12 مصدراً لتمويل "داعش"... بعيداً عن النفط

20 مارس 2017
الحرب ضد "داعش" ميدانية ومالية (مارتن أيم/Getty)
+ الخط -
تحاول السلطات العراقية في بغداد بمساعدة محققين دوليين من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وسويسرا منذ نحو تسعة أشهر، تضييق الخناق على مصادر تمويل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من خلال سلسلة إجراءات فنية وعسكرية صارمة، نجحت إلى حدّ ما في تحقيق تقدم بهذا الملف، الذي يعده خبراء بشؤون الجماعات المسلحة، تحدثت معهم "العربي الجديد"، الشريان الرئيس لاستمرارية التنظيم بفاعلية مرتفعة ميدانياً. وخلال الأعوام الثلاثة الماضية، حصل "داعش" على نحو 550 مليون دولار من عائدات بيع النفط العراقي والسوري لشبكات تهريب إيرانية وتركية وأخرى محلية عراقية وسورية، من خلال استغلال حقول النجمة والقيارة وعجيل وعلاس في العراق، وحقلي الورد والتيم في سورية، إلا أنه مع منتصف عام 2016 بدأ هذا المصدر بالنضوب، إثر مباشرة التحالف الدولي قصف أرتال النفط الخارجة من المواقع والمدن التي يسيطر عليها "داعش" بالعراق وسورية، أعقبها نجاح بغداد في استرداد الحقول النفطية الأربعة التي كان يسيطر عليها التنظيم في العراق، ما أفقده أكثر من 60 في المائة من إيراداته المالية. ويتعرّض التنظيم لخسارة مالية تتزامن مع فقدانه أكثر من ثلثي المساحات التي كان يسيطر عليها بالعراق وسورية، إلا أن مسؤولين عراقيين يشيرون لـ"العربي الجديد"، إلى "وجود مصادر أخرى ما زالت الجهود لوقفها في مراحلها الأولى وتحتاج لفترة طويلة".

في هذا الصدد، يشير مسؤول رفيع في وزارة المالية العراقية لـ"العربي الجديد"، إلى أن "مصادر تمويل التنظيم غير النفطية كثيرة، وتصل إلى 12 مصدراً مالياً مختلفاً، تدرّ عليه شهرياً مبالغ كبيرة. وتتيح له الاستمرار ودفع مرتبات عناصره وتمويل عملياته وشراء حاجياته ودفع الرشى المالية في العراق وخارجه، لتخليص بعض الأمور عنده، كإطلاق سراح عناصره الذين يقعون بالأسر أو تمرير شحنات تابعة له في مناطق نفوذ خصومه، مستغلاً الفساد المستشري في القوات العراقية وتلك التابعة لنظام الأسد في سورية".

ويؤكد المسؤول، الذي يعمل ضمن لجنة عراقية أميركية لمتابعة الحوالات المالية عبر الشركات الأهلية والبنوك الداخلة للعراق، أن "أبرز ما تبقى للتنظيم من مصادر تمويل تحتاج إلى جهد استخباري كبير، فهي صعبة التتبُّع ووقفها أكثر صعوبة". ويضيف أنه "لدى التنظيم تجارة تهريب الآثار ولديه خلايا في بيروت ودمشق وبغداد على وجه التحديد، تعمل على تصريف آثاره، وهي بالعادة مواد نفيسة ونادرة وتصل بعض القطع منها لأسعار قياسية، وهو مصدر مالي مهم. ويحصل التنظيم أيضاً على نحو 100 ألف دولار شهرياً من ضرائب يفرضها بطريقة الإتاوة، على التجار والمزارعين وأصحاب المهن. كما يحصل على التمويل من تأجيره ممتلكات الدولة، كالدكاكين والمحال التجارية والمعامل والأراضي الزراعية والورش الصناعية. وهذه مصادر داخلية لا يمكن وقفها بسهولة، ويمكن القول إنها كافية لتأمين مرتبات عناصره البالغ تعدداهم نحو 30 ألف مقاتل".



ويضيف المسؤول أن "داعش يحصل على تمويل خارجي من خلال الحوالات المالية التي ترد بأسماء مختلفة وتحت عناوين مختلفة من خارج العراق، وبعضها من دول أوروبية وآسيوية، تبلغ نحو 250 ألف دولار شهرياً، وتأتي بشكل متفرق. وقد أوقفنا حتى الآن عمل سبع شركات ووضعنا نحو 100 شخصية على لائحة المنع في التعامل المالي، إلا أن الحوالات ما زالت ترد إلى التنظيم"، مؤكدا أن "المصدر الخارجي للتمويل الآخر هو نظام الأسد".

ويبيّن في هذا السياق، أن "داعش يحصل شهرياً على مئات آلاف الدولارات من نظام الأسد، لقاء صفقات عدة، بينها الغاز الذي يزود المحطات الكهربائية في دمشق وحمص، وتأمين أبراج الكهرباء أو خطوط الاتصال، وعدم إغلاق القناة المائية التي تعبر لمناطق النظام والآتية من سدّ على نهر الفرات يسيطر عليه التنظيم". ويستدرك قائلاً إن "النظام يعقد صفقة مع التنظيم تحت خانة تبادل مصالح، وهذا واضح جداً ولم يعد الأمر خافياً على أحد، لكن بغداد بسبب علاقتها مع دمشق تغضّ الطرف عن ذلك". وسبق لـ"داعش" أن أعلن مطلع عام 2015، عن "ميزانية مالية قُدّرت بنحو ملياري دولار، بفائض مالي قدره 250 مليون دولار".

ويوضح الخبير في شؤون الجماعات المسلحة عبد الودود الجبوري، أن "داعش كان يعتمد بشكل أساسي على تهريب النفط كمصدر للتمويل، من الحقول التي يسيطر عليها في العراق وسورية، ولكن بعد تقلص المساحات التي يسيطر عليها أصبح يتجه نحو بدائل أخرى". ويلفت إلى أن "تقلّص مساحاته أدى أيضاً إلى انخفاض نسبة ما يحتاجه من الأموال، لذا يمكن القول إن مسألة الحصول على المال ليست مشكلة بالنسبة للتنظيم حتى الآن".

ولم يكن النفط وتهريب الآثار والضرائب والإتاوات، المصادر الوحيدة للتنظيم في بداية سيطرته على المدن العراقية، بل كانت المبالغ الكبيرة التي تركتها القوات الحكومية في المصارف قبل انسحابها، مصدراً آخر، إذ تقدّر تقارير حكومية عراقية استحواذ "داعش" على أكثر من 5 مليارات دولار من المصارف والشركات المالية في غرب العراق وشماله، بواقع 187 مصرفاً وشركة مالية، فضلاً عن ممتلكات مالية في دوائر الدولة ومؤسساتها، بينها مرتبات أكثر من مليوني موظف، كانوا على وشك تسلّمها عند اجتياح التنظيم تلك المناطق".

ويعتبر خبراء أن "مصادر تمويل التنظيم في العراق غير منفصلة عن مصادر تمويله في سورية، باعتباره تنظيماً لا يعترف بالحدود الجغرافية، ولا توجد فوارق راديكالية بين فروع التنظيم في البلدين، لذا فما يحصل عليه في سورية يصبّ بالنهاية لصالح عملياته بالعراق والعكس صحيح".

بدوره، يرى الخبير الاقتصادي عايد الشمري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "المساحة الشاسعة التي سيطر عليها التنظيم في العراق وسورية، وفّرت له مصادر تمويل هائلة، أبرزها النفط والآثار، لكنه كان يعتمد في الوقت ذاته على الضرائب والإتاوات بشكل ثانوي في بداية سيطرته".

ويلفت الشمري إلى أن "تقلص المساحات التي يسيطر عليها التنظيم في العراق، أفقدته مصادر تمويل كبيرة، فبدأ يتجه نحو تهريب الآثار وزيادة الضرائب والإتاوات التي يفرضها على المعامل والورش الصناعية والمواطنين وأصحاب سيارات الحمل لتعويض خسائره الكبيرة".

وسبق أن فرضت الحكومة العراقية منتصف عام 2015 رقابة مشددة على المصارف وشركات الصرافة، للاشتباه بوجود تحويلات مالية مشبوهة، عبر وسطاء تصل إلى أشخاص مرتبطين بـ"داعش". كما اتهمت اللجنة المالية في البرلمان في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، نحو 37 شركة صرافة بتحويل الأموال لـ"داعش" في العراق، في وقت متزامن مع إصدار وزارة الخزانة الأميركية عقوبات مالية، شملت شركتين للتحويل المالي إحداهما عراقية والأخرى سورية.