العبادي يطلق حربه على الفساد: إصلاح أم توظيف سياسي

28 نوفمبر 2017
يشرف العبادي على تفعيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد(فرانس برس)
+ الخط -
أعلنت الحكومة العراقية، أمس الاثنين، عن البدء في تنفيذ خطة شاملة للحرب على الفساد في البلاد من خلال تفعيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد الذي يشرف عليه رئيس الوزراء حيدر العبادي بنفسه وعدد من القضاة والمستشارين والمدققين. كما كشفت عن الاستعانة بخبرات أجنبية لتتبع حسابات المتورطين في الفساد المالي وتدقيق آلاف الملفات، وفقاً للمتحدث باسم الحكومة سعد الحديثي، الذي اعتبر أن الخطوة تأتي ضمن برنامج واسع ستظهر نتائجه من خلال تقديم متورطين بالفساد وفضح أسمائهم.  

واستقبل الشارع العراقي الإعلان بارتياح بالغ، فيما أثار توقيت الإعلان الحكومي من بغداد عن الحرب ضد الفساد شكوك ومخاوف كتل سياسية مختلفة من أن يكون المقصود هو الإسقاط السياسي لخصوم رئيس الوزراء المفترضين قبيل بدء الانتخابات.

 
وفي رسالة تطمينية، أكد المتحدث باسم الحكومة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الحملة ضد الفساد "لن تكون انتقائية وستطاول جميع المتهمين بصرف النظر عن العنوان الوظيفي أو السياسي، ولا أحد سيكون أعلى من القضاء". وأضاف "لا يوجد أي توجه لاعتماد معايير انتقائية في فتح ملفات الفساد، وحقيقةً أن رئيس الوزراء يعمل بموضوعية ومهنية ولن تكون هناك محاباة لأحد وإن كان له انتماء حزبي وسياسي". وكان العبادي قد أعلن خلال مؤتمره الأسبوعي الثلاثاء الماضي، أن المرحلة المقبلة ستكون لمحاربة الفساد.

كما أوضح الحديثي أن "المبدأ الذي اعتمدته الحكومة في ما يتعلق بمكافحة الفساد اليوم ينطلق من مصلحة عراقية وإرادة لإنهاء هذا الملف الذي دمر اقتصاد العراق وأنهك المجتمع بشكل كبير". وأكد أنه "يوجد إصرار حكومي على حسم معركة الفساد بالنصر كما انتهت عليه معركتنا ضد الارهاب بتحرير الأراضي العراقية".

وأبلغ مسؤول عراقي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء في بغداد "العربي الجديد"، بأن "قائمة أولى من المتهمين بالفساد يجري إعداد لائحة الاتهام لهم وإرسالها إلى القضاء من قبل لجنة فنية تضم مدققي حسابات ومستشارين ومفتشين ماليين فضلاً عن خبراء دوليين يبلغ عددهم 11 خبيراً وصل قسم منهم للعراق ويعملون ميدانياً". ووفقاً للمسؤول نفسه، فإن "القائمة الأولى تضم نحو 50 مسؤولاً، بينهم وزراء ووكلاء وزراء ومدراء عامون وشخصيات سياسية وبرلمانية سابقة وحالية تم تسجيل ملفات فساد ضخمة بحقهم، من بينها صفقة استيراد محطات كهرباء غازية بقيمة مليار ونصف المليار دولار، على الرغم من علم الوزير أن المحطات الغازية لا تعمل بالعراق، إلا أنه قام بشرائها مقابل عمولة كبيرة". كذلك تحدث المصدر عن "ملف آخر بقيمة 900 مليون دولار يتعلق بتحويل أراض زراعية الى سكنية لعدد من المستثمرين في بغداد وجنوب العراق من دون أن تتم المباشرة بها وبالنهاية تم بيعها كقطع أراض سكنية للمواطنين مقابل مبالغ ذهبت لصالح المستثمرين. كما يوجد ملف آخر بقيمة 430 مليون دولار يتعلق بطبع الكتب المدرسية وإنشاء مدارس جاهزة، وملفات أخرى يصل إجمالي المبالغ التي جرى سرقتها من الدولة بأكثر من 6 مليارات دولار في قائمة متهمين واحدة". وكشف المسؤول أن أكثر من نصف المتهمين الحاليين يقيمون خارج العراق، لكن تأمل حكومة العبادي استغلال علاقاتها الجيدة مع الخارج في استعادتهم.

وفي السياق، قال رئيس هيئة النزاهة المستقلة حسن الياسري، إنه سيفتح لأول مرة ملف الكسب غير المشروع في العراق بوصفه سبباً في إثراء الكثير من الساسة العراقيين، على حساب المال العام.
وتقدر قيمة الأموال المهربة خارج العراق من موازنة البلاد العامة خلال السنوات الماضية بنحو 361 مليار دولار، وفقاً لعضو البرلمان العراقي شروق العبايجي، بينما تقدر مصادر أخرى قيمتها بأكثر من 500 مليار دولار خلال 10 سنوات فقط، ذهبت لحسابات في الإمارات ولبنان ومصر والأردن عربياً، فضلاً عن حسابات خارج الدول العربية، أبرزها بريطانيا ودول أميركا اللاتينية ودول أفريقية مختلفة، وإقليمياً في تركيا وإيران.

من جهته، قال القيادي في التحالف الوطني الحاكم علي العلاق، إن "رئيس الوزراء حيدر العبادي استقدم خبراء دوليين في مكافحة الفساد وقدموا خبراتهم من خلال متابعة عمل الوزارات وحققوا في ملفات مهمة وأعطوا النتائج لأمانة مجلس الوزراء". وأضاف أن "العبادي شكل هيئة عليا لمكافحة الفساد برئاسته تتابع بجدية ومثابرة، ويتابع بشكل جاد عمل الهيئات المعنية، كالنزاهة والرقابة المالية والمفتشين العامين والقضاء".

على الرغم من ذلك، تقابل أحزاب وكتل سياسية المعركة الجديدة لرئيس الوزراء بشيء من الريبة والشكوك وفي بعض الأحيان بالاتهام لشخص العبادي نفسه بالفساد.

وفي السياق، قالت عالية نصيف، النائبة عن كتلة دولة القانون التي يتزعمها نوري المالكي، إن العبادي نفسه متحالف سياسياً مع جهات متورطة في الفساد.

 

كذلك كشف عضو بالبرلمان، تحفظ عن ذكر اسمه، عن مساع لقادة التحالف الوطني الحاكم في عقد اجتماع مع العبادي لمعرفة معايير حربه الجديدة على الفساد. ولفت إلى أنه توجد مخاوف حقيقية من أن تكون الحرب على الفساد مجرد غطاء لأهداف أخرى. وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن "كتلة المالكي تعتبر نفسها مستهدفة من هذه الحملة"، لافتاً إلى أن "الإعلان عن أول قائمة بالمتورطين في الفساد مفاجئ للجميع"، وفقاً لقوله.

في المقابل، قال النائب جوزيف صليوه، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة جادة أكثر من أي وقت في حملتها الجديدة بفتح ملفات الفساد.

وأضاف "سمعت أن فريق تحقيق دولياً وصل إلى بغداد بناء على طلب الحكومة، وهناك أيضاً خبراء من الأمم المتحدة يساعدون الحكومة، فالفساد مستشر بالمؤسسات العامة بالبلاد وبشخصيات الدولة وبعوائل مسؤولي الدولة وأحزاب الدولة، وإذا لم تنتصر الحكومة في حربها هذه فلن يكون باستطاعتنا أن نقول إن هناك دولة اسمها العراق، فمعدل الفساد صار مخيفاً ومهدداً للعراق". وأضاف "علمت أنه تمت تهيئة سجون خاصة للذين سيتم ضبطهم، ومع الأسف حتى في سجونهم محظوظون، كنت أتمنى في حال بدء تنفيذ الأوامر القضائية أن يتم وضعهم مع الآخرين في السجون العراقية".

 

المساهمون