تحتفل مصر بعيد تحرير سيناء في 25 إبريل/نيسان من كل عام، إحياءً لذكرى خروج آخر جندي إسرائيلي منها تطبيقاً لاتفاق كامب ديفيد. وتأتي الذكرى هذا العام مع انشغال أهالي شمال سيناء في دفن قتيل أو البحث عن مفقود أو مداواة جريح، ليس بفعل الحرب مع الاحتلال الإسرائيلي، بل بفعل الحرب التي أعلنها تنظيم "ولاية سيناء" الذي بايع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ضد القوات المصرية. وفي الوقت الذي يضع فيه قادة الجيش المصري إكليل الزهور على قبر الجندي المجهول في مدن ما قبل القناة، كالإسماعيلية والقاهرة، تزداد قبور المدنيين المصريين الذين قتلوا في الاشتباكات بين "ولاية سيناء" والقوات المصرية، ويرتفع أعداد المختفين قسراً لدى الطرفين.
وللذكرى الخامسة والثلاثين طعمٌ آخر وفق ما يرى سكان محافظة شمال سيناء، فهي تأتي مع وقع نشر مشاهد قتل أبنائهم بدم بارد برصاص الجيش من دون أي تهمة أو محاكمة، ما أظهر حجم الظلم الواقع عليهم منذ سنوات. وفي هذا العام أيضاً، أصبحت سيناء مجزأة جغرافياً في الحكم الميداني بين الجيش المصري و"ولاية سيناء"، لسيطرة الأخير على مساحات واسعة من أرض سيناء، لا يمكن للجيش الوصول إليه براً، بل يكتفي بغارات جوية وقصف مدفعي عن بعد.
وفي هذا العام أيضاً ازدادت معدلات القتل في صفوف المدنيين، إذ شهد الربع الأول من عام 2017 ارتفاعاً مقلقاً في عدد الانتهاكات الواقعة على المدنيين في سيناء المصرية، وفق ما ذكرت منظمة سيناء لحقوق الإنسان، إذ رصدت وقوع ما لا يقل عن 260 انتهاكاً تركز أغلبها في العريش ورفح، بنسبة 76 في المائة، تليهما الشيخ زويد ووسط سيناء بنسبة 18 في المائة، ثم جنوب سيناء وبئر العبد.
وأوضحت المنظمة في بيان لها أن "الطرفين الفاعلين في المنطقة، وهما القوات الأمنية والمسلحة المصرية بشكل أساسي والجماعات المسلحة، استخدما طرقاً عدة في الاعتداءات الواقعة على السكان المحليين، من بينها: التصفية والإعدامات بعد الاعتقال أو الخطف، وإطلاق النار العشوائي، والقصف المدفعي العنيف".
وأتت هذه الذكرى، في ظلّ وجود مناطق واسعة بسيناء بلا بنى تحتية، أو مرافق صحية أو تعليمية، كما تخلو مدينتا رفح، والشيخ زويد، من أية سيارة إسعاف تنقل الجرحى أو المرضى حسبما أكدت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد". وأوضحت المصادر ذاتها أن "غالبية المدارس في مدينتي رفح والشيخ زويد تم تدميرها، أو تحويلها إلى مقار أمنية لقوات الجيش المنتشرة هناك، بينما يعاني سكان المدينتين من انقطاع شبه دائم للكهرباء والمياه، بسبب تعمد الجيش قصف أعمدة الكهرباء والتضييق على فرق الصيانة، بل وصل الحد إلى استهدافهم المباشر مما أدى لمقتل اثنين من فنيي الصيانة خلال الشهر الماضي".
وفي هذه الذكرى، كتب رئيس اتحاد قبائل سيناء إبراهيم المنيعي على صفحته على موقع "فيسبوك"، إنه "في 25 ابريل من كل عام نحتفل بعيد تحرير سيناء، كل عام وأنتم بألف خير أحبتي في سيناء الجريحة، لكن هذا العام بم نحتفل؟ ما هي الإنجازات التي قدمتها الدولة غير القتل والتدمير والتهجير؟ الإنجاز الذي قدمته الدولة أنها أعادت سيناء إلى ما قبل 5 يونيو/حزيران 1967".
وأضاف أن "البنية التحتية مدمرة بالكامل من مدارس ومعاهد أزهرية، ووحدات صحية، وطرق ومزارع، و50 في المائة من الطلاب لم يذهبوا إلى مدارسهم، نتيجة الحرب الدائرة. ونسبة الأمية ارتفعت إلى ما يزيد على 30 في المائة. كما ارتفعت حالات الفقر إلى مستويات مخيفة، وارتفع معدل الجريمة إلى 100 في المائة، وكل عام وأنتم ودولتنا العتيدة بألف خير".
وجاءت هذه الذكرى، وأعداد المهجرين من منازلهم إلى ازدياد، بعد أن طاول التهجير عشرات العائلات من سكان مدينة العريش، التي كانت تعد آمنةً بالمقارنة مع مدينتي رفح والشيخ زويد اللتين تشهدان عمليات مسلحة شبه يومية. ووقفت الدولة المصرية عاجزة عن دعم المهجرين من مناطق سكناهم سوى فئة واحدة، تمثلت بالعائلات المسيحية التي تركت العريش في شهر فبراير/شباط الماضي؛ إثر هجوم "ولاية سيناء" على منازلهم وقتل 8 منهم في عمليات متتالية في غضون عدة أيام.
أما الحاج جهاد الترباني فقد أكد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "آمال سكان سيناء تتلخص في الإفراج عن المعتقلين الذين بلغ عددهم فوق الـ 7 آلاف معتقل ومختفٍ قسرياً، وأن تتعامل الدولة المصرية مع سيناء على أنها جزء من الوطن، وليس كيانا معادياً". وأبدى أهالي سيناء أمهلم في أن "تنتهي الحرب على الإرهاب التي يخوضها النظام المصري ضد الجماعات المسلحة في أقرب وقت؛ بالنظر إلى حجم الانتهاكات التي تعرضوا لها من قبل الطرفين".