ترامب يسترضي أردوغان بوعود الأسلحة والدعم ضد "الكردستاني"

18 مايو 2017
أكد ترامب دعم تركيا في قتال التنظيمات الإرهابية(تشيريس ماي/Getty)
+ الخط -

كما كان متوقعاً، لم يتمكن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال الزيارة التي قام بها، أول من أمس، إلى العاصمة الأميركية واشنطن، من تحقيق أيٍ من أهدافه الرئيسية من الزيارة، سواء لناحية وقف التعاون بين الإدارة الأميركية وحزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني) في معركة الرقة، أو ترحيل زعيم حركة "الخدمة"، فتح الله غولن، المتهم بإدارة المحاولة الانقلابية الفاشلة منتصف يوليو/تموز الماضي. لكن هذا لا يعني أن أردوغان عاد خالي الوفاض من اللقاء مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.

وتتداول أروقة السياسة في العاصمة التركية أنقرة العديد من الأحاديث، لكن لا شيء منها يمكن التحقق منه، إذ إن جميع اللقاءات التي أجريت بين الجانبين التركي والأميركي تمت على أعلى المستويات، وفي ظل سرية بالغة. وبينما استمر أردوغان، خلال المؤتمر الصحافي المشترك، في التأكيد على الرؤية التركية لناحية رفض الاعتراف بشرعية "الاتحاد الديمقراطي"، وكذلك التعاون بين الاتحاد وواشنطن في قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إضافة إلى ضرورة ترحيل غولن، كان ترامب واضحاً، ولم يخرج عن الخطاب الدبلوماسي التقليدي الذي يتحدث عن عمق التحالف بين الجانبين، وتاريخ التعاون العسكري الذي بدأ من الحرب الكورية في خمسينيات القرن الماضي، مؤكداً أن إدارته تدعم الحكومة التركية في قتال كافة التنظيمات الإرهابية، بما في ذلك "داعش" و"العمال الكردستاني"، الذي رأى ترامب أنه لن يكون له أي مقر آمن.

ولم تمضِ ساعات على خروج الرئيس التركي من البيت الأبيض، بعد الاستقبال الحافل الذي تلقاه، حتى أصدرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، بيانا، أكدت فيه أن وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، ونظيره التركي، فكري إشيق، اتفقا بشدة على المخاوف بشأن حزب العمال الكردستاني، إذ أكد ماتيس مجدداً دعم تركيا في قتالها "الكردستاني". ورغم كون هذه التصريحات الأميركية جزء من "الكليشيه" المعهود منذ بدء واشنطن دعمها لحزب الاتحاد الديمقراطي، فإنه لا يمكن وضع هذا الاتفاق في إطار التصريحات الدبلوماسية فحسب. وكانت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية سربت بعض التفاصيل في هذا الشأن، في وقت سابق، كجزء من مستلزمات إرضاء الشركاء الأتراك وضمان عدم قيامهم بتخريب خطة السيطرة على مدينة الرقة. وبحسب الصحيفة، فإن وزارة الدفاع ستعمل على مضاعفة قدرات مركز الاندماج الاستخباراتي بين الجانبين، والمتواجد في العاصمة التركية أنقرة، والذي يشرف عليه ضباط من تركيا وأميركا، وسيتم إضافة المزيد من معدات الاستخبارات إليه، كالطائرات من دون طيار وباقي المعدات. وكانت واشنطن توقفت عن توفير معلومات استخباراتية للجانب التركي بعد عودة الاشتباكات بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني في خريف عام 2014، ليتم توجيه قدرات المركز لمراقبة "داعش" بدل "الكردستاني"، الأمر الذي يبدو بأن الطرفين تمكنّا من التوصل إلى اتفاق بشأنه خلال الزيارة الأخيرة، ما قد يكون له تبعات كبيرة على قدرات "الكردستاني" على الحركة في الأراضي التركية، وكذلك زيادة التعاون بما يخص تحركات الأخير في الأراضي السورية، والتنسيق بين الجانبين، بما يخص كمية ونوعية الأسلحة التي ستقوم الولايات المتحدة بتسليمها إلى قوات الاتحاد الديمقراطي، ربما في إطار آخر المعارك المشتركة، أي معركة الرقة.


وبينما أشارت بعض المصادر التركية المطلعة، لـ"العربي الجديد"، إلى إمكانية قيام واشنطن بسحب قوات الاتحاد الديمقراطي نحو شرق الفرات، وتسليم منبج إلى قوات المعارضة المدعومة من أنقرة، إلا أنها ترى عدم إمكانية تنفيذ هذه الخطوة، بسبب تواجد قوات النظام السوري والروس في المنطقة. ورجحت المصادر أن يتم إرضاء أنقرة في العراق، لناحية ضمان دعم أميركي استخباراتي، أو على الأقل صمتهم حيال أي عملية تركية بالتعاون مع قوات البشمركة، التابعة لرئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، لطرد حزب العمال الكردستاني من معسكراته في جبل سنجار التابع إلى محافظة الموصل العراقية. وتحمل قواعد سنجار أهمية كبيرة لحزب العمال الكردستاني لناحية كونها عقدة تؤمن استمرار التواصل بين معاقله في جبال قنديل وقادته الذين يديرون المعارك على الأرض ضد "داعش" في سورية، بالتعاون مع الأميركيين. وأكدت المصادر أن أنقرة تلقت وعوداً من الإدارة الأميركية بدعمها في حال تمكنت، بالتعاون مع موسكو، من التدخل في محافظة إدلب لإعادة ترتيب صفوف المعارضة في المحافظة وضرب "هيئة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً).

وفيما يخص حركة "الخدمة"، وعلى الرغم من عدم التوصل إلى اتفاق لترحيل زعيم الحركة، فتح الله غولن، المقيم في ولاية بنسلفانيا منذ عام 1999، إلا أن مراقبين يرون إمكانية التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن يضيق الخناق على شبكات الحركة في الولايات المتحدة، ويجمد نشاطاتها التي تستهدف مصالح الحكومة التركية، في مقابل تلبية أنقرة للطلب الذي تقدم به البيت الأبيض خلال الاجتماعات، حول ضرورة تسليم القس الأميركي، أندرو برونسون، المحتجز في تركيا بتهم تتعلق بالتعاون مع حركة "الخدمة" خلال المحاولة الانقلابية.

وأكد مصدر تركي مطلع، لـ"العربي الجديد"، أن السلطات التركية تلقت وعوداً واضحة من قبل نظيرتها الأميركية بأنها لن تسمح لحزب الاتحاد الديمقراطي بالتواجد في مدينة الرقة بعد دحر "داعش" منها، وكذلك لن تسمح لمتعاونين مع "الكردستاني" بحكم المنطقة، بل سيعود الحكم إلى أهالي المنطقة من العرب. وشدد المصدر على أن الأمور تبدو مختلفة هذه المرة عن موضوع مدينة منبج، عندما لم تتمكن الإدارة الأميركية من الالتزام بوعودها، إذ إن ما بعد الرقة ليس كما قبلها، ولن يعود للتعاون مع "الاتحاد الديمقراطي" تلك الأهمية بعد دحر "داعش". وعن إمكانية قيام "الاتحاد الديمقراطي" بتسليم المنطقة إلى النظام السوري، يقول المصدر "هذا أمر غير مهم. ما يعنينا هو عدم السماح للعمال الكردستاني بالتواجد في المكان". ويرى مراقبون أن قيام "الكردستاني" بمثل هكذا خطوة سيضعه في موقف حرج للغاية مع الأميركيين، بينما تعمل واشنطن على تحجيم المحور الإيراني في المنطقة.

لكن يبدو أنه كان للزيارة وقع كبير لناحية تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. وعلى غير عادة رؤساء أميركا، لم يتطرق ترامب، خلال استقباله أردوغان، إلى أي من التقارير التي اعتاد الغرب عموماً الحديث عنها فيما يخص الخروقات التركية تجاه حقوق الإنسان وحرية التعبير خلال حملاتها على من تراهم ضالعين في المحاولة الانقلابية، سواء من المدنيين أو العسكريين أو الصحافيين. وأكثر من ذلك، كان ترحيب ترامب الكبير بأردوغان بمثابة منح الشرعية للتعديلات الدستورية التي تم تمريرها منتصف الشهر الماضي، رغم الاعتراضات الأوروبية، فيما يمثل تعزيزاً أكبر للموقف التركي، بينما تستمر المفاوضات مع الأوروبيين لإعادة ترتيب العلاقات المتدهورة بين الجانبين.

ويتم الحديث عن أن ترامب سيقوم بتنفيذ جميع عقود التسليح التي كان الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، أوقفها، سواء تلك المتعلقة ببيع أنقرة طائرات من دون طيار، أو بعض أنواع الحوامات متعددة المهام، أو بعض أنواع الذخائر الذكية، وتعزيز التعاون في بعض أنواع الصناعات الدفاعية، على غرار ما فعله مع حلفاء واشنطن في الخليج. كذلك كان لحضور وزير الاقتصاد التركي، نهاد زيبكجي، ووزير الطاقة، براءات البيرق، أهمية بالغة لناحية محاولة الجانبين تعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون التجاري. في النهاية لم يعترف الأتراك بشرعية الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، أي "الاتحاد الديمقراطي"، لكنهم فعلوا ما بوسعهم للحد من دعم الأميركيين له، وكذلك للحصول على أكبر قدر من المكاسب من واشنطن، وذلك في انتظار تغيير الظروف بعد معركة الرقة، بينما يستمر الأمن التركي في ملاحقة عناصر "الكردستاني" في الأراضي التركية والعراقية، وسط خطط تركية لبناء جدار حدودي مع إيران، لمنع تسرب أي من مسلحي الأخير نحو الأراضي التركية.