النظام وأكراد سورية: توجه نحو الصدام العسكري

30 ديسمبر 2017
سيطر الأكراد على مناطق تضم ثروات طبيعية(بولنت كيليك/فرانس برس)
+ الخط -
تتجه الأوضاع بين النظام السوري وأطراف كردية سورية إلى مزيد من التعقيد والتأزيم، في ظل إصرار هذه الأطراف على ترسيخ وجود عسكري في شمال وشمال شرقي سورية، تشير المعطيات إلى أنه بدأ يتحول إلى ما هو أكثر من ذلك، وسط حديث عن إنشاء جيش مدعوم من الولايات المتحدة الأميركية مهمته الدفاع عن المناطق التي سيطرت عليها الوحدات الكردية، وتُقدّر بنحو ربع مساحة البلاد.

ويرى كثيرون أهمية كبيرة في ما حصل في مدينة الطبقة قبل يومين في إطار توقع نوعية العلاقة بين الأكراد والنظام السوري مستقبلاً. والطبقة في ريف الرقة، هي مدينة سكانها عرب وسيطرت عليها "قوات سورية الديمقراطية" بعد طرد "داعش" منها في مايو/أيار الماضي، وقد شهدت قبل أيام تظاهرة نظمتها "وحدات حماية الشعب" الكردية، ورفع مئات المشاركين فيها أعلام هذه الوحدات، هاتفين بشعاراتٍ ضد نظام الأسد، الذي وصف الجماعات الكردية المسلحة المدعومة من الولايات المتحدة بـ"الخونة".

وتبادل الطرفان في الآونة الأخيرة اتهامات بالخيانة، ما قد يفتح باب صدام عسكري حاولا قدر الإمكان تفاديه، ولكن انتهاء الحرب على تنظيم "داعش" قرّب إلى حد بعيد هذا الصدام المتوقع، خصوصاً أن الأكراد سيطروا على مناطق لا يمكن للنظام الاستغناء عنها كونها تضم ثروات سورية النفطية والزراعية. ورفعت أطراف كردية سقف التحدي للنظام، إذ أكدت مصادر أنه يجري العمل على تأسيس قوة عسكرية جديدة شمال سورية، مكونة من مقاتلين أكراد بالدرجة الأولى، تحت مسمى "جيش شمال سورية"، بدعم من الولايات المتحدة.

ونقلت وسائل إعلام محلية كردية عن قائد التشكيل العسكري الجديد، سيابند ولات، قوله إنه تم البدء بتأسيس قوة عسكرية جديدة اسمها "كردستان سورية" لحماية أمن الحدود شمال البلاد، وأوضح أن عملهم لن يقتصر على حماية "كردستان سورية" فقط، بل سيشمل محافظتي الرقة ودير الزور أيضاً. وأضاف ولات أن "هذه القوة يجري تنظيمها على شكل جيش مكوّن من الوحدات الكردية المقاتلة في شمال سورية والتي سبق أن شاركت في الحرب على داعش"، مشيراً إلى فتح معسكرات تدريب في مدن الجزيرة، عين العرب (كوباني)، عفرين، منبج، والطبقة، بدعم من التحالف الدولي (بقيادة الولايات المتحدة) الذي يقدم لهم الدعم التقني والأسلحة والتدريب. وأعلن القائد الكردي أن هذه القوات سوف "تتصدى لأي هجوم على مناطقها، إذ إنها تتمتع بالاحترافية والخبرة، ولن يكون بإمكان تركيا أو سورية أو أي بلد آخر أن يتجاوز أراضينا بسهولة بعد الآن".

واتهمت وسائل إعلام تابعة للنظام الوحدات الكردية بمحاولة "تكريد" المناطق العربية في سورية التي تقع تحت سيطرتها من خلال افتتاح مدارس تعلّم اللغة الكردية. وأكدت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن النظام ينوي التصعيد ضد الوحدات الكردية، خصوصاً في محافظة الرقة التي تسيطر على معظمها، وفي ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات الذي سيطرت عليه أخيراً، مشيرة إلى أن الدعم الأميركي للوحدات هو ما يحول دون محاولة قوات النظام اقتحام المناطق التي تسيطر عليها هذه الوحدات.

وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد، اتهم المنضوين في "قوات سورية الديمقراطية"، التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، بـ"الخيانة"، إذ قال، في تصريحات تلفزيونية: "كل من يعمل تحت قيادة أي بلد أجنبي في بلده وضد جيشه وضد شعبه هو خائن، بكل بساطة، بغض النظر عن التسمية، هذا هو تقييمنا لتلك المجموعات التي تعمل لصالح الأميركيين".
ولم يتأخر رد "قوات سورية الديمقراطية" على كلام الأسد، فقالت في بيان، إن الأسد اتهمها بالخيانة "لأنها قصمت ظهر الإرهاب في شمال سورية، وقلبت الطاولة على من كان يراهن على الإرهاب". وأشارت إلى أنها "لم تستغرب هذه التصريحات"، واصفةً نفسها بأنها "جيش وطني يحارب الإرهاب ويدحره في كل الميادين".

ولا توجد إحصائيات يمكن الركون إليها لعدد الأكراد في سورية، لكن مصادر كردية ترى أن عددهم يتراوح بين المليونين ونصف، والثلاثة ملايين، موزعين في عموم الجغرافيا السورية. ويتمركز الأكراد في منطقة عفرين، التي تضم مئات القرى الكردية في شمال غربي حلب، وفي عين العرب وفي بعض ريفها في شمال شرقي حلب، على الحدود السورية التركية.
ولكن الثقل الرئيسي للأكراد في سورية هو في محافظة الحسكة، ويبدأ من رأس العين، مروراً بالدرباسية وعامودا والقامشلي وصولاً إلى ديريك، قرب الحدود العراقية. كما أن هناك وجوداً للأكراد في مدينة حلب، تحديداً في حيي الشيخ مقصود والأشرفية، وفي ريف مدينة الباب، شمال حلب، وفي دمشق، ومدينة حماة.

وهاجر عدد من أكراد سورية إلى أوروبا، خصوصاً إلى ألمانيا، خلال سنوات الثورة السورية، مع تطبيق الوحدات الكردية نظام التجنيد الإجباري الذي دفع عدداً كبيراً من الشباب الكردي للهجرة. وهناك عدد من أكراد سورية الذين فقدوا صلتهم باللغة الكردية نتيجة عيشهم في وسط عربي في العاصمة دمشق، وفي مدن سورية أخرى، وتشربوا الثقافة العربية.


ومرت العلاقة بين نظام الأسدين (الأب والابن) والأكراد بالعديد من المحطات المفصلية، إذ يتهم الأكراد النظام بتهميشهم وإقصائهم عن المشهد السوري، وحرمان عشرات الآلاف منهم من الجنسية والعمل على تعريبهم من خلال فرض التعليم باللغة العربية في مناطقهم. واستخدم حافظ الأسد الورقة الكردية على نطاق واسع إبان تردي العلاقة بين نظامه وتركيا، إذ دعم حزب "العمال الكردستاني" وزعيمه عبد الله أوجلان، وسمح له بافتتاح معسكرات تدريب داخل الأراضي السورية. ولكن الأسد تخلى عن أوجلان بسهولة عندما هدد الجيش التركي في تسعينيات القرن الماضي باجتياح سورية إثر تنامي نشاط حزب "العمال" ضده.

وفي 12 مارس/ آذار 2004 بدأ الأكراد في ما سميت حينها بـ"انتفاضة" ضد النظام، وانطلقت من محافظة الحسكة، متأثرين بما كان يحدث في العراق الذي بات للأكراد فيه نفوذ كبير عقب إسقاط نظام صدام حسين. وكادت الأحداث أن تتحول إلى انتفاضة واسعة في كل المناطق الكردية وفي العاصمة دمشق، ولكن النظام قمع الأكراد بقسوة، فقُتل وأصيب واعتُقل المئات، وتحدثت مصادر كردية عن أن بعضهم قُتل تحت التعذيب.

وفي العشرية الأولى من القرن الجديد، برز مشعل التمو، وهو شخصية كردية سورية من ضمن شخصيات سورية تطالب بالإصلاح السياسي في البلاد، ولكن النظام اعتقله في عام 2008، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات ونصف. مع بداية الثورة السورية، منتصف مارس/ آذار 2011، اتخذت القضية الكردية في سورية مساراً جديداً، إذ انخرط الأكراد في الثورة، فلم يجد النظام بداً من الإفراج عن مشعل التمو لتهدئة الشارع الكردي. كما أعلن النظام البدء في إجراءات منح الجنسية لـ"المكتومين" الأكراد، الذين كان قد حرمهم منها لعقود. ولكن الشارع الكردي لم يهدأ، فاغتيل التمو في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، مع بدء ظهور الوحدات الكردية، التي اتهمها معارضون سوريون أكراد بوأد الحراك الثوري الكردي بالتنسيق مع النظام.

وسرعان ما اتسع نطاق سيطرة الوحدات الكردية، فسيطرت على جزء واسع من محافظة الحسكة، وعفرين وعين العرب، وأحياء داخل مدينة حلب. ومع بدء الحرب على تنظيم "داعش"، باتت الوحدات الذراع البري للتحالف الدولي في سورية، فسيطرت على مساحات واسعة، منها مناطق ذات أغلبية عربية، خصوصاً الرقة ودير الزور ومنبج، وسواها.
الوحدات الكردية التي أسست "قوات سورية الديمقراطية"، باتت قوة ضاربة في شمال وشمال شرقي سورية، بعد أن شكّلت أحزاب كردية "الإدارة الذاتية" وأجرت انتخابات محلية، وبدأت في ترسيخ إقليم أمر واقع يشكل قلقاً من الجانب التركي، الذي ما زال يحاول إفشال تأسيس هذا الإقليم ويعتبره مساساً بأمنه القومي.

ورأى نائب رئيس رابطة الأكراد السوريين المستقلين رديف مصطفى، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن علاقة النظام بالأكراد السوريين "لا تختلف كثيراً عن باقي مكونات الشعب السوري"، مضيفاً أن "حافظ الأسد حكم سورية بالحديد والنار عبر نظام شمولي تدخلي مستبد، اعتمد على الفساد والقبضة الأمنية"، مشيراً إلى أن "الأكراد عانوا من اضطهاد مزدوج، مرة لأنهم سوريون، ومرة أخرى لكونهم أكراداً، في إنكار هويتهم ولغتهم وحقوقهم الطبيعية كبشر، فضلاً عن المشاريع العنصرية التي طبقها النظام تجاه الأكراد، وسياسات القمع بحقهم".
ولفت مصطفى إلى أن بشار الأسد، والذي وصفه بـ"الطاغية الصغير"، ورث هذا النظام "بكل علله وأمراضه المزمنة، بل زاد عليه في ارتكاب المجازر وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية"، مضيفاً: "النظام تعامل مع بعض الأكراد بخبث في محاولة لتفكيك الروابط التي خلقتها الثورة، من أجل تحييد قسم من الأكراد، كما فعل مع مكونات أخرى".

ورأى مصطفى أن النظام "لا يمكن أن يتغير إلا بالقوة، لأن بنيته عصية على التغيير". ولم يستبعد حدوث صدام بين النظام والوحدات الكردية، مضيفاً: "ما زال الطرفان حلفاء ولديهما علاقات اقتصادية وسياسية كبيرة، ولكن من الواضح تماماً أن النظام يتحدث عن سورية الأسد بكل حدودها الجغرافية، والطرف الآخر يهتم بشكل أساسي بأجندات خارج الحدود وغير مهتم بالقضية الكردية السورية كأولوية".