كتالونيا تدخل "عصر العصيان المدني"... والحكومة الإسبانية تطيح الحكومة وقائد الشرطة

29 أكتوبر 2017
طفلة تدعم انفصال كتالونيا في برشلونة أمس (جيف ميتشل/Getty)
+ الخط -
نقل رفض رئيس إقليم كتالونيا المقال، كارليس بيغدمونت، قرارات الحكومة الإسبانية، ودعوته للاعتراض بشكل ديموقراطي على تطبيق المادة 155، الصراع مع مدريد إلى مرحلة "العصيان المدني"، والذي لا يعرف بعد إلى أين سيؤدي، في ظل قرار حكومة ماريانو راخوي مواصلة العمل للسيطرة على الإقليم. فبعد يوم واحد من إعلان البرلمان الإقليمي استقلال إقليم كتالونيا، أعلنت الحكومة الإسبانية، مدعومة من أوروبا وأميركا، إجراءات استثنائية، كانت استعدت لها منذ أسابيع، إذ سيطرت بشكل مباشر على الإقليم، وأقالت الحكومة ورئيس الشرطة، من خلال نشر تدابير خاصة ليلاً في الجريدة الرسمية على الإنترنت. وبهذه الإجراءات لم يعد بيغدمونت و12 عضواً في حكومة كتالونيا في وضع المسؤولية.

ودعا بيغدمونت، في بيان متلفز، نشرت نسخة عنه موقعة باسم "كارليس بيغدمونت، رئيس حكومة كتالونيا"، إلى "الاعتراض بشكل ديمقراطي على تطبيق المادة 155" من الدستور الإسباني التي تضع الإقليم تحت وصاية مدريد. وقال "من الواضح تماماً أن أفضل دفاع عن المكاسب التي تحققت حتى الآن هي المعارضة الديمقراطية للمادة 155". وأضاف، في تسجيل مصور من منصة وخلفه علما كتالونيا والاتحاد الأوروبي من دون العلم الإسباني، "سنواصل العمل حتى بناء بلد حر". ويبدو أن بيغدمونت سجل بيانه مسبقاً، إذ أظهرت قناة "لا سيسكتا" الإسبانية في الوقت نفسه لقطات على الهواء لبيغدمونت يتناول الغداء في حانة في وسط بلدته غيرونا، ويقاطعه من آن إلى آخر السكان الذين يطلبون التقاط صور معه. ودعا بيغدمونت الكتالونييين إلى "الهدوء وعدم استخدام العنف، حتى ضد المعارضين لقرار الاستقلال". واعتبر أن تفعيل المادة 155 "يناقض إرادة المواطنين الذين شاركوا في الاستفتاء". يشار إلى أن بيغدمونت لا يملك تفويضاً شاملاً من البرلمان والكتالونيين، إذ إن تبني قرار الاستقلال في البرلمان تم بغياب المعارضة التي غادرت الجلسة، وبتأييد 70 عضواً واعتراض عشرة وامتناع اثنين عن التصويت. وتشكل الأحزاب الانفصالية، من اليسار المتطرف إلى يمين الوسط، غالبية في البرلمان (72 من أصل 135). واللافت أن إعلان الاستقلال لا يلبي رغبة عدد كبير من سكان كتالونيا، إذ أفادت الاستطلاعات أن نصفهم على الأقل يريدون البقاء ضمن المملكة الإسبانية.

وبذلك يكون بيغدمونت والانفصاليون قد أطلقوا "عصر العصيان" بوجه الحكومة الإسبانية، والتي قد توجه لهم اتهامات باغتصاب مناصب الآخرين، بعد رفضهم الانصياع لقرارات الحكومة المركزية. وكان بعض الموظفين الحكوميين، والذين يبلغ عددهم نحو 200 ألف موظف، قد أعلنوا أنهم سيرفضون الانصياع لأوامر مدريد، ليخاطروا بوقوعهم تحت طائلة العقاب أو الإقالة بموجب الصلاحيات الخاصة الممنوحة للسلطات المركزية من قبل مجلس الشيوخ. ويبدو أن الحكومة الإسبانية كانت تتوقع أن يؤدي تحركها للسيطرة على الإقليم إلى عصيان مدني، إذ زادت وزارة الاقتصاد مقدار سيطرتها على الشؤون المالية لكتالونيا، للحؤول دون استخدام أموال الدولة في مساعي محاولة الانفصال، وبدأت تموّل مباشرة الخدمات الأساسية في الإقليم. وبموجب الاقتراح الجديد، ستتخذ مدريد الرقابة المالية الكاملة على كتالونيا، وسط احتمالات توجّه بعض المؤيدين لانفصال الإقليم إلى التوقّف عن دفع ضرائبهم للخزانة الإسبانية. وستكون الأثمان الباهظة في الإقليم بعد تفعيل المادة 155، مؤثرة اقتصادياً على كتالونيا. إذ سجلت أسهم مصارف كتالونيا هبوطاً في بورصة مدريد، بعد إعلان برلمان الإقليم الاستقلال، وبلغت خسائر ثالث مصرف إسباني "كايشابنك" نسبة 5 في المائة. وقررت أكثر من 1600 شركة نقل مقارها المحلية خارج الإقليم.


سياسياً، يواجه الطرفان معضلة كبيرة، إذ إن دعوة بيغدمونت الكتالونيين للاعتراض بشكل ديمقراطي على تطبيق المادة 155، يعني رفض الانفصاليين دعوة رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، لإجراء انتخابات في الإقليم في 21 ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وستسمح هزيمة الانفصاليين انتخابياً، للاشتراكيين في الإقليم بالبروز، وإنهاء كل فكرة استقلالية لفترة طويلة. وأظهر استطلاع للرأي، أجرته صحيفة "إل بيريوديكو"، الأحد الماضي، أنّ إجراء انتخابات مبكرة قد تكون لها نتائج مماثلة للاقتراع الأخير في 2015، عندما شكّل ائتلاف من الأحزاب المؤيدة للانفصال حكومة أقلية. غير أنّ استطلاعات رأي أخرى أظهرت أنّ كتالونيا تنقسم بالتساوي تقريباً بين المؤيّدين والرافضين للاستقلال. وفي آخر انتخابات إقليمية في 2015 حصد الانفصاليون 47.8 في المائة من الأصوات.

وكانت معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة قد تبرأت من بيغدمونت ومن خيار الانفصال، ودعمت قرارات السلطة المركزية. كذلك أدى تفعيل المادة 155 من الدستور إلى إغلاق جميع الممثليات التابعة للإقليم في أوروبا. وكانت دول أوروبية قد أعلنت أنها "لا تعترف" بإعلان كتالونيا استقلالها وأيدت موقف الحكومة الإسبانية. واعتبرت واشنطن أن كتالونيا "جزء لا يتجزأ من إسبانيا"، معربة عن دعمها إجراءات مدريد لإبقاء البلاد "قوية وموحدة"، حسب ما أكدت وزارة الخارجية الأميركية. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيذر ناويرت "ترتبط الولايات المتحدة بصداقة كبيرة وشراكة راسخة مع حليفتنا في حلف شمال الأطلسي، إسبانيا". وأضافت أن "كتالونيا جزء لا يتجزأ من إسبانيا والولايات المتحدة تدعم إجراءات الحكومة الإسبانية لإبقاء إسبانيا قوية وموحدة". وأعلن المتحدث باسم رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي أن بريطانيا "لم ولن تعترف" بإعلان استقلال كتالونيا.

وعلى الرغم من دعوة بيغدمونت الكتالونيين إلى عدم استخدام العنف في مواجهة الحكومة الإسبانية، فإنه من المرجّح أن تظهر مجدّداً الصدامات العنيفة التي هزّت الإقليم، من دون أن يتم استبعاد أن تظهر في كتالونيا منظمة سرية ربما تكون شبيهة بمنظمة "إيتا" الانفصالية في إقليم الباسك، وذلك بعد أن دعت الجماعات الانفصالية الرئيسية في كتالونيا إلى عصيان مدني واسع النطاق، وأصدرت تعليمات لموظفي الخدمة المدنية بعدم إطاعة أوامر مدريد. في المقابل، قالت الحكومة الإسبانية إنّها لا تعتزم تنفيذ اعتقالات، ولكن من غير الواضح كيف ستتصرّف في حال رفض موظفو الإدارة الحاليون في كتالونيا مغادرة مكاتبهم. ويخشى عدد متزايد من المحللين من أن يؤدي ذلك إلى مواجهات مباشرة، في حال حاولت الشرطة الوطنية التدخل، لا سيما أنّ الشرطة استخدمت تكتيكات ثقيلة خلال استفتاء التصويت الأولي على الانفصال.

وإحدى المشاكل الرئيسية المتعلّقة ببسط مدريد حكمها المباشر، يرتبط بقوات الشرطة في كتالونيا المعروفة بـ"موسوس دسكوادرا". ويبدو أن الحكومة الإسبانية وضعت هذا الاحتمال في حسبانها، عبر سيطرتها المباشرة على قوة الشرطة في الإقليم، بعد مسارعتها لإقالة قائد شرطة كتالونيا، جوزيب لويس ترابيرو. وحثت شرطة إقليم كتالونيا أفرادها على التصرف بأسلوب محايد وعدم الانحياز لأي طرف، وذلك سعياً لنزع فتيل التوتر. وقالت "من المرجح أن تزيد التجمعات ومسيرات المواطنين في الإقليم بأسره وسيكون هناك أشخاص لهم آراء مختلفة وعلينا أن نتذكر أن من مسؤوليتنا ضمان أمن الجميع والعمل على أن تمر هذه الأحداث بسلام". وقال عدد من الضباط إنّهم يعتقدون أنّ القوة، والتي يشكّل قوامها 17 ألف شخص، انقسمت بين مؤيّدي ومعارضي الاستقلال.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)

المساهمون