يبدو من المبكر تحديد معالم سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه المنطقة، وخصوصاً أن أيامه الأولى في البيت الأبيض كانت عاصفة على الصعيد المحلي، في ما يخص قضايا الهجرة واللجوء والتمييز ضد المسلمين، إضافة إلى قضايا بناء الجدار مع المكسيك والسير باتجاه تعديل أو إلغاء اتفاقيات تجارية دولية مثل معاهدة "نافتا" الاقتصادية مع المكسيك وكندا.
أما في ما يخص المنطقة، فإن مؤشرات أيام ترامب الأولى تعزز ما قيل سابقاً عن احتمالات التصعيد مع طهران، في الوقت الذي أظهرت فيه المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الأميركي مع العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز أن علاقة "ودية" في طور التأسيس بين الرياض وساكن البيت الأبيض الجديد.
ففي المسألة الإيرانية، جاء وضع إيران على لائحة سبع دول إسلامية يحظر على مواطنيها دخول الولايات المتحدة، كبداية لتأزيم العلاقة مع طهران، والتي شهدت انفراجاً كبيراً مع الاتفاق النووي الإيراني الذي عقده ودافع عنه بضراوة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
لكن مبادرة اتصال ترامب بالعاهل السعودي مساء الأحد تجعل هذه الخطوة مستبعدة، خصوصاً مع التسريبات الإيجابية من الطرفين عن فحوى المكالمة الهاتفية، والتي تشير إلى بداية إيجابية للعلاقات السعودية-الأميركية في عهد ترامب، بعدما شهدت هذه العلاقات أسوأ فتراتها مع أوباما، على خلفية الاتفاق النووي مع إيران، وامتناع أوباما عن تقديم الدعم الكافي للمعارضة السورية، إضافة إلى خلافات تتعلق بالأوضاع في العراق واليمن، وإن كانت الإدارة الأميركية لم تقف ضد التدخّل السعودي في اليمن.
ويبدو أن ملفات إيران وسورية واليمن ومحاربة الإرهاب هي التي ستحدد بصورة أساسية موقف الإدارة الأميركية من السعودية. وفي الوقت الذي لا يبدو فيه أن محاربة الإرهاب ومواجهة إيران نقاط خلاف بين الرياض وواشنطن، تظهر التسريبات التي تشير إلى إقامة مناطق آمنة في سورية بدعم سعودي إلى احتمال عودة السعودية للقيام بدور فاعل في سورية، جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة، بعد أن استأثرت روسيا وتركيا بالساحة السورية خلال 2016.
أما في اليمن، ومع غموض فكرة المناطق الآمنة التي تحدث البيت الأبيض عن أن ترامب دعا الملك السعودي لدعم إقامتها هناك، إلا أن المقترح قد يقود لتدخّل أميركي أكبر في اليمن، لصالح السعودية، خصوصاً مع اهتمام ترامب بالساحة اليمنية، وبدء أولى "حروبه" ضد "الإرهاب" هناك بالإنزال الأميركي في محافظة البيضاء اليمنية، العملية التي أدت إلى مقتل عدد من المسلحين، وخسائر كبيرة في صفوف المدنيين.
ويأتي عدم وضوح فكرة "المناطق الآمنة" في اليمن، باعتبار أن المناطق الجنوبية التي تقع تحت سيطرة الموالين للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي يمكن اعتبارها كلها "مناطق آمنة". أما إذا كان القصد هو إقامة مناطق آمنة على الحدود السعودية-اليمنية الشمالية، فهي منطقة ما زالت مضطربة وتشهد هجمات متقطعة من مليشيات الحوثيين والموالين للرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح.
ومن المنتظر في هذا السياق، أن يؤدي وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس دوراً إيجابياً في تعزيز العلاقات السعودية مع الإدارة الأميركية، باعتباره يحمل وجهة نظر إيجابية تجاه السعودية، والتحالف معها، من خلال تأكيده على أهمية "مساندة حلفاء أميركا" على الرغم من "الخلافات في وجهات النظر".
فقد أكد ماتيس مراراً أن "التحالفات بين الدول تحدث على الرغم من الاختلافات" بينهما في إشارة إلى التحفظات الأميركية على السعودية في قضايا حقوق الإنسان. واعتبر أن الحكومة السعودية لديها "تعقيدات داخلية تحاول التعامل معها" في حديث عن موضوع قيادة المرأة للسيارة. ورأى أن الوقوف مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة "أمر ضروري" مع عدم تجاهل "القيم الأميركية التي نؤمن بها". في الوقت الذي لفت فيه إلى أن مساندة حلفاء أميركا في المنطقة يأتي من أجل مواجهة طهران، وطموحاتها في المنطقة. وكان ماتيس قد أشار إلى تغيرات في المجتمع السعودي، خصوصاً في ما يتعلق بـ"ابتعاث عشرات الآلاف للدراسة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة"، معتبراً أن هذه الخطوة تقود إلى تغيرات مستقبلية هامة في المملكة.
لكن لا يبدو أن هناك جديداً في قانون "جاستا"، بعد إشارة أعضاء في مجلس النواب الأميركي إلى احتمال تعديله حتى لا يتسبّب بأضرار للمصالح الأميركية في العالم، ولا يؤدي إلى انتهاك القانون الدولي. وفي هذا السياق، يبدو أن زيارة وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إلى الولايات المتحدة الأميركية أخيراً، جاءت بنتائج إيجابية في إطار محاولة السعودية احتواء قانون "جاستا"، والتي تُظهر المؤشرات حتى اللحظة نجاحها في هذا الأمر.
وكان الرئيس الأميركي قد بادر ليل الأحد-الإثنين بالاتصال بالعاهل السعودي، في مكالمة قيل إنها استمرت لساعة كاملة، وشملت الحديث عن إقامة مناطق آمنة في سورية واليمن، والتعاون في محاربة الإرهاب، وتأكيد العلاقات التاريخية بين السعودية وأميركا، إضافة إلى دعوات لزيارات متبادلة من الطرفين.