صراع المسارات الدبلوماسية في تونس

23 مارس 2017
تشكل نشاطات بعض البرلمانيين أزمة دبلوماسية (ياسين غيدي/الأناضول)
+ الخط -

تبحثُ جميع الأطراف السياسيّة في تونس عن لعب أدوار دبلوماسيّة خارجية، حتى صارت الدبلوماسية التونسيّة برؤوس ثلاثة، الأول "كلاسيكي" رسمي والثاني "برلمانيّ" والثالث "شعبي"، تلتقي مساراتها أحيانا، ولكنها تتعارض حد التوازي والتضارب أحيانا أخرى.     

وحدد دستور 2014 اللاعبين الرئيسيين والمسؤولين عن السياسة الخارجية التونسية، حيث نص على تقاسم هذه الصلاحية بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، مع إعطاء رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، مسؤولية رسم معالم السياسة الخارجية وقيادتها.

وبيّن المدير العام للشؤون القنصليّة بوزارة الخارجية، شفيق حجي، أن السياسة الخارجية التونسيّة تستند إلى جملة من المبادئ، التي تترجم حرص تونس كدولة محبة للسلام، ومتعلقة بالشرعية الدولية، على تقوية أسباب التفاهم والتسامح والتضامن بين الدول والشعوب، دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة والصديقة.

وأشار حجي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك مبادئ تندرج ضمن ثوابت السياسة الخارجية التونسية، وتشكل الإطار العام الذي تتحرك من خلاله الدبلوماسية التونسية، في عملها المتواصل لخدمة مصالح تونس العليا.


وبالرغم من توزيع المسؤوليات والمهام في النظام السياسي التونسي، إلا أن تسابق زعماء سياسيين وقيادات حزبية وأعضاء في البرلمان لإصدار مواقف دبلوماسية من الأزمات السياسية، والحروب التى تشهدها بلدان مثل ليبيا واليمن وسورية والعراق، كما في كثير من الأحيان، ما يشكل تجاوزاً للموقف الرسمي للدولة.

وجاءت زيارات هؤلاء لمختلف العواصم العالمية، ولقاءاتهم المتكررة مع زعماء الدول وكبار المسؤولين، لتثير بعض الانتقادات حتى وصفت بـ"الدبلوماسّية الموازية". ويعتبر المراقبون، أن ما يقوم به هؤلاء يعد تدخلا خطيراً في شؤون إدارة الدولة، وفوضى دبلوماسية قد تقوّض علاقات تونس الخارجيّة.

في المقابل تشير التبريرات، إلى أنها مبادرات تصب جميعها في خانة المبادرات الخاصة والشخصية، وهي لا تتعارض ومصالح البلاد، وتندرج في إطار "الدبلوماسيّة الشعبيّة"، وهي ليست بعثات باسم الدولة التونسية ولا تمثّل بديلا عن الدبلوماسية الرسميّة للبلاد.

ويصنف مراقبون رئيس حركة النهضة الإسلامية، راشد الغنوشي، زعيم الدبلوماسية الشعبية في تونس، فيما يحاول رئيس حركة مشروع تونس، محسن مرزوق، أن يكون منافسه الأول في ذلك. 

 من جهة أخرى يصنف رئيس مجلس نواب الشعب، محمد الناصر، كقائد الدبلوماسية البرلمانية، فيما تندرج مواقفه وتصريحاته في خانة مناصرة الدبلوماسية الكلاسيكية وتدعيمها بالتنسيق مع رئيس الجمهورية، غير أن مواقف أعضاء البرلمان وزياراتهم كثيرا ما كانت محل إزعاج للدبلوماسية الرسمية، بلغت حد الفوضى، حيث تداخلت المواقف الحزبية والسياسية لتشوش على الموقف الرسمي للدولة.

ولعل من أبرز التحركات الدبلوماسية الشعبية أو الدبلوماسية الموازية التي أثارت انتقادات وسائل الإعلام المحلية والدولية، هي زيارة مجموعة من النواب إلى دمشق مؤخراً، ولقاؤهم برئيس النظام السوري، بشار الأسد، وعدد من كبار مسؤوليه، دون تنسيق مسبق أو حتى مجرد إعلام رئيس الجمهورية ووزير الخارجية ورئيس البرلمان. وكذلك اللقاء الذي جمع محسن مرزوق، رئيس حركة مشروع تونس، بالجنرال المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا، ترافقه مجموعة من النواب دون سابق إعلام أو تنسيق، بالإضافة إلى زيارة رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، إلى الجزائر ولقائه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وما تبعها من لقاءات.

وفي هذا السياق، قال خبير العلاقات الدولية، عبد الله العبيدي، إن "الدبلوماسية التونسية تعيش حالة من الضعف منذ الثورة"، معتبراً أن أداءها بقي هزيلاً، ما يعكس بالضرورة ضعف الحكومات المُتعاقبة التي فشلت في التسويق للثورة، وللانتقال الديمقراطي، والاستثمار في جائزة نوبل للسلام، وحتى النجاح السياسي والاستقرار الأمني الذي تعيشه تونس منذ فترة، وهو ما كان سبباً في غياب الدعم الخارجي".

وعن التحركات التي يقوم بها رؤساء الأحزاب والنواب وعلاقتها بالدبلوماسية التونسية، بيّن العبيدي لـ"العربي الجديد"، أنها لم تقدم أية إضافة ملموسة لتونس بالمعنى الاقتصادي أو السياسي، بل تدخل جميعها في نطاق خدمة مصالح خاصة، وتندرج في إطار اللقاءات مع الحلفاء المحتملين أو الحلفاء المرتقبين للفترات المقبلة، مشيرًا إلى أن هذه التحركات لا يمكن توصيفها بالدبلوماسية الشعبية المتعارف عليها دولياً.

 

 

 

المساهمون