"الجبهة الوطنية" الفرنسية قبل التشريعيات: غليان داخلي وشكوك

13 مايو 2017
لوبان تفكر بإجراء تحوّل عميق لحزبها (فيليب هوغين/فرانس برس)
+ الخط -


بعد الهزيمة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، يستعد حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف لخوض معركة الانتخابات التشريعية المقبلة في 11 و18 يونيو/حزيران المقبل في أجواء مشحونة بالتوترات. ويطمح الحزب لأن يصبح "القوة المعارضة الأولى" في فرنسا. إلا أنه على الرغم من تحقيقه تقدّماً تاريخياً وحصوله على أصوات أكثر من 10 ملايين ناخب في الانتخابات الرئاسية، فإن الحزب يواجه احتجاجات داخلية قوية تُعيب عليه انتهاج خط سياسي منفتح ومتناقض مع الخط اليميني المتطرف. ولكي يحقق معسكرها المزيد من النجاح في التشريعيات، تحاول رئيسة الحزب مارين لوبان، تبديد الشكوك التي تساور قسماً من قاعدتها الحزبية قد تكون أفقدتها بعض الأصوات، خصوصاً أن حملتها الانتخابية شابها بعض الغموض في ما يتعلق بمسألة التخلي عن اليورو وأيضاً العدائية التي طبعت أداءها خلال المناظرة التلفزيونية التي جمعتها بالرئيس المنتخب، إيمانويل ماكرون.
وفي مواجهة الانتقادات في معسكرها، أعلنت زعيمة "الجبهة الوطنية" عن التفكير في إجراء "تحوّل عميق" لحزبها، بداية من تغيير اسم الحزب "الجبهة الوطنية" نفسه. وأكد نائبها فلوريان فيليبو هذه الفكرة، وقال الإثنين الماضي: "لقد حان الوقت لتشكيل قوة سياسية جديدة، والانتقال إلى المرحلة التالية التي يجب أن تكون أكثر شمولية، أعتقد أن هذا ما يرغب فيه العديد من الفرنسيين".
والواقع أن الانتخابات الرئاسية كرست بشكل لا يدعو للشك تطبيع خيار اليمين المتطرف في المجتمع الفرنسي. وطوال عقود، عانت "الجبهة الوطنية" من صورة سلبية ومشوّهة غذتها سجالات معاداة السامية، وتحريف التاريخ، وكراهية الأجانب التي كان يتسبّب فيها والد مارين، جان ماري لوبان. لكن الاستراتيجية التي اعتمدتها مارين عندما توّلت عام 2011 زعامة "الجبهة الوطنية" حققت نجاحاً ملحوظاً. فقد استطاعت أن تحسن صورة حزبها مع غرس أفكاره في النقاش العام. كما أن الحزب نجح في إملاء سياسته في مجال الهوية على مجمل الطبقة السياسية في اليمين كما في اليسار. وكانت النتيجة أنه بعد إعلان نتائج الدورة الأولى للرئاسيات في 23 أبريل/نيسان الماضي، تفكك مبدأ "الجبهة الجمهورية" الذي كان يتحد بموجبه اليسار واليمين لقطع الطريق على اليمين المتطرف، إلى حد أن مرشح اليسار الراديكالي، جان لوك ميلانشون، لم يدعُ ناخبيه إلى التصويت ضد لوبان وترك لهم حرية الاختيار. وبين الدورتين الرئاسيتين، استفادت لوبان أيضاً من تعبئة غير مسبوقة لسياسي يميني يشدد على السيادة، هو نيكولا دوبون إينيان، الذي طوى صفحة "نبذ" الجبهة في الوسط اليميني. وسمح هذا التحالف "التاريخي" بدمج حزب "الجبهة الوطنية" في الساحة الجمهورية التقليدية.


وتجد المواضيع المفضلة لدى "الجبهة الوطنية"، مثل الهجرة وانعدام الأمن والسيادة والحمائية، أصداء إيجابية في المناطق الريفية وأيضاً ضواحي المدن الكبرى التي أنهكتها البطالة. كما أن اليمين المتطرف يتغذى أيضاً من حالة التوتر التي تعمّ فرنسا منذ موجة الاعتداءات الإرهابية، التي أوقعت 239 قتيلاً في البلاد منذ عام 2015.

ويكمن رهان التشريعيات الآن بالنسبة لـ"الجبهة الوطنية" في استثمار زخم الرئاسيات، لضمان موطئ قدم قوي في البرلمان. وتطمح لوبان إلى الفوز بـ15 إلى 20 مقعداً على الأقل في الانتخابات التشريعية، علماً بأن حزبها ليس لديه حالياً سوى مقعدين في الجمعية الوطنية. وتعكف قيادة الجبهة على وضع اللمسات الأخيرة على لائحة مرشحيها، لتقديمها في دوائر انتخابية منتقاة بعناية بعد قراءة دقيقة لنتائج الرئاسيات لمعرفة المناطق التي صوّت فيها الناخبون بكثافة لصالح لوبان.
وتبقى النقطة السلبية الأكثر خطورة بالنسبة للحزب، هي المتعلقة بماريون ماريشال لوبان، التي أعلنت انسحابها المؤقت من الحياة السياسية وعدم ترشحها للانتخابات التشريعية. واعتُبرت هذه الاستقالة التي جاءت بعد ثلاثة أيام من فوز إيمانويل ماكرون بالرئاسة، بمثابة انتقام شخصي لماريون من خالتها مارين، التي كانت قد تعهدت خلال الحملة الانتخابية بأنها لن تعيّن ماريون وزيرة في حال فوزها بالرئاسة لتفادي "شبهات المحسوبية وبسبب قلة خبرتها في العمل السياسي". والواقع أن الصراع العائلي بين ماريون وخالتها قديم ويعكس الصراع الأيديولوجي داخل الحزب نفسه، لأن ماريون صارت منذ سنوات عديدة تمثّل التراث الأيديولوجي لجدها جان ماري لوبان. وكثيراً ما تُعبّر ماريون عن مواقف أكثر تشدداً من خالتها في القضايا المجتمعية. وهي مقربة من الأوساط الكاثوليكية الملتزمة والمتشددة أخلاقياً والمناهضة للإجهاض، وتدافع سياسياً عن الخط الليبرالي المحافظ. هذه المواقف جعلتها تحظى بشعبية كبيرة في أوساط اليمين المتطرف خصوصاً في جنوب فرنسا، معقل الحزب التاريخي الذي كانت تمثله ماريون في البرلمان المنتهية ولايته.

وبالإضافة إلى ماريون، هناك نائب لوبان، فلوريان فيلبيو، الذي هدد الخميس الماضي بالانسحاب من الحزب في حال تم التراجع عن شعار الخروج من اليورو. وجاء هذا التهديد على خلفية الجدل القائم في الحزب حول هذه النقطة. فهناك عدد من شخصيات الحزب ترى أن هذه النقطة هي التي أطاحت بحظوظ لوبان في الفوز بالرئاسيات لأنها تثير قلق الناخبين الفرنسيين. وكان جيلبير كولار، النائب البرلماني الثاني في الحزب إلى جانب ماريون ماريشال لوبان، قد اعتبر أن على "الجبهة الوطنية" التخلي عن هذا الشعار، قائلاً: "بالنسبة لنا فكرة التخلي عن اليورو انتهت لأن الشعب صوّت ضدها في استفتاء الدورة الثانية من الرئاسيات، وعلى مارين أن تسمع هذه الرسالة".