الوثيقة السياسية لـ"حماس" لمخاطبة الداخل والخارج بلا تنازلات

21 فبراير 2017
استمرّ إعداد الوثيقة أكثر من سنة (علي جادالله/الأناضول)
+ الخط -


باتت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، على مشارف إعلان وثيقة سياسية جديدة، تحمل فكرها وتجربتها خلال الثلاثين سنة الماضية، ومحددات علاقاتها الداخلية والخارجية، وهي التي ترغب بقوة في أن تعيد صياغة رؤيتها أمام العالم، في محاولة لتغيير صورتها. على أنّ الوثيقة المتوقع صدورها قريباً، مع تشكيل المكتب السياسي الجديد للحركة، ستترجم بلغات عدة وستكون متاحة للجميع، وهي تستهدف الخارج بشكل أساسي، ويبدو أنها نتاج استماع الحركة لمسؤولين غربيين ونصائح داخلية لإطلاق وثيقة تفسر مواقفها.

في هذا السياق، أعلن رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، خالد مشعل، أنّ "حركته أعدّت وثيقة سياسية جديدة، سيتم نشرها خلال الأسابيع القليلة المقبلة". وأضاف أنه "استمر إعداد الوثيقة أكثر من عام وستقدم كتجربة وخبرة متراكمة اكتسبتها الحركة على مدار سنوات عملها"، مشيراً إلى أنها "لن تكون بعيدة عن جذور الحركة واستراتيجيتها، بل لتصب في ذات الهدف وتسهم في إنجاز المشروع الوطني".

وعلى الرغم من تحفظ قيادات في "حماس" في غزة عن الحديث عن الوثيقة السياسية، إلا أنّ النائب عن الحركة في المجلس التشريعي الفلسطيني يحيي موسى قال لـ"العربي الجديد"، إنّه "بدأ وضع الأسس الجديدة لها منذ الدورة الانتخابية الأخيرة للحركة، التي أجريت قبل أربع سنوات تقريباً". وأضاف أنّ "عملية كتابة الوثيقة تجري عبر أعلى جهة شورية داخل أروقة حركة حماس وعبر لجان مختصة، ثم يجري مناقشتها بشكل موسع عبر اللجان الشورية، والمكاتب السياسية الخاصة بها تمهيداً لاعتمادها". ولفت إلى أنّ "الوثيقة تأتي في إطار حالة التطور التي تعيشها الحركة، والتي تحتاج معها إلى وضع أسس تتناسب مع واقعها، وتضع الكثير من المحددات المتعلقة ببرنامجها السياسي، وعلاقاتها الخارجية".

من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة في غزة، حسام الدجني لـ"العربي الجديد"، إنه "من الطبيعي أن يكون هناك تحول في الفكر السياسي لحركة حماس، فيما يتصل بالملفات المهمة في المنطقة، والصراع مع الاحتلال الإسرائيلي". ولفت إلى أنه "من الظلم محاسبة حماس على ميثاق بلغ عمره أكثر من 28 عاماً، وإنه يجب أن يكون هناك بناء على أفكار جديدة تنسجم مع طبيعة الواقع، وطبيعة البُنية التنظيمية للحركة، باعتبار أنها تتقدم الفصائل الفلسطينية اليوم، وتقود شعباً في قطاع غزة. فالضرورة السياسية تفرض إعادة قراءة ميثاق حماس، بما يتوافق مع الوزن السياسي الكبير لها في المنطقة العربية اليوم، وبحكم تطور علاقاتها العربية والإقليمية، باعتبارها فاعلاً سياسياً مؤثراً".



وبيّن الدجني أنّ "الوثيقة الجديدة لا تعتبر انقلاباً على ميثاق الحركة بقدر ما هي استدراك له بما ينسجم مع المتطلبات الإقليمية الحاضرة"، مشيراً إلى أنّ "حماس باتت اليوم حركة فاعلة في المشهد الإقليمي والدولي، وهذا يفرض أن تترجم هذا الدور إلى رؤية تتفق مع الواقعية السياسية". وشدّد على أنّ "الوثيقة الجديدة تعتبر تحولاً مهماً يخدم حركة حماس، وترجمة للعديد من المطالب التي سبق أن أرسلها إلى قيادة الحركة كثير من المختصين في الملف الفلسطيني".

وعن دلالات التوقيت، قال الدجني إنّ "توقيت الإعلان مع تشكيل مكتب سياسي جديد يؤكد أنّ الحركة تريد صناعة تغيير يساهم في إحداث إختراق سياسي ودبلوماسي في علاقاتاتها الخارجية والداخلية، ما قد يساهم في دعم توجهات بعض الأطراف الغربية التي تجد من الميثاق القديم مبرراً لـ"أرهبتها" لتأتي هذه الوثيقة وتساهم في رفع حماس من قوائم الإرهاب الدولي". وتوقع أنّ "تحدث الوثيقة السياسية الجديدة ردود أفعال تخدم حماس وتوجهاتها السياسية كحركة قائدة وذات تأثير في المنطقة، لأنها توضح مفاهيم ذات علاقة بالمدنية وتفسر بشكل أكثر وضوحاً بعض المصطلحات والمفاهيم المتعلقة بالصراع والعلاقات الخارجية والداخلية".

بدوره، رأى الكاتب والمحلل السياسي، تيسير محيسن لـ"العربي الجديد"، أنّ "الوثيقة السياسية لحماس جاءت كضرورة بعد الميثاق العام لها الذي صدر عام 1988 والذي لاقى انتقادات كثيرة، تحديداً المتعلق بنظر الحركة لليهود ككل، والعلاقات الخارجية والداخلية والارتباطات الإقليمية وغيرها". وأوضح أنه "بات من الضرورة مراجعة مفردات الميثاق والواقع الذي أضحت الحركة الإسلامية تعيشه الآن سواء في المجتمع العربي والدولي وحتى على الصعيد الوطني الداخلي، كونها أضحت حركة وازنة". ونبّه إلى أن "التحديات التي واجهت الحركة على صعيد القبول الدولي هي أبرز العقبات التي واجهتها بمختلف مراحل عمرها الذي شارف على العقد الثالث، فالبعض يتعامل معها على أنها جزء من حركة التحرر، والبعض يتعامل معها كتنظيم إرهابي والآخر على استحياء كبعض الدول الأجنبية والعربية".

وأوضح محيسن أنّ "حركة حماس باتت تُعد نفسها لتكون حركة جماهيرية واسعة وتسعى لتقديم نفسها كلاعب رئيسي في المنطقة، وهو ما يفرض عليها تقديم وثيقة سياسية محددة الملامح وتحمل تعريفاً دقيقاً لها". وأشار إلى أن "الميثاق العام للحركة الذي أُعلن مع انطلاقتها بات يشكل عبئاً عليها ووضع على حماس علامات استفهام عجزت هي عن الإجابة عنها بطريقة مقنعة، لا سيما على صعيد العلاقات مع المجتمع الدولي". ورجّح أن "يشهد الميثاق الجديد للحركة توضيحاً شاملاً لعلاقتها مع حركة الإخوان المسلمين وسيعيد رسم العلاقة مع التنظيم، بما يخدم الهدف الرئيسي الذي تسعى إليه الحركة وهو الوصول إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كحركة تحرر وطني".