ذكرى تحرير الكويت: الملفات مع العراق لا تزال عالقة

28 فبراير 2017
كويتيات يحتفلن بعيد التحرير في العاصمة (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
على وقع الاحتفالات الكويتية بالذكرى السادسة والعشرين لإعلان تحرير الكويت، في فبراير/شباط 1991، يحاول قادة العراق والكويت السير قدماً في طريق طويلة لترميم العلاقات بين البلدين، والتي عادت بعد الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003. ويحاول البلدان حل المشاكل العالقة بينهما، وعلى رأسها مشكلة التعويضات المالية المستحقة للكويت على العراق، وتطبيق الاتفاقيات الخاصة بترسيم الحدود وآبار النفط المشتركة، والتوجس الأمني الكبير الذي تشكله مليشيات "الحشد الشعبي"، والمخاوف من هذه المليشيات على أمن الكويت مستقبلاً.

وعلى الرغم من ارتياح القيادة الكويتية لسقوط نظام صدام حسين في 2003، إلا أنها ما تزال تنظر بتوجس إلى العراق، باعتباره مصدر تهديد مستمر لاستقرارها، ما دفع أمير البلاد، الشيخ صباح الأحمد الصباح، إلى تسريع إنهاء كافة الملفات العالقة مع بغداد، عبر مسارعة وزارة الخارجية الكويتية لتوقيع كافة الاتفاقيات الخاصة بالترسيم الملاحي لمياه خور عبدالله في الخليج العربي بين الكويت والعراق. وقرر أمير الكويت في العام 2010 إيقاف بناء جزء من ميناء مبارك شمال الكويت، بناء على طلب من الحكومة العراقية. ووافق وزير الخارجية الكويتي، الشيخ صباح الخالد الصباح، على طلب الحكومة العراقية تأجيل جزء كبير من الدفعة النهائية لتعويضات الحرب المقررة على العراق للكويت حتى تتعافى أسعار النفط العالمية. وكانت الأمم المتحدة أدخلت العراق تحت البند السابع بعد غزوه للكويت، وفرضت عليه تعويضات بلغت أكثر من 52 مليار دولار، لم يتبق منها سوى 5 مليارات، سيدفعها العراق في 2018 بعد موافقة الكويت على التأجيل.

وقال الباحث السياسي، عبد الملك التميمي، لـ"العربي الجديد"، "في السياق التاريخي، الكويت تعاني توجساً دائماً من العراق، لأنه يحاول تفريغ أزماته في الكويت بين وقت وآخر، مهدداً باحتلالها، فارضاً عليها مطالبه. وهذا ما دفع أمير الكويت، وهو رجل ذو خبرة دبلوماسية كبيرة، بالسعي لإنهاء أي ملف عالق قد يعطي العراق عذراً لتهديد الكويت مرة أخرى، خصوصاً ما يخص مسألة حقل الرميلة النفطي، إذ زار وزير النفط العراقي الكويت أواخر العام الماضي والتقى بالقيادات السياسية هنا". وأضاف "فيما يخص الأمن، فإن المليشيات المنفلتة في العراق اليوم قد تشكل تهديداً على الكويت، خصوصاً إذا انتهت المعارك ضد تنظيم داعش ولم تجد المليشيات عملاً لها. وهذا التهديد ظهرت بوادره عندما قام نواب برلمانيون باستخدام اتفاقيات تنظيم الملاحة بين الكويت والعراق في مياه الخليج لحيل انتخابية خاصة بهم". ولا يخفي التميمي تفاؤله بمستقبل العلاقات الكويتية العراقية، إذ يرى أن الكويت استفادت من أخطائها السابقة مع العراق، فتحولت اليوم "من دولة منعزلة عن العراق، بعد حرب التحرير، إلى دولة تسعى للصلح بين العراق والدول الخليجية الأخرى. كما أنها أضحت المنفذ الخليجي الوحيد للعراق، حيث تمر يومياً آلاف الأطنان من البضائع والمواد التجارية وقوافل السياحة الدينية التي تزور مدن كربلاء والنجف".


وتعود الاضطرابات في العلاقات السياسية بين البلدين إلى عهد الملكية، إذ هدد الملك غازي بن فيصل الأول بضم الكويت إلى العراق، إثر خلافاته مع البريطانيين في ثلاثينيات القرن الماضي. ثم حاول رئيس الوزراء العراقي آنذاك، نوري السعيد، ضم الكويت إلى الاتحاد الهاشمي الذي شكلته الحكومتان العراقية والأردنية عام 1958، رداً على قيام الجمهورية العربية المتحدة، لكن حكومة الكويت، الواقعة تحت الانتداب البريطاني، رفضت هذا الاقتراح رفضاً تاماً. وبعد استقلال الكويت، في العام 1961، أعلن الرئيس العراقي آنذاك، عبد الكريم قاسم، من داخل مقر وزارة الدفاع العراقية ضم الكويت رسمياً، ما أدى إلى تدخل البريطانيين لإيقاف طموحات قاسم. وغير انقلاب 1963، الذي جاء بالرئيس العراقي عبد السلام عارف، مجرى العلاقات الكويتية العراقية، إذ اعترف العراق رسمياً باستقلال الكويت، من دون إنهاء المشكلات الحدودية العالقة بين البلدين. وفي عام 1965 طالبت الحكومة العراقية الكويت بالتنازل عن جزيرتي وربة وبوبيان، اللتين تقعان بمحاذاة خور عبدالله شمال الكويت، مقابل تنازل بغداد عن منطقة أم قصر العراقية، لكن الحكومة الكويتية رفضت. وتفجرت الخلافات بين البلدين مرة أخرى حين اندلعت اشتباكات بين قوات الشرطة الحدودية الكويتية والجيش العراقي في مركز الصامتة الحدودي، أدت إلى مقتل شرطيين كويتيين وجندي عراقي.

وبعد الإطاحة بشاه إيران في 1979، واندلاع الحرب العراقية الإيرانية بعدها بعام واحد، دعمت الحكومة الكويتية العراق بالمال والسلاح، طمعاً منها في وقف "تصدير الثورة"، الذي أعلنه قائد الثورة الإيرانية الخميني. وخلال الحرب، طالب العراق أكثر من مرة، على لسان وزير خارجيته السابق، طارق عزيز باستئجار جزيرتي وربة وبوبيان لإقامة قواعد عسكرية عليهما ترجح كفة العراق في مواجهة إيران، لكن الحكومة الكويتية استمرت بالرفض متذرعة بحماية السيادة الكويتية وعدم الانجرار الكامل في الحرب ضد طهران، رغم أن الجماعات الموالية لإيران هاجمت الكويت بسبب موقفها من الحرب، وقامت بتدمير عدة منشآت نفطية، بالإضافة إلى محاولة اغتيال أمير البلاد، الشيخ جابر الأحمد الصباح في العام 1985.

وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عادت الأزمة بين البلدين للظهور، بعد اتهامات وجهت للكويت بتدمير الاقتصاد العراقي وسرقة النفط من الحقول المشتركة، بالإضافة إلى مشكلة جزيرتي وربة وبوبيان. وفي أغسطس/آب 1990 دخلت قوات الحرس الجمهوري العراقية دولة الكويت، واستطاعت احتلالها في غضون ساعات قليلة، ليستمر العراق بالسيطرة على الكويت، إلى أن قامت الولايات المتحدة بقيادة تحالف دولي لضرب العراق، وإجباره على سحب قواته من الكويت، الأمر الذي حدث في فبراير/شباط 1991. وأحرقت القوات العراقية 1073 بئراً نفطياً، ما تسبب بكارثة بيئية ضخمة في الخليج العربي. وبعد الانسحاب ساهمت الكويت في فرض الحصار الاقتصادي الخانق على العراق، واستطاعت انتزاع القرار 833 من الأمم المتحدة، الذي ساهم في ترسيم الحدود رسمياً بين البلدين، وبموافقة الجانب العراقي. كما دعمت الكويت بشدة عملية الغزو الأميركي للعراق في 2003، إذ إنها فتحت أراضيها لإقامة القواعد الأميركية التي انطلقت منها القوات الأميركية والبريطانية لاحتلال العراق، وإسقاط نظام صدام حسين. وأعادت كافة العلاقات السياسية والتجارية مع العراق بعد استبدال النظام، وعينت أول سفير لها، بشكل رسمي، في 2008.

وسمحت الحكومة الكويتية بدخول العراقيين للعمل أو الدراسة في الكويت. كما سمحت لمئات رجال الدين بإلقاء الخطب الوعظية في المساجد والحسينيات. وأمرت بإنهاء حالة الحظر المفروضة على بث الأغاني والمسلسلات العراقية في التلفاز والإذاعة وإنهاء حالة القطيعة الثقافية بين البلدين. وتسعى الكويت أيضاً إلى لعب دور الوسيط في المنطقة، وبالتحديد في حل الخلافات المشتعلة بين طهران والرياض وبغداد، في محاولة للعب دور سياسي أكبر، يضع الكويت في سياق متصالح مع القوى المحيطة بها، والمؤثرة في استقرارها.