سلطات الأمر الواقع تعرقل محاولة حضور الدولة في تعز

26 أكتوبر 2017
تتعدد القوى العسكرية في تعز (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
غادر نائب رئيس الوزراء اليمني، عبدالعزيز جباري، مدينة تعز اليمنية، قبل أسبوع إلى عدن ومنها إلى الرياض، وفي حقيبته تقرير مفصل يتضمن نتائج زيارة لمحافظة تعز استمرت أكثر من نصف شهر.

شمل التقرير، بحسب مصادر "العربي الجديد"، مقترحاً بتعيين محافظ لتعز، وضرورة تعزيز المحافظة بموازنة لكافة القطاعات، وانتظام الرواتب، وإنهاء حالة الازدواج بقرارات التعيينات في مؤسسات الدولة، ودعم الأجهزة الأمنية وتصحيح الاختلالات فيها. كما تضمن التقرير شرحاً لحالة التوتر بين جماعة السلفيين من جهة وحزب التجمع اليمني للإصلاح من جهة ثانية. كما وضع مقترحات لتبديد مخاوف هذه الجماعات من بعضها. وتطرق التقرير أيضاً إلى إيرادات الدولة، والأهم من ذلك تحرير المحافظة التي يمكن أن تصبح مدينة صالحة لتواجد الرئاسة والحكومة فيها.

وتأتي زيارة الوفد الحكومي لتعز، في إطار محاولة الحكومة الشرعية تدشين سلطة الدولة في المحافظة، قبل أن تتفاقم الأوضاع فيها أكثر مما عليه الآن، وتصل إلى تعقيدات تشبه تلك التي أوجدتها الإمارات في عدن ومأرب وتسببت بفشل الحكومة الشرعية في تعزيز حضورها في تلك المحافظات.

ويرى المحلل والكاتب السياسي، أحمد شوقي أحمد، أن الصراع القائم بين أطراف داخلية وخارجية للسيطرة على تعز، كان من بين أسباب دفع الحكومة الشرعية إلى التركيز على تعزيز حضورها في تعز، باعتبارها آخر معقل يمكن للحكومة ان تحقق حضوراً فعلياً للدولة فيه، لكونها (أي تعز) لم تخضع حتى اليوم لسيطرة أي دولة من دول التحالف، أو طرف داخلي.

وتابع أحمد أن على الحكومة الشرعية التقاط فرصة تجاوب الشارع في تعز مع فكرة مشروع الدولة، بعيداً عن إقصاء أو تهميش أي طرف على حساب آخر.

لكن نتائج محاولة الحكومة الشرعية تعزيز حضور مؤسساتها، من خلال زيارة الوفد الحكومي، تواجه عراقيل من قبل سلطات الأمر الواقع.
فرع  البنك المركزي في تعز، والذي تم إعادة  تفعيله لتصحيح مسار تحصيل الإيرادات المالية للدولة التي كانت تتسرب إلى جيوب نافذين من قيادة الجيش والسلطة المحلية، يواجه اليوم صعوبات في ممارسة مهامه القانونية بين إدارة المصرف من جهة، ووكيل المحافظة عارف جامل (رئيس حزب المؤتمر ــ فرع الشرعية) من جهة ثانية. كما يواجه البنك المركزي إشكالية في مسألة اعتماد توقيعات بعض المكاتب الحكومية التي تدار من قبل مديري عموم، كما هو حاصل في مكتب صندوق النظافة والتحسين والذي كلّف المحافظ جباري مديراً عاما له من أقاربه، وفي الوقت نفسه كلّف الوكيل عارف جامل أحد المقربين منه مديراً عاماً للمكتب نفسه.

وقال مدير عام مكتب المالية في تعز، محمد السامعي، لـ"العربي الجديد" إن البنك المركزي بدأ بترتيب عمله وأعاد تفعيل كل الحسابات الرسمية للمديريات والمكاتب التنفيذية في المحافظة، وهناك مديريات وجهات حكومية أودعت الإيرادات المالية للبنك، لكن ليس كما ينبغي أن يكون، فهناك بعض المديريات والجهات تحتفظ بالموارد ومنها ما يفترض أن تورد أكثر من 20 مليون ريال، لكنها تورد 2 -3 ملايين فقط.

وكان الوفد الحكومي، خلال تواجده في تعز، قد أقرّ أيضاً رفع كافة النقاط المنتشرة في المنفذ الجنوبي الغربي التي تعمل على جباية وتحصيل إيرادات باسم الدولة، واستبدالها بقوات تابعة للشرطة العسكرية والقوات الخاصة بمواقع محددة وتتولى حماية الجباة الرسميين للدولة. لكن الوكيل عارف جامل تجاهل هذا الأمر وطلب قبل يومين من قائد السلفيين حماية محصلي الإيرادات مبرراً ذلك بأن قوات السلفيين متواجدة بالفعل على الأرض، وليس من الضروري استبدالها بقوات أخرى.

في موازاة ذلك، لا يزال هناك أكثر من 110 مرافق حكومية في تعز تحت سيطرة مسلحين من جماعة السلفيين وحزب الإصلاح (الإخوان)، رغم اتفاق هذه الجماعات مع الوفد الحكومي على إخلاء تلك المرافق. لكن تنفيذ هذا الاتفاق لا يزال معلقاً، على الرغم من صدور بيان قبل مغادرة الوفد تعز عن القيادي السلفي الشيخ عادل عبده فارع، المقرب من الإمارات، تضمن طلباً للوفد الحكومي بسرعة استلام 21 مرفقاً حكومياً تحت سيطرة جماعته، وتم تشكيل لجنة للقيام بهذه المهمة، فيما لم يتضح موقف حزب الإصلاح بخصوص ما يتعلق بتسليم أكثر من 70 مرفقاً حكومياً، تحت سيطرة جماعته، باستثناء استجابته لقرار أصدره الوفد وسلم بموجب مكتب الإدارة العامة للتربية والتعليم ومدرسة نعمة رسام كبرى مدارس تعز للبنات. لكنه قام في المقابل بالسيطرة على مرافق جديدة أبرزها مقرات شركة كمران للاستثمار، وشركة مأرب للتأمين. ويربط حزب الإصلاح في تعز تنفيذ اتفاقه مع الوفد الحكومي في إخلاء مرافق الدولة بتسليم جماعة أبو العباس (سلفيين مرتبطين بالإمارات) موقعي الأمن السياسي، وقلعة القاهرة المطلة على مدينة تعز من الجهة الجنوبية، والتي رفض قائد السلفيين في تعز، تسليمها باعتبارها مواقع عسكرية.

وكان رئيس الوفد عبدالعزيز جباري، قد حاول قبل مغادرته تعز إقناع السلفيين بتسليم تلك المواقع، لكنه رفض إصدار أوامر باستلام هذه المواقع بالقوة، مبرراً أن مثل هذا القرار سيدفع إلى المواجهة العسكرية، ما جعل حزب الإصلاح يدفع بمسلحين تابعين له وتحت غطاء الشرطة العسكرية، وسيطر على مرتفعات تطل على مواقع جماعة السلفيين غرب المدينة. وتفاقم الوضع، بعد أسبوع واحد من مغادرة الوفد تعز، إذ بعثت قيادة السلفيين في تعز رسالة لرئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي تشكو تعرض موقع قواتها في قلعة القاهرة لقصف بالدبابة من قبل قوات اللواء22 ميكا الموالي لـ"الإصلاح" المتمركز في جبل جره غرباً، وتطالب بتشكيل لجنة عسكرية وقانونية للتحقيق. 

ويشكل صراع جماعة السلفيين وجماعة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح)، إلى جانب رئيس حزب المؤتمر الموالي للشرعية، عارف جامل، أكبر العقبات أمام تطبيع الحياة في تعز. وتتعزز حالة التخبط بسبب عدم وجود محافظ قوي يمارس مهامه من داخل المدينة وضعف أجهزة الأمن لمساندة حضور الدولة.

المحلل السياسي، عضو اللجنة المركزية في الحزب الاشتراكي اليمني، عبدالرحمن الأزرقي، قال، لـ"العربي الجديد" إن اللامبالاة من قبل الرئاسة والحكومة لحالة تعز منذ ثلاث سنوات، فضلاً عن غياب المحافظ، عوامل جعلت المحافظة تحت سيطرة ونفوذ سلطات قوى الأمر الواقع، التي عملت على تحقيق مصالحها. كما أن الحكومة ممثلة بالمحافظ عملت على إدارة الإشكاليات التي ظهرت بين قوى الأمر الواقع بدلاً من أن تعمل على معالجتها على حد تعبيره. وطبقاً للأزرقي، فإن تلك القوى ستعمل على وضع العراقيل والتعقيدات أمام تحقق أي محاولات لتعزيز وجود الدولة، بهدف الحفاظ على مصالحها.

 

 

المساهمون