جبل المكبر... البلدة التي هزّت أمن إسرائيل

10 يناير 2017
نال جبل المكبر نصيبه من الإجراءات الانتقامية(أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 وحتى يناير/ كانون الثاني2017، أجبرت بلدة جبل المكبر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) على الاجتماع 3 مرات على الأقل. كما أجبرت شرطة الاحتلال على استصدار أوامر لوسائل الإعلام، بمنع النشر 3 مرات كذلك.

ذاع صيتُ بلدة جبل المكبر بعد أن نفذ عددٌ من أبنائها في العامين الأخيرين، عمليات طعن و دهس وإطلاق نار، أوقعت خسائر موجعة في صفوف جنود الاحتلال ومستوطنيه، وهزّت إجراءاته الأمنية. ويبدو أن المجلس المصغر الذي يخرج في كلّ مرة متوعداً القدس وجبل المكبر بالذات وأهلها، بسلسلة من الإجراءات الانتقامية والعقوبات، فشل في محاولات الردع تلك. والدليل، عملية الدهس التي نفّذها الأحد الماضي، ابن جبل المكبر، الشهيد فادي قنبر (28 عاما)، وأودت بحياة 4 جنود إسرائيليين.

تقع بلدة جبل المكبر، جنوبي القدس المحتلة، وتبلغ مساحتها ما يقارب 4000 دونم هي جزء من الأراضي الواسعة التي سكنتها عشائر عرب السواحرة، والتي تصل مساحتها، حسب مصطفى مراد الدباغ في كتابه "بلادنا فلسطين"، إلى أكثر من 76 ألف دونم، تصل إلى البحر الميت شرقا، وإلى أبو ديس شمالاً. برز من بين تلك الأراضي الواسعة جبل المكبر بالذات، لارتباطه بالرواية التاريخية الشهيرة، عن أن الخليفة عمر بن الخطاب قد وقف عليه قبل فتح القدس، ومنه أبصر المدينة وبكى وكبّر ثلاثاً، فسُمي الجبل وفقاً لذلك بجبل المكبر.

في العامين الأخيرين، خرج من جبل المكبر ستة شبان نفذوا عمليات مختلفة وموجعة ضد قوات الاحتلال، وقد استشهد خمسة منهم، آخرهم الشهيد قنبر، وأُسِرَ السادس.

وقبل ذلك، برز اسم جبل المكبر، حين أطلق الشهيد علاء أبو دهيم (25 عاماً) في السادس من مارس/آذار 2008، النار من سلاحه الكلاشنكوف في مدرسة "هراف" الدينية الواقعة في مستوطنة "كريات موشيه" في القدس المحتلة، ما أسفر عن مقتل 8 إسرائيليين.

جاءت تلك العملية رداً على الحملة العسكرية الإسرائيلية "الشتاء الحارّ" التي شنها جيش الاحتلال على قطاع غزة أواخر فبراير/شباط 2008، وأدت إلى استشهاد 112 فلسطينياً. قد أحدثت عملية أبو دهيم في حينها صدى كبيراً، إذ إنها جاءت بعد فترة من الهدوء في الضفة الغربية أعقبت الانتفاضة الثانية، وخاصة بعد البدء ببناء الجدار الفاصل، وإحكام الحصار على مدينة القدس.

وعاد من بعدها، اسم جبل المكبر عام 2014 ليتصدر العناوين، بعد أن نفذ الشهيدان عدي أبو جمل (22 عاما) وغسان أبو جمل (28 عاما) عملية إطلاق نار وطعن شبيهة بتلك التي نفذها أبو دهيم. في الثامن عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2014، اقتحم الشهيدان كنيساً يهودياً في مستوطنة "هار نوف" في القدس، وقتلا 5 إسرائيليين.

وبعد أقل من عام، في الثالث عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2015، خرج 3 شبان من جبل المكبر نفذوا عمليتين منفصلتين، هما الشهيد بهاء عليان (22 عاماً) والأسير بلال غانم (23 عاما)، اللذان اقتحما حافلة إسرائيلية وقاما بإطلاق النار وطعن من فيها، مما أسفر عن مقتل إسرائيليين اثنين وجرح 10 آخرين. أما الثالث فهو الشهيد علاء أبو جمل (33 عاما)، وهو ابن عم الشهيدين غسان وعدي، والذي دهس مستوطنين ومن ثم خرج من سيارته وطعن عددا منهم، وقد أسفرت هذه العملية عن مقتل إسرائيلي وجرح 7 آخرين.

وبعد كل عملية من تلك العمليات، كان المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر يسارع للانعقاد للإعلان عن سلسلة من الإجراءات الانتقامية ضدّ أهالي القدس عامة، وأهالي جبل المكبر، وعائلات الشهداء خاصّة. ومن هذه الإجراءات احتجاز جثامين الشهداء، وهي السياسة التي طاولت الغالبية العظمى من شهداء الهبة الأخيرة، ومنهم شهداء جبل المكبر. احتجز جثمانا الشهيدين عدي وغسان أبو جمل 36 يوماً، بينما احتجز جثمان الشهيد بهاء عليان  11 شهراً، واحتجز جثمان الشهيد علاء أبو جمل 6 شهور. وفي العملية الأخيرة، طالب وزارء إسرائيليون بعدم تسليم جثمان الشهيد قنبر.

وقد أعادت العمليات التي نفذها أبناء جبل المكبر نقاشا قديماً متجدداً إلى الساحات الإعلامية والسياسية الإسرائيلية، وهو النقاش حول حقيقة ما يُسمى "توحيد القدس"، وحول السؤال الذي يؤرق الساسة وخبراء الأمن الإسرائيليين "ماذا نفعل بفلسطينيي القدس؟".

وكانت شرطة الاحتلال قد نصبت جداراً على أحد مداخل جبل المكبر، في أكتوبر/تشرين الأول 2015، كإجراء عقابي وكمحاولة لفحص إمكانية فصل الأحياء الفلسطينية عن المستوطنات، وخاصة أن جبل المكبر يحاذي مستوطنة إسرائيلية هي مستوطنة "أرمون هنتسيف". ولكنها أزالت هذا الجدار بعد فترة وجيزة، بعد أن أثار انتقادات واسعة، خاصة أن لا فائدة أمنية مرجوة منه، لكونه كان يفصل أحد بيوت الفلسطينيين عن الشارع العام، لا أكثر. مع ذلك، فقد نالت بلدة جبل المكبر النصيب الأكبر من الإجراءات الانتقامية، فقد كانت آخر البلدات التي رفعت منها المكعبات الاسمنتية التي أغلقت مداخل العديد من قرى وبلدات القدس في أواخر عام 2015.

وللمفارقة، فقد كان جنود الاحتلال الذين قتلوا يوم الأحد الماضي في المكان الذي يُعرف لدى أهل القدس بـ"منتزه جبل المكبر"، أو "التاييليت" وهو الاسم العبري له، وهو حديقة صغيرة بنيت على طرف الجبل تعد نقطة جذب سياحية، إذ إنها تطل على البلدة القديمة للقدس من جهة الجنوب، ويمكن من خلالها النظر إلى أبرز معالم المدينة. وكان هؤلاء الجنود في جولة تعريفية للمدينة وتاريخها وأحيائها.

المساهمون