كل ما تريد معرفته حول استفتاء كتالونيا

عز الدين التميمي

avata
عز الدين التميمي
01 أكتوبر 2017
480B0D75-2C48-47A7-ACDB-6685BB72DFA8
+ الخط -

تثير قضية استقلال إقليم كتالونيا، في إسبانيا، كثيرا من النقاش هذه الأيام في ميادين الرأي العام الأوروبي والعالمي، خاصة أن احتداما متوقعا في الخلاف، سيؤثر على مسار الملف، بعد أن كررت مدريد رفضها الشامل للخطوة، وأعلنت بوضوح أنها لن تتم، مشيرة إلى إمكانية استخدام القوة من أجل الحيلولة دون حدوث التصويت المزمع إجراؤه اليوم الأحد.

ويقدم "العربي الجديد" في ما يلي، كل ما يريد أن يعرفه القارئ العربي عن هذه القضية.


ما هي قضية كتالونيا؟

يقع إقليم كتالونيا في شمال شرق إسبانيا، وهو واحد من المناطق الأكثر غنى والأكبر مساحة هناك. يتحدث ساكنو الإقليم اللغة الكتالونية ويعيش معظمهم في العاصمة برشلونة، ويمثلهم برلمان وحكومة مستقلان. تحضر قضية الانفصال مؤخرا في جميع جوانب الحياة السياسية والاجتماعية في الإقليم، من البرامج السياسية للأحزاب المتنافسة على البرلمان، إلى المباريات الرياضية، وهناك قناعة رائجة عند معظم الكتالونيين، بأنهم شعب مستقل، وله ثقافة مستقلة. 

في السنوات الأخيرة، تبلور مطلب الانفصال بشكل أكثر وضوحا، من خلال الأحزاب الممثلة في الحكومة، ومن خلال المجموعات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني، إلى أن أزمع عقد استفتاء حوله هذه الأيام، وأعلنت حكومة الإقليم أنها ستجريه في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، الذي يوافق اليوم الأحد. 

وتاريخيا، ضُمت كتالونيا إلى إسبانيا في القرن الخامس عشر، عندما تزوج ملك أراغون من ملكة قشتالة. وكانت مقاطعة برشلونة قوة بحرية عظمى في العصور الوسطى. ومع تأسيس الدولة الوطنية الحديثة في إسبانيا، في ثلاثينيات القرن الماضي، أعطي الإقليم حكما ذاتيا.

ويشير الخبراء إلى أن فترة الحرب الأهلية الإسبانية في الثلاثينيات، لعبت دورا حاسما في تبلور الهوية القومية الكتالونية، في إشارة إلى دور فرانشيسكو فرانكو وانقلابه العسكري على سلطة البلاد، وانتصاره في الحرب، حيث عرف عن فرانكو حكمه المستبد للبلاد، بدعم من النازيين. وقام وقتها بمحاربة أي ظهور للهوية أو الثقافة الكتالونية، ومن ذلك أنه ألغى الحكم الذاتي في البلاد، طوال سنوات حياته، ومنع أي حديث أو نشاط أو كتابات تتعلق بقضية الإقليم. وإضافة إلى ذلك، قام بمنع اللغة الكتالونية وإلغاء النشيد الوطني. 

بعد وفاة فرانكو، وبعد نضال طويل خاضه الكتالونيون ضد الفاشية، استطاع الإقليم إعادة حكمه الذاتي. وفي هذا الوقت بدأ التنظير للهوية القومية على أرضية من المظلومية، والانتهاكات التي تعرضوا لها في فترة الحرب الأهلية وما بعدها.

وخضعت الهوية الكتالونية لتطورات تاريخية مختلفة، لكنّ مراقبين يرون أن هناك أسبابا ليست أقل أهمية من الأسباب التاريخية، تقف وراء استفتاء الانفصال. 


ما هو موقف السلطات الإسبانية؟

أعلنت السلطات الإسبانية وقوفها منذ البداية ضد الانفصال الكتالوني، واستخدمت وسائل مختلفة من أجل الوقوف أمام رغبة بعض سكان الإقليم بالانفصال. وعندما أعلنت الحكومة الكتالونية نيتها إجراء الاستفتاء هذه المرة، أمهلتها مدريد فترة للتراجع، وقالت إنها ستفرض عقوبات على كتالونيا في حال لم تتراجع. 

وبعد أن أصدر البرلمان الكتالوني قرارين من أجل عقد استفتاء حول الانفصال، أعلنت المحكمة الدستورية الإسبانية في 14 فبراير/شباط الماضي أن القرارين اللذين أصدرهما برلمان كتالونيا غير شرعيين. وهو ما جعل نائب رئيس الحكومة الكتالونية، أوريول جونكراس، يهدد بإجراء استفتاء من جهة واحدة بدون مشورة السلطات في مدريد.

وقد أدان رئيس الوزراء الإسباني، ماريانو راجوي، التصويت باعتباره غير قانوني. وقال "إنني أقول ذلك بكل هدوء وثبات: لن يكون هناك استفتاء، ولن يحدث"، وقال هو وآخرون إن التصويت سيقوض سيادة القانون، وإن ذلك قد يشكل سابقة خطيرة.

وخلال الأيام الماضية، ومع إصرار ناشطين كتالونيين على الخطوة، وبعد أن أقدم جزء منهم على اقتحام مدارس كانت مهيأة لتكون مراكز اقتراع، من أجل حمايتها وحماية تسيير عملية الاقتراع، لوحت السلطات الإسبانية بخيار القوة، وقالت إن تدخل الشرطة لمنع إجراء التصويت ليس مستبعدا. وتدعي مدريد أن الخطوة من شأنها أن تؤثر على وحدة وسيادة البلاد. 


هل سيتم التصويت؟

وجهت الحكومة الإسبانية سلسلة من الإجراءات ضد منظمي الاستفتاء، واستولت على الملايين من بطاقات الاقتراع، فضلا عن منشورات ومواد انتخابية أخرى. 
وقالت إنه تم "تفكيك عملية التصويت"، بينما تم إرسال تعزيزات بآلاف العناصر للشرطة الموجودة هناك. 

وعلى الرغم من ذلك، فإنه ليس من المحتمل أن الشرطة لديها الموارد الكافية لإغلاق جميع مراكز التصويت في حوالى ألف بلدة ومدينة كتالونية. إضافة إلى ذلك، لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى ستتدخل قوة الشرطة المستقلة في كتالونيا، المكونة من 17 ألف عنصر، لوقف الإجراءات. 

ورغم أن هذه القوات ملزمة بتنفيذ القانون الإسباني، لكن مسؤولين كتالونيين يقولون إن أولويتهم الأولى ستكون الحفاظ على النظام العام، وهذا قد يعني أن هذه القوات لن تمنع التصويت يوم الأحد إذا كان هناك عدد كاف من الناس المصممين على إجراء اقتراع.

وتعتزم القوات المؤيدة للاستقلال حشد مئات الآلاف من الناس في الشوارع يوم الأحد. وقال جوردي تورول، المتحدث باسم الحكومة الكتالونية، يوم الجمعة للصحافيين، إن  2315 مركز اقتراع ستفتح فى جميع أنحاء المنطقة يوم الأحد، وسيساعد 7235 شخصا فى إجراءات التصويت. 


ماذا سيحدث بعد التصويت؟

إن فرصة استقلال كتالونيا على المدى القصير، وفقا لمعظم المحللين، غير موجودة. وبغض النظر عن إجراء الاستفتاء أو عن الإقبال أو النتيجة، فإن شرعية الاستقلال الرسمية سواء في نظر السلطات الإسبانية أو في نظر المجتمع الدولي، ستكون محدودة. لكن احتمال أن تعلن الحكومة الكتالونية عن الاستقلال من جانب واحد ما زال ممكنا. 
 
وإذا حدث ذلك، قد تضطر مدريد للسيطرة على المنطقة وإدارتها، رجوعا إلى بند غامض وغير مستخدم في الدستور، أي المادة 155، وهذا من شأنه أن يعزز الخلافات بين الإقليم والحكومة المركزية.
كما يمكن للحكومة الكتالونية أن تذهب إلى مسار أكثر حذرا بعد التصويت، من خلال الدعوة إلى انتخابات إقليمية، لإحياء النقاش. ويقول كثيرون فى حكومة مدريد إنهم لا يستطيعون التنبؤ بما سيحدث بعد محاولة التصويت.
وفي كلتا الحالتين، ستكون هنالك صور الشرطة المسلحة التي تمنع الناس العاديين من التصويت انتصارا للحكومة الكتالونية، وخدمة علاقات عامة وترويج مجانية للقضية.


هل هناك إجماع على الانفصال؟


أجرى الإقليم عدة استفتاءات غير رسمية سابقة، لم تعترف بها المحكمة الدستورية الإسبانية، وتجرى استطلاعات مستمرة حول موقف الكتالونيين من الانفصال، ووصل دعم الانفصال إلى ذروته بنسبة 49 في المائة في عام 2013، وفقا للمركز الكتالوني لدراسات الرأي.
وقد أجرى الإقليم تصويتا غير ملزم بشأن الاستقلال في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، وحكمت المحاكم الإسبانية وقتها بأنه غير قانوني، وتم تجاهله من قبل الحكومة الوطنية. وكانت نسبة الإقبال أقل من 50 في المائة، ولكن نحو 80 في المائة من هؤلاء أيدوا الاستقلال.
ومنذ عام 2013، أظهرت استطلاعات الرأي أن التأييد الشعبي للاستقلال في كتالونيا قد انخفض إلى حوالى 41 في المائة. لكن الدعم كان لا يزال كبيرا بما يكفي  في عام 2015 لانتخاب حكومة ائتلافية تتكون من الأحزاب الموالية للانفصاليين، التي وعدت بالاستقلال.

يقول رافضو الانفصال، الذين يعتبرون أنفسهم "الأغلبية الصامتة"، إنهم يعانون من العزلة الاجتماعية والعنف اللفظي والجسدي في بعض الأحيان. ويساورهم القلق من أن كتالونيا قد تصبح أقل قبولا لأولئك الذين هاجروا إلى المنطقة. وقال أحد الناخبين، وهو يعيش في كاتالونيا منذ عام 1979، إنه يشعر بالقلق من أن تصبح القومية في المنطقة نوعا من العنصرية. وقال غابرييل زافرا، الذي يدير جمعية للمهاجرين، لصحيفة "نيويورك تايمز": "لقد خلقوا وحشا من الوهم والإثارة". "لقد وعدوهم بكتالونيا كاملة من الزهور، حيث يذهب الناس سعداء إلى الكنيسة يوم الأحد. هذه كذبة ".

هل هناك أسباب اقتصادية؟

كانت كتالونيا جزءا لا يتجزأ من إسبانيا منذ القرن السادس عشر، ومن مملكة أراغون قبل ذلك. لكن العديد من الكتالونيين اعتبروا أنفسهم أمة منفصلة مع تاريخهم ولغتهم وثقافتهم. وقد أيد البعض دائما الاستقلال، لكنه كان وجهة نظر هامشية. وعلى مدى عقود، أراد حوالى 15-20 في المائة  على الأقل الاستقلال.
 
لكن الأزمة المالية القاسية في إسبانيا، وجهت غضب النخب الكتالونية إلى مدريد. وكان العديد منهم غاضبين أيضا عندما رفضت المحكمة الدستورية الإسبانية في عام 2010 أجزاء من قانون جديد من شأنه أن يمنح كتالونيا مزيدا من الحكم الذاتي.
ويرى خبراء ومراقبون، أن الأزمة الاقتصادية، التي تعرضت لها البلاد، ولدت شعورا لدى مواطني الإقليم والنخب هناك، بأنهم يدفعون للحكومة المركزية أكثر مما تستحق، خاصة أن الإقليم الذي يعتبر صناعيا، هو من أغنى المناطق في الدولة جميعها. ويعتبر مواطنو الإقليم أن السياسات الحكومية الإسبانية تسببت في أضرار كبيرة على منطقتهم، خاصة أنهم يدفعون ضرائب تصل إلى 20 مليار يورو، من دون مقابل واضح، سواء على سبيل دعم البنى التحتية أو غيرها. ولذلك فقد ساهم العامل الاقتصادي في بلورة الرغبة في الاستقلال.
ويضم الإقليم العديد من الصناعات المعدنية، والصناعات الدوائية والكيميائية. كما أن فيه قطاعا سياحيا مزدهرا. ويسيطر على 20 % من الناتج القومي الإجمالي الإسباني.


ماهو رأي القانون؟

ينص دستور إسبانيا لعام 1978، الذي وافق عليه أكثر من 90  فى المائة من الناخبين الكتالونيين على أنه لا يمكن تقسيم إسبانيا، مشيرا إلى "الوحدة التي لا يمكن تقسيمها للأمة الإسبانية"، و"الوطن المشترك وغير القابل للتجزئة لجميع الإسبانيين".
وعلى هذا الأساس، قضت المحاكم الدستورية الإسبانية عدة مرات بأن إجراء استفتاء على الاستقلال لن يكون قانونيا. ويمكن تغيير بنود الدستور فقط من قبل البرلمان الإسباني.

لكن السؤال يبقى أكثر تعقيدا، إذ إن مناصري الانفصال يستندون إلى استقلالهم في رفض الدستور الإسباني أصلا. ويتحدث البرلمان الكتالوني عن الحق العالمي الأساسي في تقرير المصير. وعلى الرغم من أن وجود أغلبية تريد الانفصال ليس واضحا، تظهر استطلاعات الرأي أن الأغلبية تؤيد التصويت، أو "الحق في اتخاذ قرار".