الشاهد يتخطّى اختبار التعديلات الحكومية... فهل يتجاوز سنة التحديات؟

06 مارس 2017
أكد الشاهد أنه لن يقيل وزراء بضغط التظاهرات(أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -

مرّ رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد خلال الأيام الماضية بأزمة سياسية كبيرة، توقّع كثيرون في تونس أن يدفع ثمنها باهظاً، غير أن أكبر المتفائلين من داعميه لم يكن ينتظر أن يخرج منها بأقل الأضرار وأكثر صلابة، مما يحيل إلى الاستنتاج بأن رئيس الحكومة بصدد خلط الأوراق من جديد بعد ستة أشهر من توليه رئاسة الحكومة، ووضع قواعد جديدة للمرحلة المقبلة سيتغيّر معها تموضع جهات كثيرة في المشهد السياسي التونسي الحالي، على الرغم من أنه لم يذهب اختيارياً إلى هذا الوضع الجديد، الذي فتح أمامه جبهات أخرى تضاف لكل الملفات المفتوحة.
وكان الشاهد فاجأ الساحة السياسية والشعبية التونسية بقرار لم يكن يتوقعه أحد، بإقالة واحد من أهم الوزراء، وزير الوظيفة العمومية والحوكمة عبيد البريكي، الشخصية النقابية واليسارية البارزة التي تحظى بدعم المنظمة النقابية، اتحاد الشغل، ومساندة طيف سياسي حزبي واسع في تونس. وشكّلت الإقالة اختباراً حقيقياً للشاهد، شخصياً وسياسياً، خصوصاً أن ردود الفعل كانت قوية جداً من كل الجهات، وحتى من الأحزاب الداعمة للحكومة. وجاء الرد الأقوى من النقابة، التي أعلنت حالة الاستنفار وعقدت اجتماعاً طارئاً لهيئتها الإدارية، وأطلق قياديّوها تصريحات نارية ضد هذا القرار، خصوصا أن الشاهد قرّر في الوقت نفسه تعيين رجل الأعمال خليل الغرياني بديلا للبريكي.
وبينما كانت كل التوقعات تشير إلى صدام قوي بين النقابة والحكومة يمكن أن يؤدي حتى إلى إسقاط الأخيرة، استطاع الشاهد أن يتوصل مع الأمين العام الجديد للمنظمة، نور الدين الطبوبي، إلى اتفاق سريع، نزع فتيل الأزمة، وسمّاه الطبوبي بعد خروجه من الاجتماع بـ"انتصار الحكمة ولغة التعقل، لأن البلاد لا تحتاج إلى مزيد من التوترات".
وعلى الرغم من أن ذلك الاتفاق لم تُكشف كل أسراره بعد، فقد اعتذر الغرياني عن المهمة، وساهم في تهدئة الأوضاع نسبياً، ولكن الشاهد لم يكتف بذلك، بل قرّر أيضاً حذف وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة، وإلحاق دوائرها برئاسة الحكومة، لينهي الجدل حول الوزارة من جهة، ويدعم صلاحياته من جهة أخرى.
وخرج الشاهد لوسائل الإعلام، في حركة استعراضية غير مألوفة تمثلت في توجهه إلى إحدى قنوات التلفزة الخاصة (الأكثر مشاهدة) مع عدد من وزرائه، ليؤكد أنه الوحيد الذي يعيّن ويقيل، وأنه لن يقيل وزراء تحت ضغط التظاهرات، كما تطالب منذ سنتين تقريباً نقابات التعليم.
وعلى الرغم من كل الملاحظات التي أثيرت حول هذا الجدل الذي استمر أياماً، وربما يتواصل بعدما قرّر البريكي الخروج إلى وسائل الإعلام أيضاً وتوجيه تهم للحكومة بالتخاذل في مقاومة الفساد، فإن عدداً من الملاحظات والاستنتاجات المهمة برزت من خلال هذه الأزمة. أولها أن الشاهد كان تقريباً وحيداً في إدارتها، إذ تجنّبت الرئاسة التورط في الملف بشكل مباشر، ووجّهت أغلب الأحزاب الموقّعة على وثيقة قرطاج انتقادات كبيرة له على خلفية إقالة البريكي، الذي يحظى باحترام كبير في الساحة السياسية التونسية، وبسبب ما وُصف بالتسرع في الإقالة والتلاسن المتبادل بين البريكي ومسؤولي الحكومة.


ولم يكن الحزبان الكبيران، "نداء تونس" و"النهضة"، بمعزل عن الانتقادات، إذ أعلنا أيضاً عن مفاجأتهماً بالقرار وعدم التنسيق معهما، ولكن الكواليس غيّرت مجرى الأحداث بسرعة، والتقى الحزبان بشكل طارئ، ليعلنا عن دعمهما للشاهد والتصويت لتعديله الوزاري، إذا قرّر التوجّه إلى البرلمان. وأطفأ هذا القرار نيرانا كثيرة مشتعلة بين النواب وفي قواعد الحزبين، ووجّه رسالة واضحة للبقية، بأن الشاهد لن يبقى وحيداً في مواجهة العواصف التي انطلقت من كل مكان.
وأياً تكن بقية تداعيات هذه الأزمة، فقد كانت الاختبارات متعددة لأكثر من طرف، للائتلاف الحاكم ومدى صلابة تحالفه، وخصوصا "النداء" و"النهضة"، ولوثيقة قرطاج التي تتآكل شيئاً فشيئاً، وللشاهد الذي كان يُتَهم بأنه "مجرد وزير أول يتلقى أوامره من الرئيس الباجي قائد السبسي" وليس رئيس حكومة يملك شجاعة سياسية في اتخاذ قراراته.
ولكن الشاهد أظهر، على الأقل في هذه التجربة، أنه صلب جداً ويذهب في خياراته إلى آخر المطاف، ويملك شجاعة واضحة قد تساعده في مشوار طويل ينتهي في 2019، موعد الاختبار السياسي الحقيقي للتونسيين، وربما للشاهد نفسه الذي تؤكد معطيات كثيرة أنه معني بهذا الموعد، وربما تكون هذه الأزمة خطوة مهمة وضرورية على هذا الطريق.
ولكن الشاهد لن يكون بمقدوره أن يلعب بالنار، خصوصا أنه سيقدم على جملة من القرارات الصعبة في المرحلة المقبلة، وسيكون عليه أن يتذكر جيداً أن اتحاد الشغل لا ينسى أبداً، وأن الملفات الموجودة بين الطرفين كبيرة وحاسمة، وأن كل الذين حاولوا مواجهته خسروا في النهاية، ما يدفعه بالضرورة إلى إعادة الروح لوثيقة قرطاج وتقليص الهوة بين أطرافها.
وتدخّل رجل الاتحاد الجديد، نور الدين الطبوبي، مرة أخرى ليقنع نقابة التعليم بتأجيل إضرابها المفتوح، في خطوة تؤكد رصانة سياسية من جهة، وتعطي إشارة أخرى عن الاتفاق المبرم مع الشاهد، في انتظار ما سيُقدم عليه من فك توتر اجتماعي وسياسي يتواصل منذ سنتين بسبب الأزمة مع وزير التربية ناجي جلول.
ويؤدي رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي دوراً مهماً في هذا الاتجاه، إذ اقترح في آخر لقاء له مع رئيس الحكومة أن "يبادر بدعوة كل الموقّعين على وثيقة قرطاج للاجتماع لتجديد الالتزام بالوثيقة وتجسيدها والقيام بتقييم جاد لمحصول ستة أشهر من الأداء الحكومي ورسم معالم واضحة للأجندة الوطنية، ومنها الاستحقاقات الأساسية على غرار الانتخابات المحلية والمناطقية وإصلاح الصناديق الاجتماعية". وأكد بيان للحركة، أن الشاهد أكد "التزام حكومته بنهج التوافق ونيّته دعوة الموقّعين على اتفاق قرطاج إلى الاجتماع من منطلق حرصه على إشراك الجميع والمضي قدماً في الإصلاحات الضرورية".
وسيكون على الشاهد أن ينجح في تهدئة الأوضاع، وإقناع شركائه بأنهم شركاء بالفعل، ولكنه سيكون مطالباً أيضاً بتحمل تبعات تقييم الأشهر الستة من عمر حكومته وتقديم تنازلات حقيقية لمنتقديه من الحلفاء في وثيقة قرطاج. ولكن المهمة الحقيقية تتمثل بالخصوص، ودائماً، في إقناع التونسيين بأنه قادر على تحسين الأوضاع، وترجمة وعوده على أرض الواقع، وعبور سنة صعبة جداً ليس بحساب أقل الخسائر، وإنما بتحقيق شيء ملموس على الأرض، لأن 2017 ستكون محددة لمصيره السياسي، ومصير غيره أيضاً.