قراءة إسرائيلية: معاقبة غزة مَهر عباس للقاء ترامب

29 ابريل 2017
يتمتع عباس بمكانة رئيس دولة بلا مسؤوليات(فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
للوهلة الأولى، تبدو الحكومة الإسرائيلية بعيدة عن التصعيد اللفظي والإعلامي بين السلطة الفلسطينية وحركة "حماس"، وتهديدات رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، للحركة، بوقف السلطة كل التزاماتها المالية، وتنصلها من كل مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، خصوصاً في ما يتعلق بدفع تكاليف الكهرباء، ما يوحي عملياً بانضمام السلطة إلى سياسة حصار القطاع ومعاقبة أهله من قبل إسرائيل ومصر، لوجود "حماس" في السلطة في غزة.

لكن المتتبع للصحف الإسرائيلية ومواقعها المختلفة يلاحظ، بلا جهد كبير، حجم المسؤولين والمقربين من عباس الذين يدلون، بكل حرية، بتصريحات تصعيدية ضد "حماس"، لجهة فرض العقوبة عملياً على أهالي القطاع، في محاولة لإخضاع الحركة للقبول بشروط عباس. وزخرت الصحف الإسرائيلية، أيضاً، بتحذيرات من مآل وتداعيات تنفيذ عباس لتهديداته، لجهة تفاقم الكارثة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، ما قد يدفع "حماس"، في نهاية المطاف، إلى تصعيد عسكري في وجه إسرائيل، وبالتالي اندلاع دورة جديدة من المواجهة العسكرية، وصولاً إلى شن عدوان جديد على غزة.

وفي هذا السياق مثلاً برزت، أمس الجمعة، مقالة آفي بنياهو، الذي كان ناطقاً بلسان الجيش الإسرائيلي، ومساعداً لعدد من وزراء الأمن الإسرائيلي، منذ عمله إلى جانب وزير الأمن الأسبق، يتسحاق مردخاي، في عهد حكومة بنيامين نتنياهو الأولى. فقد ذهب بنياهو في مقالة له في "معاريف"، التي اختار أن يصف بها محمود عباس بـ"أبو علي" في إشارة إلى القبضاي أو الفتوة، إلى القول إن "عباس، وهو يستعد للقائه بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يستذكر قول ترامب بشأن الحل إنه يمكن أن يكون دولة أو دولتين، ويدرك أن أحد الخيارين ممكن، ولكن ليس الخيار الثالث، وهو دولة ثالثة، وهو (عباس)، يتمتع منذ سنوات بمكانة رئيس دولة من دون أي مسؤوليات، فله طائرة وحراسة، وحرس شرف وولائم رسمية ومضافات، ولكن إلى جانب ذلك لا يملك مسؤوليات حقيقية كثيرة".

وبحسب بنياهو فقد يكون مرد تصعيد عباس، سنه المتقدمة ورغبته بإبقاء ميراث، وقد يكون ذلك سبب رغبته في الوصول إلى واشنطن، وقد "عزز صورته وهيئته الجماهيرية، إلا أنه أياً كان السبب فإن عباس يستعرض عضلاته أمام حماس مطالباً باستعادة السيطرة على غزة. ومع أنه لا يزال مبكراً القول، أو التخمين، بتحقق ذلك فإنه يمكن القول إن هناك توجهاً جديداً، لا سيما وأن عباس كان قد رفض بعد حرب الجرف الصامد اقتراحاً مصرياً بالعودة إلى غزة، وحتى أنه رفض تحمل المسؤولية عن المعابر خوفاً من المواجهة مع حماس. وهو الآن يستعرض عضلاته، لا يحول الرواتب، ويمارس الضغوط على حماس، وفقط الأيام ستكشف لنا إلى أي حد سيمارس هذه الضغوط، وما إذا كانت قراراً استراتيجياً أم مجرد زينة للقائه في البيت الأبيض".

وإذا كان بنياهو، وهو العالِم ببعض بواطن الأمور في الملف الإسرائيلي ــ الفلسطيني، لا يجزم بهذا الشأن، فإن تسفي برئيل يعلن، في تحليل له في "هآرتس"، أن هذا التصعيد هو "المَهر" الذي يحمله عباس معه إلى واشنطن. ويقول برئيل، الذي يستعرض مجمل الخطوات التي يهدد عباس باتخاذها، وضمنها الإعلان عن قطاع غزة متمرداً على السلطة، وعن "حماس" منظمة إرهابية، إن هذه التهديدات تأتي في الوقت الذي تستعد فيه "حماس" لإعلان وثيقتها السياسية الجديدة، قبل يومين من موعد لقاء عباس وترامب في البيت الأبيض. وبحسب برئيل فإن هذه الضغوط على غزة (وهو لا يستخدم هنا تعبير الضغوط على "حماس") لم تأت صدفة، وهي ليست معزولة أو منقطعة عن السياسة الإقليمية والدولية، إذ إن عباس أعلن، في 11 أبريل/نيسان، وخلال اجتماعه بسفراء فلسطين في العالم في مدينة المنامة، أنه يعتزم اتخاذ خطوات حازمة قريباً ضد "الوضع الخطير" الذي أوجدته "حماس" في القطاع، وتبع ذلك بعد أيام فعلاً إعلانه خفض 30 في المائة من أجور موظفي السلطة الفلسطينية في غزة.

ومع أن برئيل يورد تفسيرات لهذا التصعيد، مأخوذة عن مؤيدي الخطوة، لجهة القول إن عباس يسعى لتحقيق أحد هدفين: هدم وإسقاط حكم "حماس"، أو إخضاع الحركة لشروط السلطة الفلسطينية، وربما كليهما معاً، إلا أنه يمضي قدماً إلى القول إن هذه التفسيرات والتعليلات غير كافية ولا توضح الصورة كاملة. ويقترح برئيل، إضافة لكل ما قيل عن دوافع عباس، ما يقتبسه، هو الآخر عن مصادر فلسطينية، بمصطلح "الجو العام" السائد في العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية ضد "حماس". ووفقا لهذا التفسير فإن عباس يُعِد "المَهر" الذي سيحمله معه إلى واشنطن للقاء ترامب، الذي أعلن من جهته أن الحرب على الإرهاب هي مبدأ أساسي في سياسته الخارجية، وهو مبدأ يشاطره إياه كل من الأردن ومصر والسعودية ودول الخليج، التي تعتبر عباس الشريك الوحيد حالياً الذي يمكن إطلاق مبادرة سياسية معه. وبحسب برئيل، فإنه إذا كان عباس قد خطط لهذا الأمر باعتباره جزءاً من تحرك سياسي وليس خطوة داخلية، فمن شأن ذلك أن يقنع ترامب بأن عباس يحارب الإرهاب فعلاً، وفقاً للشرط الذي وضعه رئيس الحكومة الإسرائيلية، وأن نتنياهو يضلل ترامب والعالم بادعائه أنه لا يوجد شريك فلسطيني للمفاوضات. كما أن هذا التحرك وهذه الخطوة تنسفان أسس الادعاء الإسرائيلي بأن عباس لا يمثل غزة، وبالتالي لا ينبغي التفاوض معه. بهذه الطريقة يستطيع عباس الادعاء، عبر هذه الخطوات، أنه قادر، أو يسعى، لإلزام "حماس" بالموافقة على شروط المصالحة الفلسطينية والاعتراف بحكومة الوفاق الفلسطينية، ما يمنح عباس مكانة من يمثل الشعب الفلسطيني كله. أما في حال رفضت "حماس" كل ذلك فإن بمقدور عباس ضمان تكثيف الضغوط من أجل الإعلان عن "حماس" كمنظمة إرهابية، وهو خيار لا يبدو واقعياً حالياً، لأنه يعني فرض مقاطعة دولية تامة على قطاع غزة، سيطلب عندها من دول، مثل تركيا وقطر، المشاركة فيه.

في غضون ذلك، وإلى أن يتضح ما الذي سيثير انطباع ترامب، وهل ينجح عباس في التخلص من صورة "اللاشريك"، فإن برئيل، ويتفق معه في ذلك آفي بنياهو، ومحللون آخرون في إسرائيل، يرى أن سياسة العقوبات التي يلوح بها عباس تجاه غزة تضع إسرائيل على حافة الانفجار. فالخيارات المطروحة أمامها لنزع فتيل غزة ليست كثيرة، ولا هي مريحة. بإمكانها أن تدفع بنفسها ثمن الكهرباء، أو التوجه لتركيا لزيادة حصتها في المساعدات، أو أن تمدد قطر فترة مساعداتها لغزة، وهي خيارات يصور كل منها إسرائيل باعتبارها من يساعد حكومة "حماس" في غزة، وليس من يحاول تخليص سكان القطاع من الضائقة الاقتصادية والإنسانية. في المقابل، فإن لامبالاة إسرائيلية من شأنها أن تقرب انفجار الوضع في القطاع، وهو ما سبق لضباط كبار في الجيش أن حذروا منه، ما قد يضع إسرائيل أمام جولة عنف جديدة. وفي كلا الحالتين، سيتضح مجدداً أن تجاهل إسرائيل للأزمات السياسية والاقتصادية الفلسطينية هو تهديد استراتيجي.

المساهمون