لوفر أبوظبي... تسويق ثقافة الخوف

12 نوفمبر 2017
"لوفر أبوظبي" يرمز إلى التشدّد السلطوي لدولة الإمارات (Getty)
+ الخط -
يقول الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، "جئت إلى الإمارات لأبعث رسالة الحضارة، التي يريد محمد بن زايد (ولي عهد أبوظبي) نشرها". وشرح في حديث إلى قناة "سكاي نيوز" أنّه يعني من ذلك ترويج ثقافة التسامح.


زيارة الرئيس الفرنسي إلى أبوظبي كانت في إطار فعالية افتتاح متحف "لوفر أبوظبي" الذي يقف وراء فكرة إنشائه الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك، عام 2004، ضمن رؤية تعاون ثقافي، يشمل أن تستأجر أبوظبي أعمالاً من متحف "اللوفر" في باريس للعرض في أبوظبي مقابل مليار يورو سنوياً، ولهذا الغرض تم بناء متحف في جزيرة السعديات، وضع تصميمه وأشرف عليه المهندس الفرنسي المعروف جان نوفيل.


جرى توظيف الحدث الثقافي لخدمة اللحظة السياسية الراهنة، وتم تقديم المتحف على أنه مثال للتسامح والانفتاح والتنوّع، الأمر الذي أثار استغراب الأوساط الإعلامية والثقافية لهذا التعسف، والذي بدا نافراً ومستفزّاً بالنظر إلى أن الهدف البعيد لزيارة ماكرون إلى الإمارات كان من أجل الحصول على عقود اقتصادية وصفقات سلاح جديدة، وليس بناء شراكة ثقافية فعلية، وكان واضحاً أنّه نزولاً عند رغبة مضيفيه، ومن أجل مجاملتهم، شارك في ترويج أوهام للاستهلاك المحلي، ذلك أن الطرف الإماراتي أراد أن يتستّر وراء سمعة فرنسا الثقافية لتلميع نفسه، واستثمار الحدث لإظهار أبوظبي بأنها صاحبة "رسالة حضارية"، تهدف إلى ترويج ثقافة التسامح، والتي قال ماكرون إنّها تعتمد على المصالحة بين الديانات الثلاث، "الإسلام، والمسيحية، واليهودية".


واللافت في الأمر أن الصحافة الفرنسية هي من تنبّه إلى "البزنس" الذي جرى تقديمه على أنّه شراكة في رسالة ثقافية حضارية، وقرأ بعضها حدث افتتاح "اللوفر" على نحو مختلف، ولم يفتها أن تضعه في مصاف النقيض "للانفتاح الثقافي والليبرالية". ورأى الباحث في المدرسة العليا للأساتذة، ألكسندر كزروني، "أنّ هذه المؤسسة (لوفر أبوظبي) تظهر الاستبعاد والحرمان السياسي للطبقة الوسطى في دولة الإمارات العربية المتحدة، وجنوح هذا البلد إلى الحكم المطلق".


وقال كزروني، في مقال في صحيفة "لوموند"، لقي صدى واسعاً، إنّ افتتاح هذا المتحف هو مشاركة في "زبونية النخب الثقافية الغربية"، بل إنه رمز للتشدّد السلطوي للإمارات، كما أنه يدخل في إطار صراع النفوذ الثقافي بين أبوظبي ودبي. واعتبر أن الهدف الأول لأبوظبي من هذا المتحف هو استعادة الجزء السيادي المتعلّق بالجانب الثقافي من دبي، لتذكير الجميع بأن عاصمة البلاد هي أبوظبي، ما يعكس إحساساً بهيمنة أبوظبي على بقية الإمارات من خلال غناها وتمويلها الموازنة الاتحادية، وبالتالي تحكّمها بالفضاء الثقافي بعد السياسي والاقتصادي والأمني.


واعتبر المؤرخ والباحث الفرنسي، ذائع الصيت، أن "لوفر أبوظبي" يرمز للتشدد السلطوي لدولة الإمارات. وأبدى استغرابه من تعامل المسؤولين الفرنسيين مع قضية "لوفر أبوظبي"، التي لقيت معارضة شديدة في فرنسا من طرف القائمين على الثقافة، الذين رفضوا بالإجمال وضع الثقافة في المزاد. وكشف أن الشخص الذي رافق أوريلي فيليبيتي، وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة، لدى زيارتها لأبوظبي في إبريل/ نيسان 2013 الذي كان دليلها خلال تفقدها ورشة حول "ماكيت" متحف "لوفر أبوظبي"، هو هزاع بن زايد، أحد أشقاء محمد بن زايد، وهو المسؤول عن القمع السياسي في الإمارات بوصفه رئيس جهاز المخابرات.


ولفت إلى أن تلك الزيارة تزامنت مع محاكمة 94 إماراتياً، بتهمة التآمر على الدولة، لا لشيء إلا لأنهم ينتمون إلى حركة "الإصلاح"، تلك المحاكمة التي كانت مستمرة آنذاك منذ أكثر من شهر، وكانت قد بدأت في عام 2012، ولم تبد السلطات الفرنسية رد فعل، رغم النداءات التي صدرت عن منظمات حقوق الإنسان. واعتبر الباحث والكاتب الفرنسي أن افتتاح "اللوفر" في أبوظبي يخدم أبوظبي في ما تعمل عليه من تحول سياسي، ولكن "اسم اللوفر، رمز الثورة والجمهورية الفرنسية، يدعو للسخرية"، في أبوظبي.


وغير بعيد عن ذلك، قالت مديرة منظمة "هيومن رايتس ووتش" في باريس، بنديكت جانرو، إنّ هذا المشروع الذي يوصف بأنه "مثال على التسامح والانفتاح والتنوع" شابته منذ البدء في بنائه بجزيرة السعديات انتهاكات لحقوق العمال المهاجرين الذين شيدوه. وأضافت، في مقال لها في صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، أنّ المنظمة نشرت ثلاثة تقارير عن ورشات البناء في جزيرة السعديات، أحدها عن متحف "اللوفر"، قبل أن تمنع السلطات الإماراتية دخول "هيومن رايتس ووتش" أراضيها عام 2014.


وغرّدت رئيسة المنظمة خارج السرب "الآن وقد انتهت أعمال البناء في متحف لوفر أبوظبي، يرى كثيرون أن المبنى إنجاز فني وجمالي فريد، لكن المؤكد أنه شُيّد في ظل معاناة إنسانية شديدة للعمال، في بلد لا يزال قادته يحتقرون حقوق الإنسان ويقمعون أي صوت ينتقدهم".


وسخرت بقوة من الترويج السطحي لثقافة التسامح "يبدو ابتلاع حبوب التسامح التي يُرَوج لها مع احتفالات تدشين لوفر أبوظبي صعباً جداً، في الوقت الذي يتسبّب فيه القصف الإماراتي السعودي في جرائم حرب قتل خلالها وجرح الآلاف من المدنيين في اليمن".


ربط موضوع ثقافة التسامح بحدث افتتاح "لوفر أبوظبي" يثير الاستهجان، ورغم أن الرئيس الفرنسي وضع المسألة في سياق المصالحة بين الديانات، إلا أن الأوساط الإماراتية الإعلامية تتعاطى معها بوصفها "رسالة" تنهض بها أبوظبي على مستوى المنطقة، وهذا أمر يستحق الترحيب، لو لم تكن القصة ملفّقة من الألف إلى الياء، ويبدو إقحامها هنا فجّاً.


في اليوم الذي فيه كان متحف "لوفر أبوظبي" يطلق الأسهم النارية من أجل التسامح، كانت منصات أخرى في أبوظبي تصدح بأغنية هابطة تحت عنوان "قولوا لقطر"، جرى تسجيلها من قبل الصف الأول من فنّاني الإمارات من أجل دعوة محمد بن زايد "لدكّ قطر"، إلى حد "لا تبقِ منهم ولا تذر"، ولم تفوّت الأغنية الإشارة إلى سيوف الملك السعودي سلمان "سيوف سلمان الحزم تشطر شطر".


نعم يمكن لمتحف "اللوفر" في منطقة الخليج أن يشكّل حالة لقاء دائمة بين الثقافات، وفي وسع العرب أن يكونوا أكثر من مستقبل للفن القادم للعرض من "اللوفر" الفرنسي، إذا قرروا أن تكون لهم لمستهم الحضارية الخاصة، وهذا أمر لن يتحقق من دون أن يضعوا حرية وحقوق الإنسان في المقام الأول في سياق انفتاح سياسي وثقافي يحترم التنوّع وتعدّد الآراء.


وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرئيس الفرنسي لم يكترث لملف حقوق الإنسان في الإمارات والمعارضين المسجونين وبينهم كتاب وصحافيون، في حين أن أسلافه من الرؤساء كانوا يضعون هذه المسألة على جدول أعمال زياراتهم الخارجية.

اللوفر في أبوظبي سيتحوّل إلى صرح مهمل في ظل ثقافة الخوف السائدة في أبوظبي، ولن يصبح متحفاً للفن، إلا في ظل الانفتاح والحرية واحترام التعددية.



المساهمون