الفصل السابع، يفرض عقوبات لكبح النظام وحلفائه عن استهداف المستشفيات والبنى التحتية".

وكانت وزارة الصحة، ذكرت في بيان لها تناقلته وسائل الإعلام، أنه منذ عام 2011 وحتى 2015، تم استهداف ما لا يقل عن 70 نقطة طبية ومقتل 497 بين طبيب وممرض ومسعف، موضحة أن هذه الأرقام زادت في عام 2016، إذ دُمرت 286 نقطة طبية وقُتل 151 من الكوادر الطبية؛ وإلى الشهر الرابع من عام 2017، قالت إن 32 نقطة طبية استُهدفت كان آخرها مستشفى كفرتخاريم.

وفي هذا السياق، يقول مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فضل عبد الغني، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الشبكة وثّقت 616 حادثة اعتداء على منشآت طبية، منذ مارس/آذار 2011 وحتى مايو/أيار 2017 في سورية، على يد الأطراف الفاعلة الرئيسية، توزعت على النحو التالي: 473 حادثة على يد قوات النظام، و98 حادثة على يد القوات الروسية، أما التنظيمات المتشددة، وعلى رأسها تنظيم "داعش" فكان مسؤولاً عن 19 حادثاً، أما فصائل المعارضة فـ12 حادثاً، وهناك حوادث على يد جهات أخرى.
كما يشير إلى "أننا وثّقنا مقتل 768 من الكوادر الطبية خلال الفترة ذاتها، 611 قتيلاً على يد قوات النظام السوري، و46 على يد القوات الروسية، و37 على يد تنظيم داعش، و4 قتلى على يد جبهة فتح الشام، و28 قتيلاً على يد فصائل المعارضة المسلحة، 6 قتلى على يد قوات الإدارة الذاتية الكردية، و36 قتيلاً على يد جهات أخرى".

ويوضح عبد الغني أن حديث الأمين العام في اجتماع مجلس الأمن، هو عبارة عن خطوة على طريق السير بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2289، الخاص بإدانة الهجمات على المرافق الصحية، والذي أكد أن سورية هي من أسوأ الدول في العالم، لجهة استهداف وقصف المراكز الطبية وقتل الكوادر الطبية، والهدف من وراء ذلك أن يكون مجلس الأمن في مجابهة حقيقية في حال الاعتداء على المراكز الطبية، وفتح تحقيقات ومحاسبة مرتكبي الحوادث بهدف ردع الهجمات على المراكز الطبية. ويعرب عن اعتقاده بأن "على مجلس الأمن أن يتحرك بشكل مباشر وسريع عقب أي هجوم على منشأة طبية، لأن هذا الأمر يشكل انتهاكاً صارخاً للعديد من القوانين الدولية والإنسانية".

المساهمون