مجلس الشيوخ الأميركي... "انحطاط" أخلاقي في ظل هبوط سياسي

17 نوفمبر 2017
توالت قصص الفضائح الأخلاقية لأهل السياسة (Getty)
+ الخط -


تمرّ الولايات المتحدة بفترة من الانحطاط، ليس فقط على الصعيد السياسي، بل أيضاً الأخلاقي الفاضح، والذي يطاول المستوى العالي، المفترض به أن يكون المثال والقدوة.

في الأيام القليلة الماضية، توالت قصص الفضائح الأخلاقية لأهل السياسة، فبسرعة قفزت إلى الواجهة، وتحوّلت إلى حديث الساعة، أبطالها أعضاء في مجلس الشيوخ أو في طريقهم إلى هذه العضوية، ومن الحزبين "الجمهوري" و"الديمقراطي".

أحد أبطال هذه القصص اعترف واعتذر، فيما الثاني عاند ونكر، أما الثالث ففشلت هيئة المحلّفين في تبرئة ساحته، ولو أنّها لم تقوَ على إثبات ذنبه، وقد تُعاد محاكمته.

السيناتور الديمقراطي آل فرانكن، اتهمته سيّدة بالتحرّش غير اللائق. جرت الحادثة يوم كان ممثلاً فكاهياً، قبل أن يدخل ساحة مجلس الشيوخ. أقرّ اليوم بسوء التصرّف مع الاعتذار، وتقرّر مطالبة اللجنة الأخلاقية في مجلس الشيوخ، بفتح تحقيق بالموضوع لإجراء المقتضى.

ويبدو أنّ نبش قصة فرانكن، جاء كردٍّ على كشف فضيحة القاضي الجمهوري المتقاعد روي مور، المرشّح للانتخابات الفرعية لملء مقعد في مجلس الشيوخ عن ولاية ألاباما والمرجّح فوزه فيها. فجأة تبيّن أنّ للرجل ماضياً حافلاً بالتحرّش بالقاصرين دون السادسة عشرة من العمر، فقد كشفت صحيفة "واشنطن بوست"، عبر تحقيقاتها عن أسماء عدة فتيات تعرّضن لمطاردته الفجّة وغير اللائقة، قبل حوالى ثلاثة عقود.

أكثر من واحدة من هؤلاء، عرضت تفاصيل قصتها على الشاشة، وتوالت على الأثر المطالبات حتى من قيادات الجمهوريين، بضرورة انسحابه من المعركة. لكنّ مور أصرّ على البقاء وخوض الانتخابات، ما تسبّب بشرخ جديد وسط الجمهوريين، بين المعارضين والمحافظين المتمسكّين به.

أما السيناتور الديمقراطي بوب مانديز، فقد نجا اليوم من إدانته بقبول رشوة بصيغة هدية؛ اُتهم بأنّه تلقّاها من صديق، مقابل مساعدته لخدمة مصالحه. وعجزت هيئة المحلّفين عن التوافق على قرار بشأنه، ما أدى إلى رفع المحاكمة لكن من دون إسقاط التهمة التي يمكن العودة إلى تحريكها في محاكمة أخرى.


تَوَالي هذه الفضائح والتهم وما حظيت به من تسليط الضوء، في هذا الوقت بالذات، فاقم الصورة المتردّية عن الوضع السياسي الأميركي الهابط، خاصة فيما يتعلّق بالكونغرس الذي سجّلت ثقة الرأي العام به رقماً قياسياً في الهبوط يصل، في بعض الاستطلاعات، إلى ما دون 20%، وبالرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى 36%.

وكأنّ انكشاف التدهور الأخلاقي، كان على موعد لملاقاة تردّي المشهد السياسي، كي تكتمل الصورة المقلقة عن تراخي الضوابط في الوضعين. صحيح أنّ الشطط الأخلاقي على المسرح السياسي الأميركي ليس بجديد، فقد عرفت هذه الساحة سقطات كثيرة وكبيرة، مرة كان صاحبها مرشحاً رئاسياً مثل السناتور الديمقراطي جون أدواردس، ومرة رئيس مجلس النواب الجمهوري دانيس هاسترت، وفي أخرى كان الرئيس بطل الفضيحة، وهو بيل كلينتون في قضية "مونيكا غيت" الشهيرة، وفي كل هذه المرات وغيرها، تكفّلت عيون الإعلام والقانون بكشف الفضائح ومحاسبة أصحابها. كلينتون بقيت شعرة بينه وبين عزله من منصبه، بينما أنقذه مجلس الشيوخ في آخر لحظة.

إلا أنّ الفارق هذه المرة، أنّ السقوط أوسع وأعمق، وربما أخطر في بعض جوانبه، خليطه السياسي والأدبي والعنصري والعنفي، يثير خشية دوائر وأوساط عديدة باتت تتحدّث بقلق عن "التآكل في القيم والمؤسسات" وعن خطر تلاشي الكوابح والموانع.

ومع أنّ التجربة الأميركية أثبتت أنّ تركيبة النظام تملك ما يكفي من المرونة وصمامات الأمان والتكيّف مع الكبوات لتعيد القطار إلى سكة الأمان، يسود مع ذلك إحباطٌ مشروعٌ في ظل حالة من التعب ومن عمق الانقسام السياسي والرفض الحاد للآخر، فاللعبة تغوّلت والسنوات القادمة صعبة، وإن كانت أميركا قادرة على هضمها.