هذه الخطوات "الترامبية" أتت أؤكلها سريعاً، فاستنفرت المؤسسات الأميركية (الجهاز القضائي تحديداً) ومؤسسات المجتمع المدني لمواجهة خطوات ترامب التي يرونها منافية للدستور الأميركي (تمييز على أساس الدين) والقيم الأميركية في مسائل الهجرة والتعايش.
وعد ترامب أنه سيقوم بـ "توحيد الأميركيين"، لكن أيام حكمه الأولى لا تظهر سيره في ذلك الاتجاه، بل يظهر أن تأكيداته على الهوية الدينية "المسيحية" في خطابه، وقرارات ضد الهجرة واللجوء، وحديثه عن "الإرهاب الإسلامي" كلها تأتي لتزيد الأميركيين فرقة، بين المؤمنين بالديمقراطية الليبرالية، والشريحة المؤيدة لترامب التي ترى هذه السياسات تحديداً مكمن فساد نخب واشنطن التي سيقوم ترامب بـ"تجفيف مستنقعاتها".
وهنا تتجاوز الأوضاع الأميركية نطاق الصراع التقليدي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لتصبح صراعاً بين السلطة التنفيذية والقضائية بصورة مبكرة وغير مسبوقة، كما في مسألة حظر دخول اللاجئين والمهاجرين. ودخل عامل آخر على هذا الصراع، وهو ترجمة مشاعر السخط على ترامب، السابقة لانتخابه، على هيئة تظاهرات شعبية تجوب شوارع واشنطن ونيويورك وشيكاغو ولوس أنجلس وغيرها من المدن الأميركية. ويبدو فشل ترامب أو نجاحه مرهونًا باستمرار هذه المعارضة على الأرض أو تراجعها.
ترامب ليس ساذجاً، ولا يبدو أنه سيميل إلى التهدئة مع معارضيه، فهو يعرف أن إثبات قوته أو ضعفه رهن بقراراته الأولى. لكنه قد يلجأ للعبة خطرة، وهي الاستمرار بالتصعيد، ليحشد المزيد من المناصرين حوله، ما يجعل تكلفة معارضته، من الجمهوريين تحديداً، مكلفة. ترامب بحاجة لإثبات شعبية ما لقراراته، ولن يقوم بهذا إلا باتخاذ المزيد من القرارات المستفزة، وترسيخ خطاب ديني أكثر وضوحاً، على غرار تصريحاته الأخيرة عن "ذبح المسيحيين في الشرق الأوسط" ليستميل حوله أكثر شرائح المجتمع الأميركي تطرفاً وخطورة.